أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد أحمد طنطاوى

أزمة الاقتصاد العالمى تبدأ من مرحلة ما بعد التضخم

الخميس، 23 يونيو 2022 11:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم خلال المرحلة الراهنة ليست نهايتها ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، وتحريك البنوك لأسعار الفائدة لمستويات قياسية لم تشهدها منذ نصف قرن، لكن ترتبط أساساً بالقادم المجهول عقب هذه الموجة التضخمية، وهو "الركود"، فالتضخم ليس مشكلة كبيرة مادامت السيولة متوفرة، ومادام الناس قادرين على إدارة نفقاتهم بشكل جيد، إلا أن المشكلة تتجلى في مرحلة ما بعد التضخم، التي تشمل زيادة في المعروض من السلع والمنتجات مع ضعف القدرة الشرائية، ليختل الميزان الطبيعي للعرض والطلب، فيرتفع الأول، وينخفض الثاني.

 انخفاض الطلب أخطر بكثير من زيادة المعروض، لما له من تأثيرات مباشرة على الاستثمار والصناعة والعمل ومعدلات البطالة، والفرص المتاحة في الأسواق، وهنا أضرب هذا المثال البسيط لنفهم:  لو أنك تشترى نوع معين من الألبان بالسوبر ماركت، وارتفع سعر هذا المنتج لمستويات لم تعد قادر معها على الشراء، سوف تنخفض معدلات طلبك عليه خطوة بخطوة، وتتكرر هذه الحالة من مئات المستهلكين، فتصبح النتيجة النهائية أن الشركة المسئولة عن إنتاج هذا النوع من الألبان تبدأ في تقليل استثماراتها، وغلق بعض مصانعها أو خطوط إنتاجها، وتعليق الخطط المستقبلية نحو التوسع والانتشار، وهذا بدوره سوف ينتج عنه تسريح مئات العمال، وتخفيض رواتب وأجور مئات آخرين، ثم وقف التوظيف أو طلب عمالة جديدة لعدة سنوات.

 العالم لم يشعر حتى الآن بحجم الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوصاله، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجها وتطوراتها في المستقبل القريب، خاصة أن القدرة الشرائية موجودة، ومدخرات الأفراد مازالت صامدة في مواجهة ارتفاع الأسعار، كما أن الطلب في حالة جيدة، لكن مع أول انكسار لهذا الخط سوف يشعر الجميع بحجم الأزمة، حينها لن تنجح رواتبهم ومدخراتهم في تلبية كامل احتياجاتهم، وبالطبع سيترتب على هذه الفرضية نتائج شديدة السلبية، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مشكلة الدول النامية والفقيرة أصعب من غيرها، خاصة في ظل وجود معدلات نمو سكاني ضخمة قد ترشحها لأزمات في توفير السلع والمنتجات الأساسية، وسلاسل الإمداد، بالإضافة إلى ضعف مستويات الدخول، ومحدودية نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي، لذلك يجب أن تسعى هذه الدول مبكراً لتأمين احتياجاتها، واعتماد خطط واضحة لتوعية المواطنين بخطورة الوضع الراهن، والحفاظ على مدخراتهم في وسائل وأدوات استثمارية آمنة، تحميها من التضخم الحالي والركود المنتظر.

أتصور أن التوعية بخطورة الوضع الراهن مهمة جداً لسبب أساسي يرتبط بضرورة أن يبتعد المواطن عن استثمار أمواله بصورة عشوائية غير مخططة، خاصة في توقيت العالم أقرب فيه للانكماش والتراجع منه إلي الاستقرار والنمو، لذلك يجب أن يحافظ المواطن على حجم السيولة المتوفرة لديه، والمدخرات السائلة، دون أن يتجه إلى الاستثمار في العقار أو شراء الأصول، التي لن يتمكن من تسييلها على المدى القريب، نظراً  للضعف المنتظر في معدلات الكاش بالأسواق بمجرد انفجار الموجة التضخمية وتحولها إلي ركود ممتد، خاصة في القطاعات التي يجد لها المستهلك بدائل عديدة.

وفق أكثر التقارير الدولية تفاؤلاً فإن أزمة التضخم قد تنكسر بنهاية العام المقبل، لكن لا يمكن لأحد توقع النتائج الأكثر خطورة لمرحلة ما بعد التضخم، فالمشكلة عندما يصبح سعر السلعة أكبر من المعتاد، أقل بكثير عندما يصبح المستهلك ذاته غير قادر على الشراء من الأساس، نظراً لفقدان وظيفة أو تخفيض راتب، أو انتظار إعانة بطالة أو معاش مبكر وتسريح من العمل دون ضمانات كافية، لذلك يجب أن يرفع الأفراد مدخراتهم من السيولة النقدية في الوقت الراهن لأعلي درجة ممكنة، ويخفضوا الطلب على المنتجات غير الضرورية، ويقللوا استهلاك السلع الأساسية، من أجل الاستعداد للقادم وما يحمله من تحديات صعبة على العالم كله.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة