محمود فوزى "وزير خارجية الثورة".. عميد الدبلوماسية المصرية أرسى سياسة مصر الخارجية بعد 23 يوليو.. ترك بصمة مميزة فى "مفاوضات الجلاء".. وتحركاته فضحت العدوان الثلاثى وأرست قواعد "عدم الانحياز"

الإثنين، 01 أغسطس 2022 12:32 م
محمود فوزى "وزير خارجية الثورة".. عميد الدبلوماسية المصرية أرسى سياسة مصر الخارجية بعد 23 يوليو.. ترك بصمة مميزة فى "مفاوضات الجلاء".. وتحركاته فضحت العدوان الثلاثى وأرست قواعد "عدم الانحياز" الوزير محمود فوزي والرئيسان عبد الناصر والسادات
كتب: أحمد جمعة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت التحديات التي تواجه مصر في الخارج لا تقل في حدتها عن تلك التي تنتظرها مع العالم الخارجي، فكان اختيار مجلس قيادة الثورة على محمود فوزي الذي صار عميداً للدبلوماسية المصرية بعد مسيرة حافلة من الإنجازات والمعارك الدبلوماسية، تراوحت ما بين مفاوضات الجلاء، وانتهت بمشاركة مميزة في تدشين أسس حركة عدم الانحياز.

 

وبعد مرور الذكري السبعين على ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 التى خرجت من أجل تطلعات الشعب المصرى في وجود مؤسسات وطنية قادرة على حماية مقدرات هذا الشعب، هذه الثورة التي واجهت تحديات وعقبات كبيرة استدعت تكليف شخصية دبلوماسية قوية وقادرة على الدفاع عن المصالح والسياسة الخارجية المصرية في ظل حالة التكالب الدولي لإفشال الثورة الوليدة والتي كانت نبراسا للشعوب العربية لإنهاء الاستعمار الأجنبي الذى استمر لعقود طويلة.

 

وعلى مدار العقود الماضية لعبت شخصيات مصرية أدوار مهمة في عدة مجالات وسجلت هذه المواقف التاريخية بحروف من نور في تاريخ البلاد، وهى الشخصيات التي كانت تعمل في صمت دون أي مقابل سوى خدمة هذا الوطن الكريم الذى نعيش فيه، وبفضل تضحيات هذه الشخصيات التي لم تتأخر يوما عن دعم مصر وشعبها نجحنا في تجاوز التحديات التي تواجه مصر، ويعد وزير خارجية مصر الأسبق محمود فوزى أحد أبرز هذه الشخصيات.

يعد الوزير الدكتور محمود فوزى أحد أبرز رجال الظل في التاريخ المصري حيث شغل عدد من المناصب الهامة خلال فترة المملكة وعقب إعلان الجمهورية، ولعب دورا هاما في اتخاذ قرارات مصيرية في تاريخ مصر وهو أول وزير خارجية لمصر بعد ثورة 23 يوليو 1952م.

 

ولد محمود فوزي في 19 سبتمبر 1900 في شبرا بخوم بقويسنا في محافظة المنوفية، وحين ولد أراد أبوه أن يسميه "محمود" في المقابل تمسكت والدته بتسميته "فوزي" فكان الاتفاق أن يجمع الاسمين في اسم مركب هو "محمود فوزى"، اسمه كاملا "محمود فوزى دسوقى جوهرى" وهو حاصل على ليسانس الحقوق في 1923 ودرس في إنجلترا كما حصل على الدكتوراه في القانون الدولى من إحدى الجامعات الإيطالية، ومنذ تخرجه عمل بالسلك الدبلوماسى.

 

كانت بداية محمود فوزي كاتبًا في القنصلية المصرية في نيويورك، ثم نقل ليشغل منصب مأمور للقنصلية المصرية باليابان، ثم في القدس والأردن، وفى عام 1946 اختير مندوبًا لمصر بالأمم المتحدة، وفى 1952 عين سفيرًا لمصر في المملكة المتحدة.

 

لعب محمود فوزي دورا بارزا في فضح العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأجرى الوزير فوزى زيارة إلى نيويورك في الثالث أكتوبر من العام نفسه ليتولى تمثيل مصر بنفسه في مناقشات مجلس الأمن الدولي، وحرص على إجراء مشاورات مع وزير خارجية يوغسلافيا الأسبق بوبوفيتش الذي كان يقدم النصائح الصادقة لمصر ويدعمها في معركتها ضد العدوان الثلاثي.

 

 وقاد "فوزي" مشاورات مع وزير خارجية يوغسلافيا آنذاك في 4 أكتوبر 1956 وتم الاتفاق على الخطوط العريضة للأزمة سواء من ناحية المبدأ أو الأسلوب، وكانت يوغسلافيا كانت أبرز دول أوربا التي تقدم لمصر النصيحة الصادقة، وكان لديها من الخبرة في مجال السياسة الدولية أكثر مما لدي القيادة المصرية آنذاك؛ وكانت القاهرة في حاجة ماسة إلى مثل هذا الصوت العاقل غير المنحاز إلى أي أطراف دولية.

 

نجحت جهود وزير خارجية مصر الأسبق في حشد مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولى واستنكر المجلس فكرة اللجوء إلى القوة، واقترحت مصر عقد اجتماع فى جنيف وتركت تحديد موعده لكل من فرنسا وبريطانيا لبحث وقف العدوان الثلاثي، واتفقت مصر مع يوغسلافيا على الخطة الدبلوماسية التي ستعمل عليها القاهرة وتقدمت مصر باقتراح لتشكيل لجنة للمفاوضات مكونة من 8 أو 9 دول، وأرسل الوزير محمود فوزي برقية إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يخبره بأنه لن يذكر اللجنة في بيانه؛ لأنه لو فعل ذلك فلن يحظى إلا بدعم دولتين فقط هما يوغسلافيا والاتحاد السوفيتي.

 

وتؤكد برقية الوزير محمود فوزي مدى الدعم الكبير الذي قدمته يوغسلافيا لمصر خلال العدوان ومدى حرص الجانب المصري على التنسيق مع يوغسلافيا في التحركات الدبلوماسية التي قادتها القاهرة للتنديد بالعدوان والتحرك لوقفه، ولعب وزير خارجية مصر الأسبق دورا كبيرا في عملية التنسيق والاتصال المستمر مع يوغسلافيا.

 

وعقب تأميم مصر لقناة السويس، أكد الــدكتور محمــود فــوزي منــدوب مــصر فــي الأمــم المتحدة بأن مصر لم تحضر مؤتمر لندن بسبب التهديد والوعيد الذي سبقه؛ فلقـد كـان عقد المؤتمر إنذارا لا دعوة. وقال: "لم نكن مـدعوين لحـضور مـؤتمر بـل كنـا مطلـوبين للمحكمة"

 

ونجحت مصر في حشد جهود بعض الدول الإقليمية والدولية حتى أن الرئيس اليوغسلافي تيتو قد أعـرب عـن دهـشته بـسبب عـدم دعوتـه لحـضور مـؤتمر لنـدن، معربا عــن أســفه للتهديــد باســتعمال القــوة ضـد مــصر.

 

وبينما كانت النقاشات دائرة في أروقة الأمم المتحدة حول أزمة السويس المتصاعدة، فوجئ العالم ببدء العدوان الإسرائيلي على مصر فى مساء الإثنين 29 أكتوبر 1956، وأعلنت بريطانيا أنها لن تعمل على استغلال العدوان، ولكن في مساء اليوم التالي 30 أكتوبر قدمت حكومتا بريطانيا وفرنسا إنذارا نهائيا لمصر تطالبان فيه باحتلال قناة السويس طوعا أو كرها وسحب القوات المصرية 200 كم غرب حدود مصر الشرقية وبذلك تكشفت خيوط المؤامرة العدوانية البريطانية الفرنسية الإسرائيلية

 

وأخذت بريطانيا وفرنسا قبل هجومهما من البر والبحر تشنان على مصر حرب الغارات الجوية؛ فأغارت الطائرات البريطانية على القاهرة منذ مساء الأربعاء 31 أكتوبر، وفى مساء هذا اليوم أيضاً أكتوبر 1956 أعلنت وزارتا الحرب فى لندن وباريس بدأ عملياتهما الحربية ضد مصر.

 

هاجم مصر ثلاث دول تحشد معها أكثر من 1000 طائرة وحوالي 700 دبابة وأسطولين كبيرين وقوات برية تتفوق في العدد على القوات المصرية أربع مرات على الأقل.

 

وحرص وزير الخارجية آنذاك محمود فوزي على تنسيق المواقف المشتركة مع يوغسلافيا، وجاء في وثيقة من وثائق الخارجية المصرية ما يعبر بجلاء عن موقف يوغسلافيا الداعم لمصر بشكل كبير حيث ذكرت: "ذهبت يوغوسلافيا إلي مدي بعيد رغم سياستها الحيادية بين الكتلتين وعلاقاتها بالغرب - في تأييد مصر ضد العدوان.وكان طبيعيا أن تؤيد يوغوسلافيا - حكومة وشعبا- مصر في موقفها بعد العدوان عليها.. وهو مثال لاتحاد وجهات النظر ووحدة المصالح بين البلدين."

 

ولعبت الدبلوماسية المصرية بقيادة الوزير محمود فوزي دورا كبيرا بالتعاون مع يوغسلافيا في اجتماع الجمعيــة العامــة للأمــم المتحــدة فــى أول نــوفمبر لبحــث العدوان الثلاثي على مصر بعد أن فشل مجلس الأمـن فـى وقـف العـدوان؛ وتـصف وثيقـة الخارجيـة موقـف يوغـسلافيا إبـان انعقـاد الجمعيـة العامـة قائلـة: "وكـان موقـف يوغـسلافيا خـلال انعقـاد الجمعيـة العامـة تأييـد مـصر علـي طـول الخـــط".

 

وأصـــدرت الجمعيـــة العامـــة لهيئـــة الأمـــم المتحـــدة يـــوم 2 نـــوفمبر عام 1956 القرار الآتي "وقف إطلاق النار فورا، انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي المــصرية وانــسحاب القــوات المــصرية والإســرائيلية إلــى مــا وراء خطــوط الهدنــة، ومنــع الـدول الأعـضاء فـى هيئـة الأمـم المتحـدة مـن إرسـال عتـاد حربـى إلـى الـشرق الأوسـط، واسـتئناف الملاحـة فـى قنـاة الـسويس وضـمان سـلامتها، وقـد جـاء هـذا القـرار انتـصارا للدبلوماسية المصرية التي لعبت دورا كبيرا في الترويج للموقف المصري العادل تجاه العدوان الثلاثي الغاشم

 

دوره في مفاوضات الجلاء

ساهم الوزير محمود فوزي بشكل كبير على المستوى السياسي في مفاوضات جلاء القوات البريطانية عن مصر خلال توليه منصب وزير الخارجية، ويعد واحدا من المسئولين عن وضع مبادئ حركة عدم الانحياز التي كانت السبب في تحرير أكثر من بلد أفريقي، وشارك في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، واستمر وزيرا للخارجية المصرية حتى عام 1964.

شارك الوزير فوزي في مفاوضات جلاء القوات البريطانية ولعب دورا دبلوماسيا هاما في الضغط على الجانب البريطاني للخروج من مصر بعد احتلال دام لعقود طويلة، ومع توالى النجاحات التي حققها الوزير محمود فوزي فقد عين عقب نكسة 1967 مساعدا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

بعد تولي الرئيس محمود أنور السادات الحكم، تولى "فوزي" رئاسة الحكومة أربع مرات متتالية من 1970 إلى 1972، ثم أصبح مساعد الرئيس للشئون الخارجية، إلى أن تقاعد في مارس 1973، قبل أن يعتزل الحياة العامة إلى أن رحل في 12 يونيو 1981.

 

دوره في تعزيز نفوذ مصر داخل حركة عدم الانحياز

ساهم محمود فوزي في وضع مبادئ حركة عدم الانحياز وفي تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، واستمر بمنصبه حتى 24 مارس 1964، كان له جولات دبلوماسية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وأيضا زيارات خارجية لتوطيد علاقات مصر بالدول الأجنبية، لا سيما بلدان التحولات السياسية آنذاك ومن أبرزها زيارته لكوبا عام 1959، عندما كان وزيرا لخارجية الجمهورية العربية المتحدة، واستقبال الزعيم الشهير إرنستو جيفارا له في العاصمة هافانا.

وشهدت تلك الفترة علاقات قوية بين الرئيس جمال عبد الناصر وثوار كوبا بقيادة جيفارا وفيديل كاسترو وذلك قبل زيارة "جيفارا" الشهيرة لمصر في شهر يونيو من العام 1959.

وتأسست حركة عدم الانحياز من الدول التي حضرت مؤتمر باندونج عام 1955 وكان عدد الدول التي كانت نواة لتأسيس الحركة 29 دولة، وتعتبر الحركة نتيجة مباشرة للحرب الباردة بين المعسكرين (الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تضم حلف الناتو) و(المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي الذي يضم حلف وارسو) ويعتبر مؤسسي الحركة الأوائل هم الرئيس المصري الراحل جمال عبدا لناصر ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس اليوغسلافي تيتو وأخيرا الرئيس الاندونيسي أحمد سوكارنو.

لعبت حركة عدم الانحياز دوراً مهماً في الحفاظ على السلام والأمن في العالم وكانت تهدف إلى الابتعاد عن السياسات التي نتجت عن الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي وفي سنوات الحركة الذي تجاوز الخمسين عام وصل عدد الأعضاء المنظمين للحركة إلى أكثر من 116 دوله وتعتبر جهود الحركة من العوامل الأساسية التي ساهمت في القضاء على الاستعمار.

استضافت القاهرة الاجتماع التحضيري للقمة الاولى للحركة في الفترة من 5 الى 12 يونيو1961، برئاسة الدكتور محمود فوزي وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة حضره ممثلون من 22 دولة هي أغلب الدول التي شاركت في مؤتمر باندونج، عدا الصين، حيث نوقشت معايير العضوية في الحركة والدول التي يمكن توجيه الدعوات اليها للمشاركة في قمة بلجراد.

في بداياتها كان تركيز الحركة بالأساس على مناهضة الاستعمار في ستينيات القرن الماضي، ثم التنمية الاقتصادية ومسألة اعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية الدولية وقضايا البيئة فيما بعد، بجانب قضايا نزع السلاح والأمن الدولي، وتأكيد الحاجة الى ديمقراطية العلاقات الدولية. وفي تقدير الكثيرين ساهمت حركة عدم الانحياز في تعزيز استقلال الدول الاعضاء وتهيئة الظروف لسلام ممتد وتعاون دولي. بل أن الحركة نجحت الى حد كبير في التكيف مع الظروف المتغيرة في العلاقات الدولية

يجب الإشارة إلى دور الوزير محمود فوزي في حمل رسالة التحذير شديدة اللهجة المكتوبة بالقلم الرصاص من البكباشي جمال عبدالناصر (الرئيس لاحقا) إلي إمبراطور إثيوبيا هيلاسلاسي من بناء سد على النيل بل كان الوزير محمود فوزي مهندس إدارة الأزمة التي انتهت لصالح مصر دون الإضرار بالآخرين.

 

 

الوزير الدكتور محمود فوزي
الوزير الدكتور محمود فوزي

 

الوزير محمود فوزي في مجلس الأمن
الوزير محمود فوزي في مجلس الأمن رفقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر
 
الوزير محمود فوزي
الوزير محمود فوزي

 

عميد الدبلوماسية المصرية محمود فوزي
عميد الدبلوماسية المصرية محمود فوزي
 
محمود فوزي
محمود فوزي








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة