مواقع التواصل تصنع نجوما بشكل يومى ولحظى، وتحرق نجومها كل لحظة، وتصنع غيرهم لتحرقهم وهكذا، بما يجعل هذا العالم أشبه بثقب أسود يلتهم كل ما يضعف من النجوم ويبتلعها. وهذا العالم يولد ظواهر وأرقاما وأكاذيب، لكن بالرغم من أن اللوم قد يقع على هؤلاء الذين يحولون النكرات إلى نجوم بالفرجة، أو بالمدح أو الذم، لكن الجمهور هو من يصنع هؤلاء، وينفخ فيه من "مدحه أو لعناته، لايكاته وديسلايكاته".
كل يوم نجوم تولد فى العالم الافتراضى، لتستمر ساعات، أيام، أسابيع، تختفى تموت مثلما ولدت فجأة أو خلال أيام، أو تتحول إلى مسخ سيبرانى افتراضى يثير السخرية والضحك، ويدر ربحا والكثير من الفرجة، طالما كان يجذب المتفرجين، الذين هم أيضا جزء من لعبة تتكرر من دون رابط. وهذا ما عالجته فى كتاب " السيبرانى" وحاولت فيه فهم وتفكيك هذه النماذج التى تتحول إلى نجوم عن طريق الحركات والتصرفات الغريبة، وكلما زات العجائبية كان الشخص نجما قابلا لاستدرار المال والفرجة.. وآخر نموذج يثير الجدل واللغط على مواقع التواصل، هو اليوتيوبر الانفلونسر الأوكرانى الأصل، الذى حقق فرجة عندما كان نباتيا، ثم تحول إلى ملتهم لكل أنواع الطعام، ثم داعية للشراهة والكرش، وفى كل أحواله حقق أرباحا، مع كثير من اللايكات واللعنات.
بالطبع لن يكون آخر نموذج لمسوخ السوشيال ميديا، "نيكولاس بيرى"، الذى انتهى كأحد ملتهمى الطعام، بعد أن بدأ نباتيا رياضيا، وظهر مؤخرا يلتهم الوجبات السريعة بشراهة من أجل زيادة عدد متابعيه، نيكولاس بدأ بقناة أطلق عليها "نيكوكادو أفوكادو، يعرض فيها تفاصيل حياته، كعادة كثيرين، وبعد فترة تحول إلى أحد دعاة الطعام النباتى و"الفيجين"، استغلالا لموضة انتشرت وقتها، كان يعلن أنه نباتى، ويعرض الوجبات النباتية، وفجأة فى عام 2016، انقلب على نباتيته، وأعلن أنه ترك النظام النباتى وبدأ يتحول إلى أكيل من نوع جديد يلتهم كل أنواع الطعام بشراهة أمام الكاميرات، وهو ما يجلب له المشاهدات والأموال.
وأصبح نيكولاس يكثف من مقاطع وفيديوهات الطعام السريع، وهو ما جلب له المزيد من الإعلانات من شركات ومطاعم الوجبات السريعة، التى تفضل الإعلانات غير المباشرة، على طريقة يوتيوبرز الإعلانات الذين يقدمون فقراتهم بادعاء الصدفة وبحياد، بينما يقبضون ثمن كل هذا، من الإعلانات أو المطاعم والجهات التى تروج لمنتجاتها.
نيكولاس انتقل من عرض الطعام الصحى والنباتى، وظهر يلتهم كميات كبيرة من البرجر والمكرونة والبطاطس والكعك والحلويات، وواصل العروض حتى انتفخ جسمه وأصبح سمينا، ومع هذا استمر يسعى لاستدرار تعاطف المشاهدين معه، ليوظف هيئته الجديدة فى جذب المزيد من المشاهدات.
نموذج نيكولاس ليس أول ولا آخر هذا النوع من نجوم التريندات واليوتيوبرز والانفلونسرز، الذين يساهمون فى نشر العادات السيئة ويروجون منتجات مشكوك فيها أو ضارة بجانب الكثير من المعلومات الخاطئة بل وربما الخطرة، لمجرد أنهم يجذبون مشاهدات، ويقدمون خدمات للمنصات الكبرى التى تشجع وتراهن على الأفكار الفردية والاستعراضات الغريبة طالما كانت تجذب مشاهدات. ويتحول إلى مسخ سيبرانى، يقدم استعراضات، بعضها يثير استياء وقرف الجمهور ومع هذا يضاعف من دخل النموذج، نيكولاس يبدو أنه استنفد حيله، وكان يعرض منزله الفخم ويسخر من الفقراء، ثم يأكل الطعام الدسم، وكل هذا من أخجل المشاهدات، مثل غيره من ألاعيب العالم الافتراضي، الذين لا مانع عندهم من عرض تفاصيل حياتهم للمزيد من الفرجة، وهو ما يفعله نيكولاس حاليا الذى يظهر وهو يبكى ويشكو من السمنة، ويستعرض كرشه وملامحه وهيئته المزرية، والتى تجذب المشاهدات وبعض التعاطف والاستياء. ولا يزال الجمهور يتفرج على مأساته ويلومه أو يتعاطف معه حتى وهو مسخ. ولا يختلف عن يوتيوبر عرض صور مع جثمان والده المتوفى ومراسم الدفن، من أجل زيادة عدد متابعيها، أو مؤثر وزوجته يختلقان مشاحنات انتظارا للفرجة والمال، وسط تصديق البعض وسخرية الآخرين، ولعنات وتعاطف كلها تجلب المزيد من الفرجة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة