"كنا أطفالا صغارًا تطالع أعيننا ما يقوم بها الوالدين فنذهب إلي الدراسة ونعود لممارسة العمل الذي تربينا عليه منذ الصغر وخشنت أيادينا الناعمة من الدق علي سعف النخيل حتي أصبحت المهنة الرئيسية لدى كثير من بناء العائلة، تعينهم على الحياة تجعلهم في تعاون وترابط فيما بينهم".. بهذه الكلمات يبدأ العم جمال أحمد، مدرس بالمعاش وصانع أقفاص منذ 50 عاما في محافظة قنا، حديثه عن الصناعة وورثه من الآباء والأجداد، حيث يولد الأبناء في العائلة ويعملون فيها بسن مبكر حتي بعد الالتحاق بالوظائف الحكومية أو الخاصة.
ولم يختلف عمل العم جمال بعد بلوغه سن المعاش بعد تفرغه أكثر لصنعة الأجداد وأصبحت المعين له، فيجلس في كل صباح أمام منزله ليبدأ الصنعة المحببة له والتي لم يتخلي عنها طوال أكثر من 50 عاما ومنذ أن أمسك بيداه لأول مرة الساطور والمطرقة وأدوات العمل البسيطة، وتخصص في صناعة الأقفاص التي تباع للتجار والمزارعين في مواسم مختلفة علي مدار العام صيفًا وشتاء، ويستخدم فيها الجريد الذي يشتريه من تجار النخيل ويستخدمه بعد الشراء مباشرة وقبل أن يجف ويصبح غير قابل للتشكيل.
العم جمال أحب المهنة فأحببته وجعلته يتغلب علي مشقتها وأصبحت بعد سنوات رفيقته والمساعد له للإنفاق علي أسرته، فالزوجة والأبناء والجيران كل منهم يعمل في الصنعة وتقسم الأدوار عليهم بحسب خبريتهم، لذلك أطلق عليها مهنة الجمع لا التفريق وجعلتهم في مودة لاسيما أن المئات من أبناء العائلة الواحدة يعملون فيها بالوراثة لأكثر من عقود متتابعة، وأصبح كل من يدخل إلي الشارع يتحول لجزء منه ويتعلم تلك الصناعة ويعمل فيها لتصبح مساعدًا للدخل، فمئات الأسر في المدينة يعملون بها.
وقال جمال أحمد، مدرس علي المعاش وصانع أقفاص، إن هذه الصنعة متوارثة والأجيال تسلم بعضها البعض علي مدار سنوات عديدة، حيث يتعلم الابن الصنعة من والده، وهي صنعة محلية وأشبه بالصناعات المنزلية ويتواجد أفراد الأسرة أمام المنزل وتساعد الأسرة بأكملها في الصناعة، منهم ربة المنزل والابن الصغير الذي يشاهد والديه، لافتًا أن تعلم الصنعة في البداية يكون بالنظر ثم محاولة التجربة، حيث يذهب الطفل إلي مدرسته ويعود يجد الصنعة أمامه ويتعلمها تلقائي دون أن يشعر، وهناك نوع من الشغف في هذه الصناعة للفك والتركيب وصناعة كل أنواع النجارة بالجريد، كما أن مميزات الصنعة هي العمل في المنزل بحسب حاجة الفرد ويمكن العمل والاستماع إلي التليفزيون أو الاستماع إلي قرآن وغيره، وتوفير فرص عمل للأبناء.
وأشار جمال أحمد، إلي أن الصنعة متوفرة علي مدار العام وليس لها مواسم معينة للعمل، ففي الوقت الحالي نعمل في تصنيع الأقفاص للمانجو ثم موسم الموز وكذلك مواسم التمر وغيرها من الفاكهة والخضراوات المتعاقبة، ومن أهم الأدوات الهلال للتقطيع والماسورة والمسمار والمدق وهذه أنواع بسيطة لا تحتاج إلي تكلفة عالية، والتعلم يكون عن طريق النظر والمشاهدة ثم الممارسة لوقت ليس بطويل وهو ما تعلمه الأبناء من الآباء في العائلة التي يطلق عليها السرايرية نسبة إلي صناعة السرير من الجريد وكذلك صناعة الكراسي والأقفاص.
وتابع صانع الأقفاص، أن هناك صناعات بدأت في الاندثار ونحافظ علي تلك الصنعة لأنها يدوية، فالصناعات التي تدخلها الماكينات تقضي عليها لاسيما اليدوية، ولكن تلك الصناعة لا يمكن أن تدخلها الماكينة لذلك هي متواجدة في الوقت الحالي ولن تندثر ولكن يتراجع العاملين فيها من وقت لآخر وتصبح الحرفة اليدوية الوحيدة التي يعمل فيها قطاع كبير من الصناع وما زالت صامدة في وجه الحداثة.
العم-أحمد-صانع-أقفاص
العم-جمال-أحمد
العم-جمال-أحمد-بقنا
تصنيع-القفص-بقنا
صانع-أقفاص-من-50-سنه-بقنا
صناعة-القفص
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة