وقالت قناة (آسيا نيوز) الإخبارية إنه منذ أكثر من عقد، أقام رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع روسيا، مما منحه سمعة معينة باعتباره أقرب حليف للكرملين في الاتحاد الأوروبي.

وذكرت القناة أنه في الوقت الذي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحشد عشرات الآلاف من القوات على طول حدود أوكرانيا، جارة المجر من الشرق، تجنب أوربان إدانة التحرك وأظهر معارضته لفرض عقوبات على موسكو.

ومع تصاعد التوترات، توجه أوربان إلى موسكو، حيث التقى ببوتين في الكرملين، فيما تعتبر زيارتهم الرسمية الثانية عشرة منذ عدة سنوات، ومارس ضغوطًا من أجل الحصول على شحنات أكبر من الغاز الروسي.

إلا أنه عندما بدأت العملية العسكرية الروسية على نطاق واسع الأسبوع الماضي، حمل أوربان للمرة الأولى مسئولية التوترات والعنف على عاتق موسكو، فيما يمكن أن يعتبر نقطة تحول في نهجه المؤيد لروسيا منذ أكثر من عقد.

وقال أوربان، بعد ساعات من بدء الهجوم الروسي يوم الخميس الماضي، إن روسيا هاجمت أوكرانيا هذا الصباح بالقوة العسكرية، معربًا عن إدانته لما وصفه بـ"العمل العسكري"، مثل حلفائه في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي (ناتو).

وعلى الرغم من أن أوربان تجنب ذكر بوتين بالاسم، كما أنه لم يصف "العمل العسكري" بأنه غزو، إلا أن منتقديه في الاتحاد الأوروبي والمجر كان ينتظرون رد فعله منذ فترة طويلة.

وقال دانييل هيجيدوس، زميل دراسات أوروبا الوسطى في مؤسسة الأبحاث الفكرية الأمريكية التي تحمل اسم (صندوق مارشال الألماني)، إن ذلك قد يكون أيضًا علامة على إدراكه أن موقفه تجاه موسكو "ليس متجذرًا على أسس مستقرة".

وقال هيجيدوس: "ما نراه عمليًا هو انهيار سياسة أوربان تجاه روسيا التي استمرت 12 عامًا"، بعدما أدرك أوربان أن روسيا تشكل تهديدا أمنيا في المنطقة.
وبينما تُعد المجر دولة شيوعية سابقة كان يسيطر عليها الاتحاد السوفيتي لأكثر من 40 عامًا، لم تثق المجر تاريخياً بشدة في موسكو، التي أمرت بقمع وحشي لانتفاضة مناهضة للاتحاد السوفيتي في عام 1956 أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين وفرار حوالي 200 ألف لاجئ من بلادهم.

ومع اقتراب النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية من نهايته في عام 1989، طالب أوربان، الذي كان آنذاك في السادسة والعشرين من عمره، وكان من أشد المناهضين للشيوعية ويقود حركة تتكون من الديمقراطيين الليبراليين الشباب، بالانسحاب الفوري للقوات السوفيتية من المجر في خطاب ألقاه أمام مئات الآلاف من الأشخاص في ساحة أبطال بودابست.

إلا أنه في خلال السنوات الأخيرة، اتبع أوربان، الذي يتهمه منتقدوه بتكتيكات استبدادية بشكل متزايد منذ دخوله السلطة في عام 2010، استراتيجية دبلوماسية واقتصادية يطلق عليها "الانفتاح الشرقي"، وهي سياسة تعزز علاقات أوثق مع الدول الاستبدادية وسط ما تراه حكومته على أنه تراجع غربي.

وكجزء من هذه الاستراتيجية، أطلق أوربان مشروعًا مدعومًا من روسيا بقيمة 12 مليار يورو (أي نحو 13.6 مليار دولار أمريكي) لإضافة مفاعلين نوويين إلى محطة الطاقة النووية الوحيدة في المجر، بتمويل أساسي من بنك روسي حكومي.

وزادت حكومته أيضًا من اعتماد المجر على الغاز الطبيعي الروسي، وفي عام 2019؛ وفرت مقرًا في بودابست لبنك الاستثمار الدولي الذي يقع مقره الرئيسي في موسكو، وهو يعتبر بمثابة مؤسسة ذات جذور سوفيتية يقول النقاد إنها يمكن أن تكون قناة للتجسس الروسي.

وأعلنت جمهورية التشيك يوم الجمعة الماضية أنها ستنسحب من بنك الاستثمار الدولي لمعاقبة روسيا على هجومها على أوكرانيا، وحثت أعضاء البنك الآخرين على فعل الشيء نفسه، وهو ما فعلته رومانيا جارة المجر أول أمس الأحد.

وفي يوم الجمعة أيضًا، حذر رئيس الوزراء البولندي وحليف أوربان الرئيسي ماتيوز موراويكي، في تصريحات صحفية، من أن عدوان بوتين في أوكرانيا سيمتد إلى أجزاء أخرى من أوروبا الشرقية إذا ترك دون رادع وحث الدول الغربية على إنهاء "عصر الأوهام" بشأن روسيا.

وفي حديثه للصحفيين يوم السبت على حدود المجر مع أوكرانيا، قال أوربان إن بلاده ستدعم جميع عقوبات الاتحاد الأوروبي المقترحة ضد موسكو، وأقر بأن العملية العسكرية الروسية من المرجح أن يتسبب في تغييرات في علاقته مع بوتين.

ومع ذلك، نظرًا لأن معظم دول الاتحاد الأوروبي قد التزمت بإرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا لصد الهجوم الروسي، فقد ظلت المجر حازمة ولم تدخل في الصراع من الناحية المادية.

وأعلن وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو، الذي منحه بوتين أحد أعلى الأوسمة الرسمية الروسية العام الماضي، أن المجر لن تسمح بمرور الأسلحة الفتاكة المتجهة إلى أوكرانيا على أراضيها.

إلا أن البعض في المجر انتقدوا ذلك، حتى أن عدة آلاف من المتظاهرين تجمعوا بعد ساعات من بدء العملية الروسية أمام السفارة الروسية في بودابست للتنديد بالهجوم ومطالبة أوربان بالتخلي عن علاقاته مع بوتين.

كما انتقد بيتر ماركي زي، المحافظ المستقل الذي يقود تحالفًا من ستة أحزاب، أوربان لعلاقته القوية مع بوتين، وطالبه باتخاذ موقف واضح بشأن التزامه تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي.

ومع تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، يواجه أوربان ضغوطًا أكبر من أي وقت مضى للاختيار بين موسكو وشركاء المجر الغربيين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي، غير أن هناك دلائل متزايدة على أنه قد يستمر في تجاوز الخط الفاصل بين الاثنين.