قرر الفريق محمد أحمد صادق، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، دخول المستشفى لإجراء جراحة دون أن يخبر أحدا، لكنه لم يفعلها، بسبب المعارك بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية التى اندلعت يوم 16 سبتمبر 1970 والمعروفة تاريخيا باسم «أيلول الأسود»، دارت المعارك فى عمان ومحافظات أردنية أخرى، وحسب «صادق» فى مذكراته بمجلة «أكتوبر- القاهرة -18 سبتمبر إلى 18 ديسمبر 2011»: «قررت دخول مستشفى القوات المسلحة فى ضاحية المعادى بالقاهرة لإجراء جراحة ولم أخبر أحدا بدخولى المستشفى، وكان فى ذلك الوقت الرئيس جمال عبدالناصر موجودا فى مرسى مطروح لراحة إجبارية فرضها عليه الأطباء، ولن يزعجنى أحد، وعلىَّ أن أجرى الجراحة وأمضى بضعة أيام فى المستشفى، ثم أعود لعملى كرئيس لهيئة أركان القوات المسلحة المصرية».
سافر عبدالناصر إلى «مطروح» من الإسكندرية بالقطار يوم 16 سبتمبر، حسب تأكيد زوجته السيدة تحية فى مذكراتها «ذكريات معه» عن «دار الشروق- القاهرة»: «كان وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى وحسين الشافعى فى القطار معنا، وصلنا مرسى مطروح فى المساء، وكان الاستقبال من الجماهير كالعادة حارا، وذهبنا لنقيم فى بيت المحافظ وكان خاليا، وفى مرة كان سيمشى على البحر فقال لى: تعالى معى، وذهبنا لبيت قريب من البيت الذى نقيم فيه، وقال: «إنها استراحة يقيم فيها حسين الشافعى، وكان قد حضر بعد أن أخذ حماما فى البحر، مكثنا وقتا قصيرا معه ورجعنا البيت».
تضيف تحية: «فى اليوم التالى» 17 سبتمبر «حضر الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى وعدد من أعضاء مجلس الثورة، ومكثوا يوما واحدا، وتناولوا فيه الغداء مع الرئيس فى البيت فى الدور الأول، وتناولت الغداء فى الدور الثانى مع عبدالحكيم، وقبل خروج الرئيس الليبى ومرافقيه طلبنى الرئيس لمصافحتهم».
كان عبدالناصر يتابع ما يحدث فى الأردن، وحسب الفريق صادق: «بعد دخولى المستشفى بساعة واحدة دق جرس التليفون وقيل لى إن الرئيس عبدالناصر على التليفون، ما زلت أذكر صوته يرن فى أذنى: «أهلا يا صادق.. أنت فين؟.. إحنا عاوزينك لمهمة عاجلة ستسافر الآن فورا إلى الأردن فى مهمة لوقف القتال الدائر هناك، المقاومة فى مأزق وأنت أعرف الناس بهم، أنت فين دلوقت؟»، يؤكد صادق: «لم أشأ أن أقول للرئيس إننى فى المستشفى»، وعاد عبدالناصر يكمل حديثه قبل أن أرد: «إلى جوارى الآن الرئيس القذافى هو أيضا سيكلمك»، ويقول القذافى: «يا أخ صادق سفرك الآن ضرورة لإنقاذ الثورة الفلسطينية»، ويعود الرئيس عبدالناصر ليتابع تعليماته: «جهز نفسك للسفر فورا إلى عمان»، وأجيب أنا: «لكن يا سيادة الرئيس.. عمان تحترق، القتال فى الشوارع، مطار عمان مغلق»، يرد: «يا صادق تصرف، وأنا واثق فى حسن تصرفك، كل ما نطلبه من الملك حسين هو وقف نزيف الدم.. وتحقيق المصالحة وإنقاذ عرفات من هذا المأزق الخطير».
يكشف صادق: «غادرت المستشفى رغم تجهيز حجرة العمليات فعليا، ومن مستشفى المعادى إلى مطار «ألماظة» مباشرة، حيث أصدرت تعليماتى بتجهيز طائرة حربية للإقلاع فورا على أن تملأ خزانات الوقود إلى نهايتها.. واكتفيت بالقول إننا متجهون إلى بيروت، وعند وصولنا أجواء العاصمة اللبنانية قلت لقائد الطائرة: «الآن إلى مطار المفرق فى الأردن، وبلا إجراء أى اتصالات لاسلكية كنا فوق المطار وهبطت الطائرة».
توجه «صادق» لقائد المطار العسكرى، وكشف له عن شخصيته قائلا: «أريد لقاء عاجلا مع جلالة الملك حسين.. معى رسالة مهمة من الرئيس عبدالناصر»، ويؤكد صادق أن اتصالات عديدة تمت مع القصر الملكى، وأخيرا جاء الملك حسين على التليفون قائلا: «الطريق غير مأمون لوصولك». قلت: «أعلم ذلك»، وأرسل طائرة هليكوبتر، وهبطت بنا فى فناء القصر الملكى بالحمر، يتذكر «صادق» أن الملك حسين كان فى ردائه العسكرى، ومظاهر الإرهاق على وجهه، وقال: «ها أنت ترى أفعالهم، لا بد من القضاء على الفتنة وإنقاذ الأردن»، يضيف «صادق»: «جلست طويلا مع الملك وبعد أن أطلعنى على كل دقائق الموقف العسكرى قلت: «أريد أن أقابل ياسر عرفات.. وأين هو عرفات»؟ قال لى الملك: «لن تجده.. نحن نبحث عنه ولا نجده».
استمرت المناقشات حوالى ثلاث ساعات، وحسب «صادق» فإنه غادر القصر الملكى بسيارة مصفحة يوم 18 سبتمبر مثل هذا اليوم «1970، ونقلته السيارة إلى مقر السفارة المصرية فى جبل عمان، حيث يواجهها فندق الأردن أكبر فنادق عمان، ويؤكد: «هناك لم أجد أحدا فى السفارة إلا ضابط اتصال مصرى شجاع هو إبراهيم الدخاخنى الملحق العسكرى بالأردن، لم يكن معنا فى السفارة سوى جهاز اللاسلكى، وجهاز راديو، والقصف يحيط بنا من كل النواحى، وظللت ثلاثة أيام داخل السفارة، ومن الطابق العلوى كنت أراقب مسرح العمليات، وأجريت من خلال «الدخاخنى» اتصالات مباشرة مع عدد من قادة المقاومة، وبدأت عملية إبلاغ الرسائل إلى أبو عمار حول شروط وقف إطلاق النار»، وتوالت الأحداث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة