غادرت سيدة الغناء العربى أم كلثوم القاهرة فى رحلة عاجلة طارئة إلى لندن، يوم السبت 14 إبريل 1973، وكان برفقتها زوجها الدكتور حسن الحفناوى وسعدية ابنة شقيقتها، وكان فى وداعها بمطار القاهرة ابن شقيقها المهندس محمد الدسوقى وعدد كبير من أقاربها، والمهندس عثمان أحمد عثمان الذى يتولى إعداد «دار أم كلثوم للخير»، ومن الفنانين الموسيقار سيد مكاوى، الذى قدمت من ألحانه أغنية «يامسهرنى»، والمخرج السينمائى حلمى رفلة، حسبما تذكر «الأهرام» فى عددها، يوم 15 إبريل 1973، مضيفة: «لم تنس أم كلثوم عادتها عندما تطير إلى الخارج وهى كتابة لا إله إلا الله محمد رسول الله فى مجموعة من الأوراق تقطعها نصفين، وتقدم نصف القصاصات إلى مودعيها، وتحتفظ بالنصف الثانى المكتوب عليه محمد رسول الله».
كانت أم كلثوم فى طريقها للعلاج من المرض الذى زاد عليها فى سنواتها الأخيرة، وبدا ذلك فى آخر إطلالتها على الجمهور فى حفلاتها الغنائية يوم 4 يناير 1973، وكان الجميع يترقب الأوضاع على جبهات القتال بين مصر وإسرائيل، وكانت هى شخصيا فى قلب هذا الترقب، منذ أن بدأت مشروعها الكبير بإحياء حفلاتها فى الداخل والخارج من أجل المجهود الحربى بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وعبرت عن ذلك للكاتب الصحفى كمال الملاخ فى حوار نشرته الأهرام يوم 12 إبريل 1973، قالت فيه: «أطلب من الله جل جلاله ليل نهار، أن أرى فرحة النصر القريب وأغنيها بإذن الله».
يعلق الكاتب الباحث كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى» على ما ذكرته سيدة الغناء العربى من أمنيات، قائلا: «حققت أم كلثوم نصف تلك الأمنية الغالية فى نفسها، وتشهد شروق يوم النصر بعد ذلك التاريخ بـ6 أشهر، ويكلل مجهودها الوطنى بالعبور فى 6 أكتوبر 1973، لكن انتكاسة المرض وأزماتها الصحية المتتالية حالت بينها وبين النصف الآخر من الأمنية، وظن عديد من المقربين من أم كلثوم آنذاك أن معرفتها بأنباء العبور قد تخفف من معاناتها الصحية، وتدفعها إلى تجاوز مرضها والقيام بواجبها تجاه قضايا وطنها وأحدثه التاريخية، ومشاركة المصريين فرحتهم ببشائر النصر والعبور، كما سبق وشاركت فى كل محفل ومهرجان وطنى، لكن خاب ظن الجميع بعد ذلك».
يذكر «جمال»: خلت سجلات الإذاعة المصرية والرصيد الرائع والحماسى فى تلك المرحلة من أغنية واحدة جديدة للسيدة أم كلثوم، فأذيعت بعض أغنياتها القديمة مع نهاية كل بيان عسكرى، وعادت فى تراجيدية غريبة أغنية «راجعين بقوة السلاح/ الله معك» لتذاع عبر موجات الإذاعة المصرية، بعدما كانت شاهدة على النكسة والهزيمة الفادحة، ليقدر لتلك الأغنية أن تضطلع بمهمة أخيرة، وأن تصبح جسرا بين غروب يونيو 1967 وشروق أكتوبر 1973 ».
يضيف «جمال» أن أم كلثوم كما خاطبت طلائع الجنود قبل محنة 1967 إذاعيا، قررت مخاطبتهم وهم يردون الاعتبار ويغسلون العار السابق، فكتبت فى مجلة الكواكب، الصادرة يوم 23 أكتوبر 1973، كلمة صغيرة وجهتها إلى الجنود على خط المواجهة.
اختارت أم كلثوم أن تبدأ كلمتها بسورة من القرآن الكريم فى كلمتها للجنود وهى: «إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا»، ثم أضافت: أيها الأبطال العظام، ساعة النصر آتية لا ريب فيها، البشائر تهل علينا وعليكم، فإلى الأمام تحرسكم عين الله وترعاكم».
وكما فعلت مع جنود الجيش المصرى، فعلت مع الرئيس السادات، ويؤكد «جمال» أنها وجهت رسالة إليه تهنئه فيها بالعبور، وتعلن تبرعها بمبلغ 15 ألف جنيه مصرى، من بينها 10 آلاف لصالح المجهود الحربى، و5 آلاف لصالح جمعية الهلال الأحمر، ليكون ذلك المبلغ هو التبرع النهائى فى مسيرة مجهودها الوطنى فى أعقاب هزيمة 1967.
يذكر «جمال» أن الرئيس السادات رد على رسالة أم كلثوم برسالة شكر، فى يوم 11 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1973، قال فيها: «السيدة الفاضلة فنانة الشعب/ أم كلثوم إبراهيم.. تحية طيبة وبعد،
فقد وصلتنى رسالتك التى تعبر عن نبل مشاعرك، وصادق وطنيتك وروحك التى عبرت عن مثالية عالية، بتبرعك للمجهود الحربى لتدعيم القوات المسلحة، التى تخوض معركة من أشرف معاركها فى الدفاع عن حقنا المغتصب فى أرضنا العربية العزيزة، وسنمضى فيها مزودين بالإيمان الذى يملأ قلوبنا، حتى يكلل الله نضالنا بالنصر لنبنى صرح أمتنا شامخا، على أسس قوية من الإيمان ودعائم ثابتة من العلم، والله يوفقنا ويسدد خطانا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة