من ناحية أخرى، سلطت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية، المتخصصة في الشئون الآسيوية، الضوء على ما يتواتر في وسائل الإعلام الأمريكية عن توجه مرتقب لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتخفيض أو إلغاء بعض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية في مسعى منه لإحتواء التضخم الداخلي المضني للمواطنين وسط تراجع شعبية الرئيس الديمقراطي على نحو قياسي.


وذكرت "ذا ديبلومات" - في تقرير لها تحت عنوان (هل تسهم التخفيضات الجمركية في تحسن العلاقات الصينية الأمريكية) - أن إدارة بايدن ستعلن قريبا إعفاءات جمركية لبعض الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، فيما تعد هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها إدارة بايدن صراحة في تخفيض الرسوم الجمركية على خلفية الضغوط التضخمية المحلية، وما ترتب عليها من ارتفاع تكاليف المعيشة.


ورأت أن الإعفاءات الجمركية من جانب واشنطن قد تكون علامة إيجابية نادرة في وقت شهد تزايد التوتر السياسي بين الصين والولايات المتحدة، معتبرة أن أن إعفاء الرسوم الجمركية لسلع صينية بمثابة اعتراف ضمني بأن الولايات المتحدة قد خسرت الحرب التجارية التي دامت سنوات مع الصين. 


وأشارت إلى إضافة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تعريفات جمركية إضافية على السلع الصينية متذرعة بالعجز التجاري الكبير والحواجز ضد صادرات الشركات الأمريكية وانخفاض مشتريات الصين من البضائع الأمريكية، لافتة إلى أنه مع ذلك شهدت السنوات الأخيرة المزيد من الأدلة على أن الحرب التجارية ضارة بالولايات المتحدة نفسها.


وأضافت: أنه "في ذات الوقت، لم تغير الصين سلوكها التجاري بسبب الإجراءات الأمريكية، ولم تغير الحرب التجارية الحقيقة المتمثلة في أن الصين والولايات المتحدة تعانيان من عجز تجاري ضخم، حيث أظهرت البيانات أن عجز تجارة السلع الأمريكية ارتفع بنسبة 18.3% إلى مستوى قياسي بلغ 1.1 تريليون دولار عام 2021، بينما ظلت الصين أكبر دولة عجزا في ميزانها التجاري البالغ 355.3 مليار دولار".


وأشار التقرير إلى أن الحرب التجارية "لا تفرض تكاليف على الصين"، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني عام 2021، بل تتحمل الولايات المتحدة أكثر من 90% من تكاليف التعريفة الجمركية في حربها التجارية مع الصين، وذلك كما أكد رئيس الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة ماثيو آر شاي أن الجمارك وسلطات حماية الحدود الأمريكية جمعت ما يقرب من 136.5 مليار دولار من المستوردين الأمريكيين منذ أن دخلت التعريفات حيز التنفيذ في عام 2018، مما أدى أيضا إلى زيادة التكاليف بشكل كبير على المستهلكين الأمريكيين، وتبين أن محاولة "معاقبة الصين" كانت بمثابة معاقبة للولايات المتحدة نفسها.


وأوضح التقرير أنه مع استمرار التضخم المرتفع، طلبت الدائرة التجارية الأمريكية من إدارة بايدن إعادة النظر في التعريفات، حيث تعتبر إدارته تخفيض بعض الرسوم الجمركية وسيلة للرد على الاستياء الداخلي إزاء الأسعار المرتفعة الحالية، خاصة مع ضغوط انتخابات التجديد النصفي نهاية العام الجاري، إذ يواجه بايدن ظروفاً انتخابية غير مواتية، وفقًا لدراسة أجراها معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن.


ورجح المعهد، في دراسته، خفض الأسعار إذا ما اتخذت إدارة بايدن سلسلة من الخطوات لتقليل أو إلغاء التعريفات الإضافية المختلفة المعمول بها حاليًا، وتزامن مع ذلك تصريحات المستوردين الأمريكيين حول فوائد تخفيض أو إلغاء التعريفات المرتفعة على الصين، مما دفع بايدن إلى التفكير في بعض التخفيضات الجمركية لمحاولة إظهار أن البيت الأبيض يركز على معالجة التضخم.


ومع ذلك، فإن الإعفاء من الرسوم الجمركية، الذي تم الكشف عنه في وسائل الإعلام ليس تخفيضًا كاملاً للتعريفات بالنسبة للصين، مما يشير إلى أن إدارة بايدن لاتزال مترددة بشأن قضية التعريفات، وهي حريصة على عدم تفسير الخطوة على أنها "تُظهر ضعف أمريكي أمام الصين".. وفي المناخ السياسي الحالي في واشنطن حيث التغيير المتواضع في سياسة الصين، من المرجح أن يقابل بتشكك قوي من كل من الجمهوريين والديمقراطيين، حيث أن التعريفات الجمركية ليست استثناء، لذا فإن هذه الخطوة في الوقت الحالي تؤكد بشكل واضح أنها عمل سياسي بشأن معالجة أزمة داخلية.

وأضاف التقرير أن بايدن والديمقراطيين لم يُظهروا أي نية لتقديم تنازلات كبيرة للصين في مجال التجارة، وعلى العكس من ذلك، تضغط مجموعة من الصقور بقيادة الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي من أجل مزيد من التدقيق في القضايا الاقتصادية والتجارية مع الصين.. ونتيجة لذلك، فإن الإعفاءات الجمركية إذا أصبحت رسمية، فهي مجرد نهاية لبعض سياسات بايدن السابقة، وليست تحولًا جوهريًا في منهجه تجاه الصين.


ويرجح التقرير أنه في مواجهة حسابات الولايات المتحدة المعقدة بشأن تعديل بعض سياساتها الجمركية ضد الصين، يجب على بكين أن تستمر في تعزيز تنمية الاقتصاد العالمي وبناء علاقات اقتصادية وتجارية أكثر استقرارًا مع الدول الأخرى، فضلا عن تمديد نطاق نشاطها التجاري في الأسواق الاقتصادية الأخرى.


وفي الوقت الحالي، تتسارع تجارة الصين مع الدول الواقعة على طول مبادرة "الحزام والطريق"، كما تشير البيانات إلى أنه بين عامي 2015 و2021 بلغت قيمة تجارة الصين في السلع مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق حوالي 9.17 تريليون دولار، منها 1.8 تريليون دولار في عام 2021 وحده، وهو ما يمثل حوالي 29.7% من إجمالي تجارة الصين في السلع، كما أن تعاون الصين مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق في الاستثمار وبناء البنية التحتية وتطوير الطاقة الجديدة والحد من الفقر آخذ في الاتساع، كما أن الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي دخلت حيز التنفيذ رسميا هذا العام، ستعزز بشكل كبير العلاقات الاقتصادية عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ.


واختتم التقرير بالقول "إنه في الوقت الذي ترفض وتتردد الولايات المتحدة في التعاون بمزيد من العمق مع بكين، تثبت الصين أقدامها في السوق الدولية بنشاط أكبر عبر تدعيم تنمية الاقتصاد العالمي والاتصال التجاري الفعال مع موقف أكثر نشاطًا للتكيف مع موقف واشنطن بشأن الحرب التجارية".