وائل السمري يكتب: "ريفو" مسلسل بروح المغامرة.. يبتكر لغته الدرامية الجديدة ويتحول إلى أيقونة من الحنين.. المخرج صنع صورة مبهرة لا تشوبها شائبة.. وأمير عيد أتقن التمثيل "للمشاهد" لا التمثيل "عليه"

الإثنين، 09 أكتوبر 2023 08:19 م
وائل السمري يكتب: "ريفو" مسلسل بروح المغامرة.. يبتكر لغته الدرامية الجديدة ويتحول إلى أيقونة من الحنين.. المخرج صنع صورة مبهرة لا تشوبها شائبة.. وأمير عيد أتقن التمثيل "للمشاهد" لا التمثيل "عليه" مسلسل ريفو

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

دائما ما يحمل الرهان على الصيغ الجديدة والأفكار الجديدة والمعالجات الجديدة شيئا من مخاطرة، لكنه في ذات الوقت يحمل الكثير من الأمل والكثير من الأحلام، وقد وصل مسلسل ريفو الذي أنتجته منصة "واتش ات" التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وأخرجه "يحيى إسماعيل" وكتبه "محمد ناير" إلى ما هو أكثر من الحلم، وصل إلى الحقيقة،بل وصل إلى "الظاهرة" والأكثر من ذلك هو أنه جعل المغامرة عملا إيجابي محفوفا بالوعود بعدما كانت عملا متهورا  غير مأمون العواقب.

والمغامرة في هذا المسلسل شملت كل عناصر العمل الفني تقريبا، بداية من القصة المختلفة عن "وصفات" النجاح المعتادة، والمخرج "الجديد" القادم من عالم الإعلانات والذي يقدم عملا دراميا لأول مرة، والبطل الرئيسي الجديد "أمير عيد" الذي احتل دور البطولة لأول مرة، والحقبة الزمنية "الجديدة" على الدراما المعاصرة، والتي يحتار الكثيرون في أمرها هل هي من الماضي أم من الحاضر؟ والوجوه القديمة التي أعيد تقديمها بشكل جديد مثل الفنان القدير محسن محيي الدين والفنانة الكبيرة إيفا، والفنان والموزع الموسيقي حسام حسني.

أضف إلى ذلك أيضا أن المسلسل وإن كان الفنان أمير عيد يحتل دور البطولة وتشكل قصته مركز الأحداث، ومحور الصراع، لكننا نستطيع أن نقول إنه من مسلسلات البطولة الجماعية، فكل عنصر من عناصر فرقة "ريفو" الخمسة يعد بطلا للعمل، وهنا يصعب الرهان ويتعاظم التحدي، لأن أي خفوت في موهبة أحد العناصر سينعكس بالسلب على العمل كله.

 

هذا مسلسل جديد تماما، أحداثه تدور حول تاريخ فرقة موسيقية انتشرت في التسعينات واختفت بعد وفاة مطربها الرئيسي في ظروف غامضة، في إشارة رمزية لما كان يتمتع به هذا الجيل من أحلام ضاعت وطموحات تحطمت، وكأنها تاهت لغياب "المخلص" أو "الرائي" الذي كان يسير إلى حلمه فيسير وراؤه الآخرون، ثم تبعثروا ما بين مصاب بالاكتئاب، ومهاجر إلى الخارج، ومطحون في عالم المال والأعمال، ومأزوم يحاول أن يستعيض عن دفء الفرقة بالغرق في العبادات.

إن كنت من الذين عاشوا تلك الفترة وتأملت هذا المصير جيدا ستجد أنه يتشابه مع مصائر الكثيرين ممن تعرفهم، وربما تكون أنت أحدهم، وهذه النقطة تحديدا هي التي جعلت من المسلسل "أيقونة" لجيل كان يبحث إذ يحلم ويحلم إذ يبحث، وللأسف انتهى الأحلام إلى واقع مربك، وانتهت الأبحاث إلى متاهة من الأسئلة.

 

حمل المسلسل بجانب شحنة الحنين الفاشية رهافة غير عادية، تلقائية تليق بحفنة مراهقين يبحثون عن مكان تحت هذا السحاب، ارتجالية تليق بجيل يعرف حينما يجرب، و يجرب حينما يشك، ثم يسكن في خانة الشك لا يغادرها طوعا وكرها، وقد عبر الفنان أمير عيد هذا هذا الحال المضطرب بأغنيته "متكتف" التي أظن أنها ستعيش أطول من أعمار مبدعيها، وفيها يقول "متكتف.. مهموم موجوع وضعيف وشجاع/ مليان أحلام وعشان مربوط/ مكسور بكسر في المآديف"

           

كانوا خمسة وسادسهم حلمهم، مسكونون بالرغبة في التحقق والاختلاف، مهووسون بأمل حفر أرواحهم على سماء الحاضر، غامروا ونجحوا، ثم انتكسوا وصمتوا، صارت أغانيهم مثل رسالة في زجاجة، تسافر عبر العصور وتصل إلى جمهورهم الضيق وكأنها رسالة شخصية تمس قلب كل واحد فيهم، رسالة للمغتربين عن زمنهم، للهاربين من جحيم المألوف والعادي، الساعين إلى وضع قدمهم في بحيرة التجريب.

 

شادي "أمير عيد" التائه في أسرته المتبعثرة بين أب غائب وأم مصابة بالزهايمر وزوج أم يحاول إن يثبت له دائما إنه أبوه، ومراون "صدقي صخر" الخجول الواقع تحت سيطرة أبيه أستاذ الموسيقى الصارم، وماجد جورج "تامر هاشم" صاحب الروح المنطلقة والأب التقليدي، وأباظة "حسن أبو الروس" عازف الجيتار المحترف صاحب الروح المنطلقة والإمكانيات العائلية البسيطة والذي سيشهد تطورا رهيبا في شخصيته، ونعمان "مينا النجار" الشاب المتأرجح بين اللهاث إلى "المصلحة" والنزوع إلى الإنسانية.

 

الغريب أن الجميع أتقن دوره، وهذا يدل بلا شك على أمرين غاية في الأهمية، الأول أن هناك حالة حب وتفاهم كبيرين أحاطت بأبطال العمل فأخذ كل واحد بيد زميله حتى انصهر الجميع في قالب الإتقان، والثاني أن المخرج "يحيى إسماعيل" استطاع أن يوصل رسالته بدقة شديدة، فتشبع الفريق بها وتقمصها، فصدرت عن كل واحد فيهم وكأنه صارده من قلبه ووجدانه،  ومادمنا قد تحدثنا عن الإخراج فلا مناص من الإشادة بهذا المبدع المحترف الذي صنع صورة لا تشوبها شائبة، وحبك الدراما بإيقاع هادئ أحيانا ولاهث في أحيان أخرى، كما ألزم نفسه بقاموس ومفردات التسعينات التي ربما لم يشاهدها، ومزج الموسيقى بالدراما فشكل لوحة بصرية وسمعية في الآن ذاته، وهي مهمة غاية في الصعوبة  والتفرد، أما السيناريو الذي كتبه الكاتب المحترف "محمد ناير" فإن أكثر ما أحب أن أشير إليه هو أنه استطاع أن يعايش تجربة الفرق الغنائية وحياة الموسيقيين بأتى بروح هذه الفرق خاصة الشبابية منها واستطاع أن يستعير منها مفرداتها المتخصصة والتفاصيلها الغنية، بشكل يدل على أن وراء هذه المشاهد جهد بحثي وميداني يحترم.

 

ولا يفوتني هنا أن أشير بمزيد من التحية إلى براعة أمير عيد في التمثيل بلا تمثيل، لدرجة أقنعتنا أحيانا أنه هو بالفعل "شادي" صاحب هذه الشخصية المركبة، وأكدت أنه يمثل للمشاهد لا يمثل "عليه". أما مروان صخر فقد استطاع أن يربطنا بالحكاية بمنتهى الرهافة، بل واستطاع أن يمثل دور "المكتئب" دون أن يؤجج في قلوبنا شحنات الاكتئاب بل "الشفقة" والرغبة في الاستنهاض وهذا الأمر من وجهة نظري منتهى البراعة والتوفيق، أما حسن أبو الروس فقد أدى بلا شك أهم أدواره، وكانت عليه مسئولية كبيرة بأن يحمل وحده الانحراف العاصف من التهور الكبير إلى السكون المرير، كما استطاع "تامر هاشم" أن يخلق تعاطفا كبيرا مع شخصيته في المسلسل وأن يكون الصديق صاحب الروح الخضراء على الدوام، كما أجاد مينا النجار أداء دوره بامتياز، واستطاع عبر حلقات الجزئين أن يغيره جلده تماما بأن يتحول من مجرد "شخص طفيلي" غير مرغوب فيه إلى "حاضن" أساسي لأوجاع أصدقائه ومفتاح رئيسي تطور الدراما.

يبدأ المسلسل برحلة تقطعها مريم "ركين سعد" لاكتشاف قصة فرقة ريفو التي كان والدها قد بدأها ولم ينهها، ومن خلال هذه الرحلة في الأزمنة التي عاشتها الفرقة والأمكنة التي كانت مسرحا لأحداث حياتها تنجح "مريم" في اكتشاف نفسها واختبار قدراتها وتحديد اختياراتها، وهذه الرحلة لا تقطعها مريم فحسب، بل يقطعها المشاهد أيضا، عبر 20 حلقة هي مدة الجزئين الأول والثاني، ثم لا تنتهى الأحداث بنهاية المسلسل، وقد ترك في القلب أسئلة وفي الوجدان حنين.

6331649









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة