سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 31 أكتوبر 1967.. عبدالناصر يلغى إجراءات حظر إبداع الشاعر نزار قبانى بسبب قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» ورجاء النقاش يبلغه بالقرار

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 31 أكتوبر 1967..  عبدالناصر يلغى إجراءات حظر إبداع الشاعر نزار قبانى بسبب قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» ورجاء النقاش يبلغه بالقرار نزار قبانى و رجاء النقاش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
توجه الكاتب الناقد رجاء النقاش، والناشر اللبنانى سهيل إدريس، رئيس تحرير مجلة الآداب، إلى الشاعر نزار قبانى بمكتبه فى بيروت صباح 31 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1967، وذلك لاستلام رسالته إلى جمال عبدالناصر، حول حظر إبداعه فى مصر بسبب قصيدته «هوامش على دفتر النكسة»، حسبما يذكر «النقاش» فى كتابه «ثلاثون عاما من الشعر»، راجع ذات يوم، 30 أكتوبر 2023.
 
يذكر «النقاش» أنه استلم نسختين من الرسالة، نسخة أصلية موجهة إلى عبدالناصر، وصورة احتفظ بها، ويكشف «قبانى» نصها فى كتابه «قصتى مع الشعر»: «سيادة الرئيس جمال عبدالناصر.. فى هذه الأيام التى أصبحت فيها أعصابنا رمادا، وطوقتنا الأحزان من كل مكان، يكتب إليك شاعر عربى يتعرض اليوم من قبل السلطات الرسمية فى الجمهورية العربية المتحدة «مصر» لنوع من الظلم لا مثيل له فى تاريخ الظلم، وتفصيل القصة أننى نشرت فى أعقاب نكسة الخامس من حزيران «يونيو» قصيدة عنوانها «هوامش على دفتر النكسة»، وأودعتها خلاصة ألمى وتمزقى، وكشفت فيها عن مناطق الوجع فى جسد أمتى العربية، لاقتناعى بأن ما انتهينا إليه لا يعالج بالتوارى والهروب، وإنما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيئاتنا، وإذا كانت صرختى حادة وجارحة، وأنا أعترف سلفا بأنها كذلك، فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة، ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح، من منا يا سيادة الرئيس لم يصرخ بعد 5 حزيران؟ من منا لم يخدش السماء بأظافره؟ من منا لم يكره نفسه وثيابه وظله على الأرض؟».
 
«قصيدتى كانت محاولة لإعادة تقديم أنفسنا كما نحن، بعيدا عن التبجح والمغالاة والانفعال، وبالتالى كانت محاولة لبناء فكر عربى جديد يختلف بملامحه وتكوينه عن ملامح فكر ما قبل 5 حزيران. إننى لم أقل أكثر مما قاله غيرى، ولم أغضب أكثر مما غضب غيرى وكل ما فعلته أننى صغت بأسلوب شعرى ما صاغه غيرى بأسلوب سياسى أو صحفى، وإذا سمحت يا سيادة الرئيس أن أكون أكثر وضوحا وصراحة، قلت أنى لم أتجاوز فى قصيدتى نطاق أفكارك فى النقد الذاتى، يوم وقفت بعد النكسة تكشف بشرف وأمانة حساب المعركة، وتعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله، لذلك أوجعنى أن تمنع قصيدتى من دخول مصر، ويفرض حصار رسمى على اسمى وشعرى فى إذاعة الجمهورية العربية المتحدة «مصر» وصحافتها، قصيدتى أمامك يا سيادة الرئيس، أرجو أن تقرأها بكل ماعرفناه عنك من سعة أفق وبعد رؤية، ولسوف تقتنع برغم ملوحة الكلمات ومرارتها بأننى كنت أنقل الواقع بأمانة وصدق، وأرسم صورة طبق الأصل لوجوهنا الشاحبة والمرهقة، يا سيدى الرئيس لا أصدق أن هذا يحدث فى عصرك». 
 
وقع نزار على رسالته وأرخها «بيروت، فى 30 تشرين الأول، أكتوبر 1967»، ويكشف «النقاش» أنه عرض الموضوع على الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين، رئيس مجلس إدارة دار الهلال، وسلمه الرسالة، ويكشف «النقاش»: «لم يمض أسبوعا حتى استدعانى محمد فائق، وزير الإعلام، ليطلعنى على رسالة نزار وقد أعادها إليه الرئيس، بتعليق بخط يده يقول فيه ما معناه: «يلغى قرار المصادرة بالنسبة للقصيدة، ويرفع أى حظر على اسم نزار أو أى قرار بمنعه من دخول مصر».
 
يؤكد «النقاش» أنه ليس عنده تفسير للطريقة التى عرف بها محمد فائق أننى كنت الشخص الذى حمل الرسالة، وأغلب الظن أن بهاء - أمانة منه - روى القصة كاملة عند تسليم الرسالة، ويضيف: «طلب منى فائق إبلاغ نزار برد الرئيس، وفى مساء ذلك اليوم كتب بهاء رسالة قصيرة إلى نزار بما حدث»، ويذكر «النقاش»، أنه انتهز دعوته لبيروت من عاصى الرحبانى لحضور افتتاح فيلم جديد من بطولة فيروز هو «سفر برلك»، وسافر وأبلغ نزار رسالة فائق الشفوية، وسلمه رسالة بهاء المكتوبة.
 
ويكشف «نزار» أن أحد المقربين من عبدالناصر روى له، أن الرئيس وضع خطوطا تحت أكثر مقاطع الرسالة، وكتب بخط يده التعليمات الحاسمة التالية:
1 - لم أقرأ قصدية نزار قبانى إلا فى النسخة التى أرسلها إلى، ولا أجد أى وجه من وجوه الاعتراض عليها. 
 
2 - تلغى كل التدابير التى قد تكون اتخذت خطأ بحق الشاعر ومؤلفاته، ويطلب إلى وزارة الإعلام السماح بتداول القصيدة. 
 
3 - يدخل نزار قبانى إلى الجمهورية العربية المتحدة متى أراد، ويكرم فيها كما كان فى السابق.
يعلق «نزار»: «كسر الرئيس عبدالناصر بموقفه الكبير جدار الخوف القائم بين الفن والسلطة، بين الإبداع وبين الثورة»، ويعلق «النقاش»: «المعنى الكبير الحقيقى فى هذه القصة هو أن الحركة الثقافية فى عصر عبدالناصر كانت قادرة على أن تحاور وتعارض حتى ولو كان هناك موقف رسمى من قضية ما، وليس صحيحا أن الكتاب والمثقفين كانوا قطيعا من الأغنام أو مجرد كورس كومبارس يرددون ما تقوله السلطة».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة