عادل السنهورى

الخروج من الأزمة.. التجربة الماليزية (1)

الأربعاء، 21 سبتمبر 2022 04:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

" انظر حولك" واحشد طاقاتك وابحث عن ثرواتك فوق الأرض وتحتها، واستجمع قواك وعقولك وخبراتك واستنهض طاقتك الكامنة.. هذه الشعارات الواقعية التي تعتمدها الدول في أزماتها.. تستعيد مخزونها الكامن لمواجهة الأزمات بكل ما لديها من أدوات وخبرات وسواعد فتية التجارب في الخروج من الأزمة، ليست ببعيدة وفي هذه التجارب نماذج ملهمة.

 

الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها دول العالم الآن بسبب أزمتين طارئتين منذ 2019 بجائحة كورونا، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، تدفع الآن الدول إلى استنهاض الهمة والقدرات وحشد الطاقات. ومصر من الدول التي دائما ما تستعد للمواجهة.. ومؤخرا كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بتنظيم المؤتمر الاقتصادي من أجل  حوار بناء مشترك بين الحكومة ومجتمع الأعمال للخروج  بنتائج تحقق الأهداف التي يعقد من أجلها المؤتمر، والاستفادة من كل الآراء المطروحة ووضع خارطة مستقبل للمواجهة. 

 

الأزمات ليست كلها شر خالص، بل في أحيان كثيرة هي خير غير مرئي أمام العزيمة والتصميم والعمل الجاد والتحدي.. وهو ما حدث على سبيل المثال في تجربة ماليزيا والبرازيل مع الأزمات الاقتصادية الخانقة.

 

في أبريل سنة 2009 وأمام حشد كبير من طلاب جامعة بكين بالصين خاطب رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد الحضور، قائلا: "لقد شكلت الأزمة الاقتصادية 1997-1998 عامل تحد حقيقيا لاقتصادياتنا، وجعلتنا نعيد النظر في استراتيجياتنا الاقتصادية وحتى اندماجنا في الاقتصاد العالمي. إن السبب المباشر لأزمة 1997 كان التلاعب الكبير بالعملات من طرف المضاربين في السوق المالية لقد أدى هذا التلاعب إلي فقدان عملتنا المحلية لقيمتها وضعف قوتها الشرائية، "

يسترسل مهاتير في محاضرته: "من الدروس المهمة التي قدمتها أزمة 1997 أنه على الآسيويين أن لا يتقبلوا الاستراتيجيات الغربية كما هي، بل يجب أن تخضع لاختبارات وانتقادات وإذا أثبتت فشلها أو عدم صلاحيتها لوضعيتنا رفضناها".

 

في كتابه المهم عن الأزمة والدروس المستفادة في ماليزيا يقول مهاتير: "كانت أولى الخطوات للتخفيف من آثار الأزمة هي تثبيت معدل الصرف من خلال منع المضاربين من المتاجرة بالعملة المحلية، على الرغم من أن هذه الخطوة تعتبر خاطئة من منظور البنوك الغربية إلا أنها ساعدت في تطوير المشاريع الاقتصادية وحفزت المستثمرين على الدخول في السوق من دون خوف من انهيار العملة في أية لحظة.

 

كما رفضت ماليزيا مقترحات صندوق النقد الدولي والتي منها زيادة فائض الميزانية لرفع معدلات الفائدة وكذلك رفض القروض المقدمة من البنك الدولي على أساس أن شروطها تجعل الاقتصاد الماليزي يدار من داخل مكاتب صندوق النقد الدولي وليس من الماليزيين أنفسهم. استطاعت ماليزيا تقديم استراتيجية سريعة للحد من آثار أزمة الأسواق المالية ، وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية كانت لها نتائج ايجابية مع بعض الثغرات إلا أن بعض المحللين يرون أنها كانت استراتيجية قوية أسست على قرارات جريئة.

 

يرى مهاتير ان علينا العمل على تطوير منظومتنا المصرفية بما يتماشى مع وضعيتنا، قد نكون حققنا نجاحا في المحافظة على توازن اقتصادي في عالم تعصف به الأزمات من كل جانب لكن هذا لا يعني أن استراتيجيتنا المتبعة كانت مقدسة بل بالعكس مهما كانت النتائج يجب دائما أن نخضع هذه الاستراتيجيات للمزيد من النقد والدراسة والتمحيص.

 

في أواخر تسعينيات القرن الماضي شهدت البورصة الآسيوية تطورا مذهلا جعلها قبلة للمضاربين بالعملات والمستثمرين في قطاع البورصة، وعلى الرغم من أهمية هذا التطور السريع في حركية السوق المالية الآسيوية، إلا أنه كان تطور ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب. ففي صيف 1997 ضربت أزمة اقتصادية خانقة هذه الدول مسببة دمارا اقتصاديا هائلا، ارتفاعا في معدلات التضخم، ضعف القوة الشرائية، انهيار العملات، ارتفاع معدلات البطالة ، انهيار بنوك وإفلاس مؤسسات. تسونامي حقيقي حول مستقبل هذه البلدان إلي جحيم وكبحت آمالها التي بنتها  منذ سنين في تحقيق النمو والازدهار الاقتصادي.

 

الكتاب يبحث عن حقيقة ما حصل، ولماذا، وكيف تمت معالجة الأزمة بحكمة ومهارة. فالاقتصاد الماليزي قبل الأزمة كان قد حقق نسبة نمو بلغت 8% سنوياً وعلى مدى أعوام متعاقبة. وكانت ماليزيا مستقرة سياسياً واقتصادياً بينما اتسمت عملتها بالقوة فكانت الديون الدولية ضمن النطاق المقبول. وهو الأمر الذي مكنها على الدوام وبشكل متكرر من الإيفاء بديونها المستحقة عليها فأبعد ذلك عنها شبح التهديدات الاقتصادية، كالركود الشديد أو الأزمات الخانقة. ثم حدث ما حدث.

ماليزيا – رغم الأزمة لم تتوقف عن البناء- وشرعت بعدة مشروعات ضخمة للبنى التحتية التي كلفت مليارات الرنجيت- العملة المحلية- لم تكن هنالك زيادة ملحوظة في حجم القروض الأجنبية. وهكذا لم تتعرض الحكومة لأية ضغوط لوقف  تلك المشروعات الضخمة حتى في فترة الاضطراب الاقتصادي طالما كانت غير ممولة من الخارج.

بالنسبة للقطاع الخاص يذكر مهاتير محمد أنه كان متحرراً من عبء الديون الخارجية الكبيرة وتمت تلبية الكثير من احتياجاته المالية من خلال القروض الداخلية. وكانت نسب الربح قليلة جداً بحيث كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تستقرض جزءاً مهماً من احتياجات رأسمالها من مصادر محلية. وكان مستوى الاحتياطيات الخارجية يعني ان كل متطلبات ماليزيا من المستوردات كالبضائع الكبيرة والمتوسطة أو بضائع المستهلكين يمكن تلبيتها من دون الحاجة إلى القروض الخارجية. بمعنى آخر فان الموقف المالي لماليزيا وعند نهاية يونيو عام 1997 اتسم بالقوة والتماسك ولم يكن أبداً في حسابها ان تتعرض لأزمة اقتصادية أو مالية.

 

في النهاية خلصت الحكومة الماليزية إلى رسم خطة علاج اقتصادي قومي وأنشأت مجلساً للعمل الاقتصادي القومي. وبدأت المناقشات والأفكار في التعامل مع الأزمة بالظهور.

 

كان الهدف الرئيسي من وراء نظام السيطرة الانتقائي على سعر الصرف والذي تم الشروع به في سبتمبر عام 1998 هو استرداد ماليزيا للسيطرة على اقتصادها من يد المضاربين بالعملة ومن الاستغلاليين بحيث يقرر الماليزيون وحدهم مستقبل البلاد الاقتصادي. وكانت الإجراءات ـ حسب تعبير مهاتير ـ قد تم تنفيذها على نحو يعد غاية في العناية والمهارة بهدف الإشادة بالجوانب الإيجابية للعولمة ولإزالة الجوانب السيئة منها. ومن بين الجوانب الإيجابية للعولمة والتي تم إلقاؤها ما يتعلق بالحرية المطلقة والكاملة لقضايا التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بحيث لم يتعرض لأي تغيير النظام المتحرر الذي يحكم العمليات التجارية والاستثمارات الأجنبية المباشرة. أما الجوانب السلبية فهي إلغاء السوق غير المرخص للمضاربة بالرنجيت والتدفق الحر للأموال قصيرة الأمد والتي تزعزع الاقتصاد.

بدأت الدولة في استغلال مواردها لزيادة الإنتاج واستكشاف مناطق جديدة لدعم الاقتصاد الوطني . يقول مهاتير اكتشفنا ثروة هائلة من الأخشاب في الغابات. ثم بدأنا في استغلال النخيل لصناعة زيت النخيل وأصبحنا الدولة الأولى في انتاجه وتصديره. وبدأت خطة  تقليل الواردات لزيادة حجم الصادرات و تحقيق الفائض التجاري.

دروس مستفادة يرى المؤلف في معرض حديثه عن الأزمة الاقتصادية في بلاده وأسلوب معالجتها، أن ماليزيا قد تخلصت من الكارثة بسرعة وقوة. ولاذ الخبراء، الذين توقعوا حصول كارثة في ماليزيا عند فرضها عمليات سيطرة على رؤوس الأموال، بالصمت، واعترفوا على مضض بنجاح الإجراءات الماليزية وقدرتها على الخروج بقوة ومن ودون جراح من تلك التجربة.

 

ومن دون شك المضاربة بالعملة كان السبب وراء دمار اقتصاد الدول التي يقوم التجار بتقليل قيمة عملاتها. ويحدث في بعض المرات ـ وكما يشير ـ ان يصاحب الاضطراب المالي والاقتصادي بفعل هبوط القيمة بطالة هائلة ونقص في الغذاء والوقود ومظاهرات وأحداث شغب وإحراق للمحال التجارية وعمليات سلب واغتصاب وقتل. وبالنسبة لتجربة ماليزيا في معالجة الاضطراب الاقتصادي والمالي سيبقى ذلك نموذجاً قوياً وعبرة لا يستهان بها لما يخبأه المستقبل من أزمات واضطرابات. أما الدرس الأهم مما حصل فهو الحاجة لمعرفة الأسباب الحقيقية للتدهور وكيف تعمل والعلاقة المتداخلة بين العوامل المختلفة. وعندما تتضح التفاصيل سيكون ممكناً رسم إستراتيجية لمواجهة القوى المسببة للمعضلة.

 

وربما تقوم عدة حلول بطرح نفسها لأي من هذه المشكلات، وعندئذ سيكون ثمة مطلب آخر في مناقشة هذه الحلول وتجريبها. ومن جانب آخر يعتبر توفر المعلومات الكاملة والمتواصلة عما يحصل على الأرض مهماً إلى درجة كبيرة جداً. وبوسع الأرقام والإحصائيات والجداول ان تسرد قصة أفضل مما تفعله التقارير المكتوبة. فعندما يكون النظام ضرورياً فإن الناس الذين يديرون أو يشغلون ذلك النظام يحظون بدرجة أكبر من الأهمية. والأمر الأخير كما يبين المؤلف هو أن ماليزيا قد تعلمت ضرورة الحرص في ادارة اقتصادها، وأن لا تسمح لنفسها أبداً بأن يدب فيها الوهن الناجم عن التقصير في المحافظة على قوتها المالية والاقتصادية. ومن خلال المثابرة المطلقة ستضمن ماليزيا معدلات نمو تجعلها في النهاية في مصاف الدول المتقدمة، كما أٌريد لها وفقاً لرؤية 2020.

 

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة