محمد ثروت

مدرسة الصوم فى الأديان

الأحد، 03 أبريل 2022 01:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 يبدأ صيام شهر رمضان المبارك عند المسلمين في مختلف دول العالم، متزامنا مع الصَّوْم الكَبِير أو "الصَّوْم الأَرْبَعِينِي" حسب الديانة المسيحية، ولعل في ذلك مناسبة لتذكير الناس بالمشتركات الإنسانية بين بني البشر بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم وعقائدهم، وهو الهدف الأسمى من العلم الذي تعلمناه في مادة الأديان المقارنة. فالصوم في الإسلام، هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وهو فريضة ثابتة بالتوةتاتر اليقيني أي من المعلوم بالدين بالضرورة، نص عليه القرآن الكريم في سورة البقرة في قوله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 183).   ومعناها أن الصوم فرض على المؤمنين كما فرضه الله على أتباع الديانات السابقة، وقيل في بعض التفاسير ومنها تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ ابن كثير -أي كما فرضه الله على أهل الكتاب، لما فيه من تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان.

وَالصَّوْمُ شَرْعًا: هُوَ "الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ".

أي أنه كما ورد في كتاب التوحيد بصحيح البخاري" إمساك مخصوص من شخص مخصوص(عاقل بالغ)  في زمن مخصوص أي له توقيت بداية ونهاية في اليوم الواحد  من مطلع الشمس إلى مغربها، “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ" (البقرة /187). إلى قوله تعالى: "ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" (البقرة/187).

ولا شك أن مكانة الصوم العظيمة تأتي من خصوصيته التي  أولاها الله وجل له فقد ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، «وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" (متفق عليه).

ولا تقتصر مكانة الصوم العظيمة عند المسلمين فحسب، بل عند أهل الأديان، فليس هناك ديانة، منذ زمن نوح عليه السلام وحتى اليوم، لم تفرض الصوم على أتباعها وتحثهم عليه، فالهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية جميعها تحت الإنسان على الصوم، ليس فقط بالامتناع عن الطعام والشراب ولكن بالامتناع عن الغيبة والنميمة والخوض في أعراض الغير، وأكل أموال الناس بالباطل من فساد الذمم، والصوم عن الحقد والحسد وكراهية الآخر وغيرها من أمراض النفس البشرية.  أو كما قالت السيدة مريم لقومها"إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"(مريم/26) أي الصمت والصوم عن الكلام.  أما المسيحية فقد استلهمت الصوم بحسب ما يقول البابا شنودة الثالث في كتابه "روحانية الصوم وكذلك المطران جوزيف العبسي في كتابه "الصوم في معانيه وغاياته"، اقتداء بالسيد المسيح الذي قضى أربعين يوما في الصحراء بعد عماده يصوم ويصلي ويحارب الشيطان.  وقد ورد الصوم في الإنجيل وأعمال الرسل ورسائل القديس بولس وفي العهد القديم كان الصوم عادة لمدة يوم واحد من شروق الشمس إلى مغربها (قضاة 20/26).   وكان مجمع نيقية الأول أو المجمع المسكوني الأول(335م) أول من ألزم بالصوم الأربعيني أي لمدة أربعين يوما.

وفي البوذية كما يشير كونراد مايزيج "يصوم الكثيرون في فيساخ (Vesakh)، أو يوم بوذا، وهو أسمى الأعياد البوذية والصيام المتقطع مألوف في تقليد تيرافادا في البوذية (Theravada)، وقد طبق غاندي وسيلة الصوم المكثف ضدّ تعسّف الإنجليز المستعمرين للشعب الهندي".

والصوم في الديانة الهندوسية معناه قهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها. فالصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضاً أي ما يشبه التأمل الباطني ووحدة الوجود. فوفقًا للفلسفة الهندوسية، فإن الطعام يعني إرضاء الحواس وتجويع الحواس هو رفعها للتأمل.

فيالها من حكمة بليغة وفريضة عظيمة توحد البشرية على قيم ومعان وأخلاق سامية أفلا تعقلون؟ 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة