خالد إبراهيم

السوشيال ميديا ونظرية "الرُخامة"

الأربعاء، 18 مايو 2022 01:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى أكثر من مناسبة، خضت نقاشات مع والدى عن ثقافة الاستهلاك للشعب المصرى، وكيف أنها تغيرت خلال الثلاثين عاما الماضية من البقالة إلى "الهايبر"، فيخبرنى أن هذه الثقافة تطورت عبر الزمن، فحينما كان يذهب المواطن أو المستهلك إلى البقال لشراء احتياجاته من الجبن أو المعلبات، كانت هناك قطعة من "الرخام" تفصل بين الزبون وبين البقال، يطلب الزبون ما يطلبه دون أن تُعتب قدمه حرم البقالة نفسها، فيدخل البقال ليحضر لزبونه ما يريد ويضعها أمامه على "الرخامة" فيدفع الزبون، ويغادر راضيا مرضيا.

ثم جاءت "الهايبرات" الكبيرة، فأصبح الزبون يدخل الهايبر يتنقل بين أقسامه بعربة تجرها عجلات يضع بنفسه ما يشاء من احتياجاته داخل العربة، ويقف عند كل قسم ويختار بين الأصناف الموضوعة على الأرفف ينقى ويتفحص ويقارن ويدرس، ثم يذهب بعربته فى النهاية إلى الكاشير.

بمرور الزمن تغيرت ثقافة الاستهلاك، فبدلا من أن يشترى الزبون أساسياته، أصبح يشترى رفاهياته دون أن يشعر، وكل ذلك بفضل "رخامة" البقال التى كسرها بريق الهايبر الواسع الفسيح، بعد أن أصبحت بضاعته "تزغلل" عين الزيون.

ثقافة السوشيال ميديا أصبح كثقافة الاستهلاك تماما، فإذا كنت متابع للسوشيال ميديا وأسهمها وأرقامها وترنداتها وتحولاتها وقفزاتها، ستدرك أنها أزالت ذلك الحاجز بين المواطن العادي، وبين أى شخص شهير فنانا كان أو رياضيا أو سياسيا أو رجل أعمال، أو حتى شيوخ الدين.

السوشيال ميديا كسرت "الرخامة" بين المستخدم وبين من يتابعه من شخصيات شهيرة، ولكن الفارق، ان الهايبر الكبير الواسع يمتلئ بالكاميرات التى تمنع الزبون من السرقة أو التصرف بهمجية كفتح المنتجات دون شرائها، بينما السوشيال ميديا لا تخضع لأي رقيب أو ضوابط، مجرد عالم افتراضى وهمى، يفعل به المستخدم ما يفعل دون خوف من التتبع أو المراقبة.

بكل اسف وأسى وحزن وخجل، لابد من الاعتراف أن انكسار هذا الحاجز بين مستخدم السوشيال ميديا، والشخصيات المؤثرة، تسبب في "طفح" أمراض وظواهر اجتماعية غاية فى الخطورة، ولما لا وهذا المستخدم أصبح "يستسهل" الشتائم، ويطبع الإهانة ويستصيغ التنمر، ويتلذذ بالسخرية بفجاجة وجرأة يحسد عليها، ظنا منه أن "الكي بورد" ليس عليه رقيب.

المؤلم فى الأمر أن من يقوم بهذه الأفعال، يجد المبرر حاضرا، لأنه يظن خطأ، أن الشخصيات العامة مستباحة، طالما أن هذه الشخصيات تصدرت للعمل العام.

إذا كنت مثلى مصابا بداء قراءة التعليقات على أي "بوست" مثير للجدل أو حتى غير مثير، ستدرك جيدا حجم الكارثة الاخلاقية التى تعانى منها.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة