للفن منابع كثيرة ومصادر متعددة منها الموالد الحافلة بالإبداع، ومؤخرا، وصف
الشاعر ناصر دويدار، فى ندوة باتحاد الكتاب، كوكب الشرق أم كلثوم بأنها "موالدية"، يقصد التقليل، ويتجاهل أو لعله لا يعلم أن الموالد كانت مصدرا أساسيا فى إثراء المجتمع الفنى بنجومه، وأن العمل فى الموالد ليس وصمة، بل مرحلة مهمة عرفها الفن عبر الزمن بسبب خصوصية المنطقة بسماتها الروحانية، وفى بدايات القرن العشرين كان فنانو الموالد شريان الإبداع فى كل المجالات.
الشيخ أبو العلا محمد .. من التواشيح للقاء أم كلثوم
كان الشيخ أبو العلا محمد يهوى قراءة القرآن وقد بدأ حياته منشدا وقارئا للقرآن، وصار بعد ذلك ينشد قصائد المديح النبوي والتواشيح الدينية بمصاحبة بطانة من المقرئين، وكان كثيرا ما يحيي الموالد وحتى سبوع الأطفال طهورهم.
وقد تعلم الشيخ أبو العلا محمد من الموالد الانتقال والحركة خارج مدينة القاهرة، وكان لذلك أثره الكبير حيث التقى بكوكب الشرق أم كلثوم ودفعها للمجيء إلى القاهرة لتنطلق.
أم كلثوم فى فرقة الشيخ إبراهيم بزى صبى
كانت أم كلثوم تغنى فى الموالد فى منطقة الدلتا، حيث كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجى صاحب فرقة تجوب الموالد والأفراح، هذه الفرقة انضمت إليها كوكب الشرق مرتدية زى صبي، وكان والدها هو معلمها، يحفظها القصائد الطويلة والمدائح المتعددة، وكل ذلك أثر بالإيجاب فى صوتها وحفظها وحسن نطقها وإحساسها بجمال الشعر العربى.
رياض السنباطى .. ما يطلبه المستمعون
كان الشيخ محمد السنباطى صاحب فرقة موسيقية يغنى بها فى الأفراح والموالد، وبعد توقف ابنه رياض عن الذهاب للمدرسة بسبب ألم أصاب عينيه، بدأ يأخذه معه للغناء، وفى هذه الفترة المبكرة التقى بأم كلثوم على إحدى محطات القطار.
والعمل فى الموالد جعل رياض السنباطى يعتاد على التنوع الموسيقى، وجعله أيضا يعرف استجابات الجمهور للموسيقى ورد فعله على النغم، كما أكسبه دربة وشجاعة وجعل تطويره للموسيقى نابع من الناس، ويكفى أن رياض السنباطى كان يضع اللحن المركب على الكلمات الثقيلة ومع ذلك تنجع الأغنية، وذلك نتيجة لخبرته مع القصائد والموشحات وغير ذلك.
الشيخ زكريا أحمد .. مطلوب بالاسم
عهد والده إلى الشيخ درويش الحريرى فى تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم حتى يليق الصبى زكريا أحمد بمهنة المُقرئ، وظل زكريا فى صُحبة الشيخ درويش 10 سنوات، وفى عام 1914، التحق الشيخ زكريا ببطانة الشيخ على محمود كمُنشد دينىَّ، وبدأ يتردد على الحفلات ويُغنى بها، ثم صار مطوبا بالاسم.
محمد فوزى.. جوار السيد البدوى
الفنان محمد فوزى بكل التنوع الموسيقى الذى اشتهر به، وبالقدرة الكبيرة على التجديد الإبداع، حتى أن البعض يرى أنه امتداد مباشر للشيخ سيد درويش، قد بدأ من الموالد والأفراح، وتتلمذ على يد محمد الخربتلي، الذى كان يعمل فى نفس الوقت جنديًا بالمطافئ، يذهب معه من الأفراح إلى مولد السيد البدوى أشهر موالد طنطا.
وبعدما التحق بفرقة بديعة مصابنى بعد مجيئه للقاهرة، كان أيضا يغنى فى الأفراح والمناسبات العامة، وكل ذلك جعله فنانا متنوعا.
محمد رشدى.. البداية من إبراهيم الدسوقى
من أشهر الفنانين الشعبيين فى مصر كان الفنان محمد رشدي، والذي بدأ الغناء في عمر الـ10 سنوات، وقد أحب الطرب والفن بعد أن اصطحبه والده لمولد "الدسوقى" والموالد المجاورة لمدينة دسوق، حيث عشق غناء الإنشاد والمواويل.
وحسبما ورد فى مذكرات محمد رشدى التى حررها وصاغها الكاتب الكبير سعيد الشحات، نرى محمد رشدى طفلا فى دسوق متعلقا بأمه التى لم تكن تحب أن يصبح ابنها مغنيا، كانت تخاف عليه، تريده أن يصير "أفنديا"، لكن الفن بدأ يأخذه من كل شىء، يقول "رشدى" إنه كان شغوفا بصوت "ليلى مراد" عرفنى الناس وأنا أغنى أغنياتها وتمنيت أن أصبح "صييتا" فى مولد الشيخ إبراهيم الدسوقى، لكن القدر ساق له أناسا أخذوا بيده منهم أم كلثوم التى اسمتعت إليه وشجعته، ومعاون الصحة واسمه محمود الدفراوى الذى علمه مخارج الصوت والعزف على العود وحفظه بعض الأدوار القديمة وعالجه من بعض الأمراض، وفريد باشا زعلوك، الذى سعى ليدرس محمد رشدى فى معهد فؤاد للموسيقى.
الخلاصة أن الموالد فى مصر لم تكن مجرد سرادقات يتجمع الناس فيها للهو، بل كانت حافلة بالفنون والثقافات، كل ذلك جعل "الموالدية" صناع ثقافة وليسوا أفاقين، بل يمكن رصد الفن المصرى كله من خلال الغناء ف الموالد ولو اتسعت الدائرة وضمت الأفراح والفرق الغنائية التي كانت تجوب مصر بأقاليمها المتعددة قديما لوجدنا حالا حافلا بالفن والحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة