ذكرت دراسة حديثة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات ، أن الدولة المصرية انتهجت برنامجًا وطنيًا للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016، وعلى الرغم من عدم تضمين محور خاص لإصلاح البورصة المصرية، فإن الأوضاع الاقتصادية الكلية انعكست بشكل مباشر على مؤشرات البورصة خلال المراحل المختلفة للإصلاح الاقتصادي، وقد انعكس أول مؤشرات الإصلاح الاقتصادي في تحسن مؤشرات سوق الأوراق المالية، حيث حققت السوق نموًا ملحوظًا خلال تعاملات العام مما دفع المؤشر الرئيسي لتسجيل أعلى قيمة في تاريخه مقتربًا من 12500 نقطة بنمو يقترب من76% خلال العام، واستمر ارتفاع المؤشرات الرئيسية لسوق الأوراق المالية حيث سجل المؤشر الرئيسي للبورصة EGX30 ارتفاعًا بنحو 22% عام 2017، وهو ما جعله يحتل المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية خلال 2017.
وأوضحت الدراسة أنه منذ أواخر عام 2019، ومع بوادر ظهور فيروس كورونا وتداعياته على كافة أوجه الحياة الاقتصادية، تراجعت مؤشرات البورصة بشكل كبير، وانخفض المؤشر الرئيسي بنسبة 22%عن العام السابق له، وما لبثت الاقتصادات العالمية تتعافى من آثار جائحة كورونا حتى جاء الصراع الروسي الأوكراني ليزيد من حجم التحديات التي تواجه البورصة، ومن أهمها تطبيق سياسات نقدية تقييدية محلية وعالميًا والتي تؤدي بدورها إلى جذب مدخرات الأفراد، إلا أنها تمثل تكلفة أكبر للديون مقابل حقوق الملكية بالنسبة للشركات. وقد ترتب على تلك السياسات خروج سريع للاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أدوات الدين الحكومي hot money في اتجاه أسعار الفائدة الأعلى، في حين يلاحظ التباطؤ النسبي في خروج الاستثمارات طويلة الأجل.
أوضحت الدراسة أن عدد الشركات المقيدة تراجع من 803 شركة عام 2004 إلى نحو 212 شركة عام 2022، فضلًا عن انخفاض عدد الشركات المتداول أوراقها مقارنة بعدد الشركات المقيدة وهو ما يستلزم وضع آليات لضمان التعامل على أكبر عدد ممكن في السوق بما يؤدي إلى زيادة فرص حصول عدد أكبر من الشركات على التمويل من سوق التداول، وارتفاع درجة تنويع المخاطر للمستثمرين، بما يعود بالنفع على الاقتصاد القومي. فضلًا عن وجود قدر كبير من الأوراق المالية المتداول خارج السوق المنظمة، مما يتطلب إيجاد آلية تتيح تحويل الأوراق المالية غير المقيدة إلى السوق الرسمية.
وأشارت الدراسة إلى أن البورصة أحد القطاعات الرئيسية بالاقتصادات الرأسمالية، وترتبط بالاقتصاد في شكل علاقة تأثير وتأثر، فمن جهة تعكس البورصة الأوضاع الاقتصادية حيث تعتبر مرآة للاقتصاد، كما تؤثر على مجريات الأمور الاقتصادية من خلال ما تعطيه من إشارات ومؤشرات استباقية لسائر المؤشرات الكلية. وقد مرت البورصة المصرية بمراحل متعددة قامت بدورها في بعض المراحل، وأصابها خلل وقصور في مراحل أخرى. والآن ومع ما تشهده الساحة الاقتصادية العالمية من تسارع للأحداث التي تؤثر بدورها على الاقتصادات المحلية، فضلًا عما تشهده الساحة المحلية من اقتراب موعد البدء في برنامج الطروحات الحكومية، فمن الضروري استعادة البورصة المصرية لدورها الرائد في الاقتصاد المحلي. ومن هذا المنطلق يستعرض المقال تطور أوضاع البورصة المصرية، مع إلقاء الضوء على متطلبات إعادة تفعيل دورها في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية الحالية.
وأكدت أن أسواق النقد ورأس المال اتسمت بصفة عامة خلال الفترة (1974 – 1991) بالجمود وعدم المساهمة الفعالة في تخصيص الموارد بالكفاءة الاقتصادية المطلوبة نتيجة عدم الاعتماد على قوى السوق والمؤشرات السعرية، وعدم توافر المعلومات اللازمة لتحديد الأسعار، وعدم ملاءمة الإطار المؤسسي والقانوني، ومزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على التمويل المطلوب فيما يعرف بأثر المزاحمة.
وسلطت الدراسة الضوء على فترات سابقة في تطبيق الإصلاح الاقتصادى وتأثيره على أسواق المال، منها برنامج الإصلاح الاقتصادي (1991-1997) فقد شهدت سوق الأوراق المالية نشاطًا ملحوظًا بفضل صدور القانون رقم 95 لسنة 1992 ولائحته التنفيذية، والذي عمل على إعادة تنظيم النواحي التشغيلية والمؤسسية والقانونية لسوق الأوراق المالية، فضلًا عن تنظيم الوظائف الإشرافية للهيئة العامة لسوق المال. وقد شهدت تلك الفترة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي ساهم في ارتفاع قيم التداول وحجم الأوراق المالية المتداولة، وزيادة عدد الشركات المتداول أسهمها وكذلك رأس المال السوقي. وبفضل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي زادت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل إلى الاقتصاد المصري، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع القيمة الحقيقية للجنيه المصري، ومن ثم تغير النمط الاستهلاكي للمواطنين، وكذلك النمط الاستثماري نحو مزيد من التوجه إلى قطاع العقارات وسوق الأوراق المالية.
ثم شهدت الفترة التالية (1997-2003) ظروفًا اقتصادية ومصرفية مغايرة تمثلت في حادث الأقصر، وأزمة النمور الآسيوية، وانخفاض أسعار البترول، بالإضافة إلى انخفاض السيولة بالعملة المحلية، وزيادة الطلب على الدولار، وارتفاع نسبة عدم القدرة على سداد الديون المصرفية. وقد ترتب على تلك الأحداث انخفاض قيمة الجنيه المصري، وسادت حالة من الركود، وظهرت أزمة السيولة، وهربت رؤوس الأموال الأجنبية للخارج. وقد ساعد على ذلك توقيع مصر على اتفاقية تحرير الخدمات المصرفية والتأمينية في ديسمبر 1997، وتراجعت مؤشرات سوق الأسهم بصفة عامة، باستثناء عام 2000.
واستدعت تلك الأوضاع ضرورة اتّباع برنامج لإصلاح وهيكلة القطاع المالي عام 2004، وانقسم البرنامج إلى مرحلتين تضمنت المرحلة الأولى (2004-2008) إصلاح قطاع البنوك والمؤسسات غير البنكية وسوق الأوراق المالية وزيادة مشاركة القطاع الخاص. أما المرحلة الثانية (2009-2012) فقد استهدفت رفع كفاءة أداء وضمان سلامة الجهاز المصرفي وزيادة تنافسيته وقدرته على إدارة المخاطر. وانعكس ذلك البرنامج على مؤشرات السوق؛ فبالنسبة للسوق الأولي فقد شهدت بداية تلك الفترة تحسنًا تدريجيًا لإصدارات الأسهم الجديدة للشركات حتى عام 2007 إذ تأثرت تلك الإصدارات بالأزمة المالية العالمية عام 2008/2009 والتي أدت إلى تراجع الاستثمارات الخاصة وتأسيس الشركات الجديدة نظرًا لميل الاستثمار الخاص للتريث تطبيقًا لمبدأ wait and see. واستمر انخفاض إصدار الأسهم الجديدة خلال عامي 2010/2011 و2011/2012 متأثرًا بتداعيات ثورة 25 يناير التي أثرت على أسهم تأسيس الشركات الجديدة، وكذلك على أسهم زيادة رأس المال بالنسبة للشركات القائمة، إذ تأثرت بدرجة أكبر. أما عن إصدار السندات فقد بدأت في الارتفاع منذ عام 2005، وساهمت السندات الحكومية التي تنقسم إلى سندات الخزانة وسندات الإسكان وسندات التنمية، بالجزء الأكبر من إجمالي الإصدارات، ويرجع التحسن النسبي في سوق السندات الحكومية إلى بدء العمل بنظام المتعاملين الرئيسيين منذ عام 2004 مما ساعد على زيادة ثقة المتعاملين في السوق، وبالنسبة لحصة القطاع الخاص من إصدار السندات فقد اتسمت بالتواضع النسبي، بما يُشير إلى عدم اعتماد الشركات والبنوك على سوق السندات كأداة تمويلية، الأمر الذي يؤكد على ضرورة تنشيط سوق السندات وإعادة هيكلته من خلال تعاون البنك المركزي مع هيئة الرقابة المالية. وتأثر إصدار السندات بظروف كل من الأزمة المالية العالمية عام 2007/2008 وثورة يناير عام 2011، إذ شهد تراجعًا خلال تلك الفترة.
أما بالنسبة للسوق الثانوية فقد شهدت الفترة (2003-2005) ارتفاع مؤشرات البورصة ارتفاعًا كبيرًا، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة عوامل من أهمها: تأثر البورصة المصرية بالارتفاعات التي شهدتها الأسواق العالمية والناشئة عام 2003، وبرنامج الخصخصة، وإصلاح الجهاز المصرفي وإعادة هيكلة بنوك القطاع العام، وخفض التعريفة الجمركية، وإصدار قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وقانون الضرائب على الدخل، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي واختفاء السوق الموازية تمامًا بعد تفعيل نظام الإنتربنك الدولاري أواخر عام 2004.
وقد شهد عام 2005/2006 برنامجًا ناجحًا للطروحات الحكومية تم خلاله طرح الرخصة الثالثة للمحمول بقيمة 3 مليارات دولار، الأمر الذي يعكس تحسن أداء الاقتصاد المصري من جهة، وتدعيم الدولة المصرية للاستثمارات الخاصة، ثم تلا ذلك تراجع نسبي في معدلات نمو سوق التداول نتيجة قيام البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة على الدولار، مما أدى إلى تراجع العديد من الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى التراجع الحاد الذي شهدته الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية في فبراير 2007 وأزمة القروض العقارية التي أثرت بشكل ملحوظ على أداء أسواق المال، واستمر ذلك التراجع خلال الأزمة المالية العالمية وما أعقبها من أحداث محلية عام 2011 والذي شهد توقف نشاط البورصة لأكثر من ستة أسابيع خلال شهري فبراير ومارس 2011، واتخاذ هيئة الرقابة المالية عددًا من الإجراءات التي أثرت على أداء البورصة خلال عام 2011.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة