19 عاما ، ولا يزال عراق ما بعد صدام يكافح لبناء مؤسسات دولة قوية قادرة علي مواجهة التحديات الإقليمية والدولية ، بعد أن دفع البلد العربي الثمن غالياً للغزو الأنجلو ـ أمريكي في عام 2003 ، والذي قاد الجميع لنفق مظلم ، وفتح الباب واسعاً أمام سلسلة من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية ، وكان نواة لقتال طائفي امتد لسنوات.
وبعد ما يقرب من عقدين علي الغزو ، توالت خلال الأشهر القليلة الماضية اعترافات "أمراء الحرب" ، وكل من روجوا في بداية القرن الجديد لأكاذيب أسلحة الدمار الشامل ، والزعم بتهديد بغداد للأمن العالمي ، وكان آخرها ما صرح به جون بولتون ، أحد أبرز مهندسي الغزو ، والذي تقلد مناصب في 3 إدارات جمهورية تعاقبت علي البيت الأبيض، أخرها الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي حوار مع شبكة سي إن إن الأمريكية حول التحقيقات الجارية في ملف اقتحام الكونجرس الأمريكي ، اعترف بولتون عن غير قصد بتدبيره لانقلابات في عدة دول ، وامتنع عن الإدلاء بالمزيد من التفاصيل حول هذا الشأن.
ولدي سؤاله عن دور الرئيس السابق دونالد ترامب ومسئوليته في الأحداث الدامية التي شهدتها الولايات المتحدة ليلة 6 يناير لعام 2001 ، والمواجهات التي اندلعت بين انصار ترامب وقوات تأمين مبني الكونجرس الأمريكي للاعتراض علي نتيجة الانتخابات الرئاسية ، قال بولتون: "ترامب لم يكن مؤهّلا بما يكفي لتنفيذ "انقلاب مدبّر بعناية". ورد عليه المذيع قائلا "اختلف معك فالشخص لا يجب بالضرورة أن يكون لامعا ليحاول الانقلاب"، ليرد عليه بولتون قائلا: "أنا أختلف مع ذلك، كشخص ساعد بالتخطيط لانقلابات ليس هنا (أمريكا) ولكن تعلم ما أقصد في أماكن أخرى، يتطلب هذا عملا كبيرا".
زلة لسان بوش
ويأتي تصريح بولتون بعد أقل من شهرين من سقطة الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن ، والذي ورطته "زلة لسان" في اعتراف مماثل أثار جدلاً واسعاً حول الغزو الأمريكي للعراق.. ففي كلمة عن الحرب الأوكرانية الدائرة منذ 24 فبراير، قال بوش: إن النظام الانتخابي في روسيا هو الذي أدى إلى التصعيد في أوكرانيا، الانتخابات الروسية مزيفة.. النتيجة هي غياب المساءلة في روسيا وقرار رجل واحد لشن غزو غير مبرر ووحشي للعراق.. أعني أوكرانيا..".
وتابع بوش مرتبكا وسط ضحكات الحضور، "والعراق أيضا"، وأضاف في محاولة لتجاوز الموقف المحرج: "أنا عمري 75 عاما".
بلير.. اعتراف واعتذار وإقرار
وفى أكتوبر من عام 2015 ، خرج رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير باعتراف استثنائي ، أقر خلاله بمسئولية تحالف الغزو عن ظهور تنظيم داعش الإرهابي ، قائلاً في حوار تليفزيوني : هناك "شيئا من الحقيقة" في القول إن غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا أدى إلى ظهور مقاتلي تنظيم داعش في سوريا والعراق".
وتابع بلير حينها : "أعتذر عن حقيقة أن المعلومات الاستخبارية التي تلقيناها كانت خاطئة، وأعتذر أيضا عن بعض الأخطاء في التخطيط، وبالتأكيد عن خطئنا في فهم ما سيحدث بمجرد الإطاحة بالنظام".
وأشار رئيس الوزراء البريطاني السابق إلى أنه يجد صعوبة في الاعتذار عن إطاحة صدام قائلا "أعتقد حتى اليوم أن عدم وجوده هناك أفضل".
وجاءت تصريحات بلير في خطوة استباقية حينها لإعلان نتائج تحقيق محايد أجرته لجنة بريطانية في غزو العراق، والتي عرفت باسم لجنة تشيلكوت ، نسبة إلى رئيسها القاضي السابق ، سير جون تشيلكوت ، والذي صدر في يوليو 2016 .
وخلصت تقرير لجنة تشيلكوت إلى أن بريطانيا اعتمدت على معلومات استخباراتية مغلوطة ولم تستنفد الخيارات السلمية قبل غزو العراق، وذكر أن العمل العسكري "ربما كان ضروريا"، لكن عند اتخاذ قرار الغزو لم يكن نظام صدام حسين يشكل تهديدا، وكان بالإمكان اتباع خطة دبلوماسية تستمر لبعض الوقت لتدبير الملف، خاصة أن أغلبية أعضاء مجلس الأمن الدولي كانت تؤيد استمرار عمل الأمم المتحدة في التفتيش والمراقبة.
وحرص التقرير على توضيح أن الأحكام المرتبطة بتهديدات نظام صدام قدمت بتعبيرات تأكيد غير مبررة، حيث إن المعلومات التي وفرتها الاستخبارات لم تقدم أدلة جازمة على أن صدام "استمر في إنتاج أسلحة كيميائية أو بيولوجية"، وبالتالي فالقرارات التي اتخذت بشأن بلاد الرافدين بنيت على معلومات "مغلوطة وغير دقيقة".
وفي هذا الإطار، أوضح تشيلكوت أنه "أصبح من الواضح الآن أن السياسة بشأن العراق وضعت على أساس معلومات مخابرات وتقييمات مغلوطة لم تفند رغم أنه كان يجب أن يحدث ذلك".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة