سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 نوفمبر 1952.. بيرم التونسى يشكو: «أعيش فى بلد لا يعرفنى بل إننى غير معروف الصنعة فى أسرتى وزوجتى تقول: أهو بيجيب فلوس وخلاص»

السبت، 25 نوفمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 نوفمبر 1952.. بيرم التونسى يشكو: «أعيش فى بلد لا يعرفنى بل إننى غير معروف الصنعة فى أسرتى وزوجتى تقول: أهو بيجيب فلوس وخلاص» بيرم التونسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يظل بيرم التونسى أشهر زجال فى تاريخ مصر، وأقدمهم، وأرقهم معنى، وأقواهم سخرية، كما أنه صاحب أعمال درامية وعشرات الأغانى الخالدة لكبار المطربين، منها لأم كلثوم، «الآهات، غنيلى شوى شوى، الأولة فى الغرام، أنا فى انتظارك، هو صحيح الهوى غلاب» وغيرها، ومع ذلك فإنه فى عام 1952 كان يشكو قائلا: «أعيش فى بلد لا يعرفنى، بل إننى غير معروف الصنعة فى أسرتى، وقد قال سيدنا سليمان الحكيم عن الهدهد: «لأذبحنه ولأعذبنه عذابا شديدا، فقيل له: ما هو العذاب الذى يكون أشد من الذبح، فأجاب: أن يوضع فى طائفة من غير بنى جنسه.. كذلك أنا».
 
جاءت هذه الشكوى على صفحات مجلة الكواكب، 25 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1952، فى حوار أجراه الكاتب الصحفى لطفى رضوان، يسلط الضوء فيه على الحالة الاجتماعية القاسية التى يعيش فيها «بيرم»، وسخريته منها، وتكيفه معها بدرجة لم تمنعه من مواصلة إبداعه الفذ، الذى أثرى الوجدان العربى.
 
يذكر لطفى رضوان أنه طلب من بيرم أن يزوره فى منزله، فرد فى التليفون: «ربنا أمر بالستر، وعاوز تفضحنى ليه؟»، ويضيف «رضوان»: «ألححت عليه، فقبل أن أزوره على أن أتحمل ما قد يصيبنى فى الطريق من طوب أولاد الحارة وعربدة شبابها، فقبلت، وبحثت طويلا عن شارع النواوى فى حى السلخانة حتى وجدت المنزل، وسألت عن بيرم التونسى، فقيل لى إنه ذهب إلى استديو الإذاعة ليشاهد راقصة سترقص على أغنية له، وانتظرت طويلا أمام باب المنزل، وتأملت الحى الذى يقطنه أشهر زجالى مصر وأقدمهم، وأرقهم معنى، وأقواهم سخرية».
 
بعد أن ينقل «رضوان» وباختصار هذه البيئة الصعبة، يذكر ما قاله «بيرم» عن كيفية تعامله معها: «ثلاث حجرات لا تكفى لكى أعيش فيها وأتنفس، فالأولاد كثيرون، والدوشة لا تنقطع، لهذا أثرت أن أنقل لحافى ومرتبتى ومكتبتى إلى هذه الحجرة الصغيرة لأكون إلى جوار باب الخروج».
 
يسأله «رضوان»: ماذا يقولون عنك فى هذا الحى القديم؟، يجيب: لا أحد يعرف مهنتى، حتى زوجتى لا تعرف مهنتى، فإذا سألتها إحدى جاراتها: «النبى حارسه بيعمل إيه؟»، أجابتها: «والله ما انا عارفة..أهه بيشتغل وخلاص وبيجيب فلوس، ده المهم»، وحدث أن دق التليفون فى منزلى وردت زوجتى وسألها المتحدث عن اسم صاحب التليفون فسألتنى: أقوله اسمك إيه؟، وحدث أيضا أن تحدثت سيدة فى التليفون وسألت عن اسم صديقة لها، فقلت لها: النمرة غلط، ولكنها سألتنى من أكون، وغلطت أنا فقلت لها: بيرم التونسى، وإذا بها تصح مستنكرة: المغناوى..قطيعة، وقفلت السكة فى وشى، يعلق بيرم: «فهل أنا مغناوى؟ يمكن».
 
يسأله «رضوان»: إذن أين تؤلف أغانيك؟، يجيب: فى الطريق، وعلى المقاهى، أهرب من المنزل مع الفجر، واستلقى على أول مقعد يقابلنى فى ركن مقهى، وأبدأ عملى، ويا ويلى إذا تقدم منى أحد معارفى وحيانى، فإن سلسلة أفكارى تنقطع على الفور وأضطر إلى لم أوراقى وانتقل إلى مقهى آخر، ويا ويلى إذا ما فتح المقهى الراديو، أهرب بدون أوراقى إلى الطريق، وأظل أسير على غير هدى، حتى أجد مقهى يديره أجنبى لا يملك مذياعا، وعندئذ أحط رحالى وأتم ما بدأته وأكمل أغنيتى، ولذلك فإن أغلب أغانى جاء مولدها بين أحضان المقاهى الأجنبية.
 
وعن أول زجل ألفه، يتذكر: «كان فى عام 1914 بالإسكندرية التى أنا من مواليدها، وكنت شابا، إذ إننى من مواليد 1893، وكان الزجل عن زفة المطاهر، وهو ما لم أنشره إلى الآن، وقلت فيه: «ياهل البلد دى فلقتونى/ يا مسلمين غلبتونى/ إن عبت فكيم تلومونى/ وتجعلونى مع المجانين/ من جمعة شفت بعنية/ فى السكة ساعة العصرية/ موكب وفيه ميت عربية/ راكبين عليها عيال حافيين»، وكانت أزجالى تهدف إلى إصلاح أحوالنا الاجتماعية، إذ كان يحز فى نفسى أن أرى أهل بلادى يعيشون فى تأخر شديد، مما كان يثير سخرية الأجانب منا».
 
وعن مغامراته الأدبية، يذكر: أصدرت بدون أمر وزارة الداخلية مجلة المسلة، وكتبت تحتها: «لا جريدة ولا مجلة»، وبدلا من وضع التاريخ على كل عدد وضعت حرف «أ، ب، ج» وهكذا، وكتبت فى عددها الأول قصة لخصت الحركة الوطنية والألفة التى قامت بين المسلمين والأقباط، فقلت: «أحمدك يا من فتحت الباب علينا/ بعد أزمان لما دبنا واتهرينا/ وانت يا جار الهنا خليك معانا/ ياللى ماسك الهجر من ليلة الرواية/ خلى باب للصلح واسمع دى الحكاية/ واللى فات مات ندفنه وحقك عليه».
 
وعن مغامرته الثانية يقول: «سافرت مجبرا وأمضيت 12 سنة فى فرنسا و6 سنوات فى تونس، وأصدرت فيها جريدة الشباب، فأغلقها الفرنسيون وطردونى، فذهبت لسوريا وأرجعونى إلى تونس، وكنت أعرف وأنا أركب الباخرة معتقلا إلى تونس أن السجن أو النفى فى «داكار» ينتظرنى هناك، فيسر الله لى طريق النزول من الباخرة فى بورسعيد وهربت، وعدت فى إبريل 1938».
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة