لم يعد العالم يعيش فى جزر منعزلة منفصلة عن بعضها البعض، ولم يكن الأمر للأمانة كذلك قديما، ولكن كانت التأثيرات أقل بكثير من الوقت الحالى، الذى أصبحنا نعيش وكأننا فى قرية صغيرة ما يحدث فى شمالها يؤثر على جنوبها، وما يضرب أهل شرقها، ينغص حياة القابعين على الناحية الغربية.
ولأنهم بطبيعة حالهم أهل نكتة، تفاعل المصريون مع الأنباء الواردة عن التوتر بين روسيا وأوكرانيا والتداعيات العسكرية الحادثة منذ فجر الخميس الماضى، بينهما، بشىء من الضحك والتنكيت والسخرية، ولكنها كانت سخرية تحمل بين طياتها شيئا من القلق على تأثر مصر المباشر من هذه الحرب.
فى حقيقة الأمر، إن هذه الحرب ستؤثر بالسلب بشكل عام على الاقتصاد العالمى، كما أنها ستؤثر على مصر التى ترتبط مع الطرفين بعلاقات وطيدة فى عدة مجالات اقتصادية كالقمح والسياحة بشكل خاص.
فيما يخص القمح، زادت أسعاره العالمية بنسبة 6% منذ بداية التوترات، ووصل سعره أمس إلى أعلى مستوى له منذ9 سنوات، فى خطوة تشير بوضوح إلى أين نحن ذاهبون فى هذا الملف إن لم تهدأ الأوضاع خلال الأسبوعين المقبلين.
يبلغ إجمالى إنتاج القمح على مستوى العالم 780 مليون طن، تنتج الصين منه 134 مليون فى المرتبة الأولى، تليها روسيا بقيمة 86 مليون طن، ثم أوكرانيا بـ26 مليون طن، بينما يصل إنتاج مصر إلى 10 ملايين طن. البلدان المتصارعان يعدان من أكبر مصدرى القمح لمصر، ولا يخفى على أحد أن الحرب ستؤثر بالسلب على الإنتاج فيهما، وأن تصيب سلاسل التخزين والإمداد بالقصور.
روسيا وأوكرانيا تصدران لمصر ما يقرب من 80% من إجمالى ما تستورده مصر من القمح، والتقرير الرسمى لمكتب شؤون الزراعة الأمريكى فى القاهرة، يقول إن أكبر الموردين الأجانب من القمح للسوق المصرية فى العام التسويقى 2021/2020، هى: روسيا فى المرتبة الأولى بحجم 8.13 مليون طن، ثم أوكرانيا بواردات بلغت 2.45 مليون، والاتحاد الأوروبى بواقع 1.08 مليون، أضف إلى ذلك أنه كانت هناك مشكلة كبيرة فى إنتاج القمح وسلاسل الإمداد بعد أزمة جائحة كورونا، فوصل سعر الطن إلى 367 دولارا.
ومع كل ما ذكر أعلاه فمصر آمنة بدرجة كبيرة، فالمساحة المزروعة من القمح تقدر بحوالى مليون فدان، ينتج الواحد منها أكثر من3 أ طنان، والدولة لديها قدرات استيعابية فى الصوامع تصل إلى 3.8 مليون طن، وما لدينا الآن من احتياطى استراتيجى من القمح يصل إلى 4.3 مليون طن، وهناك محاولات حثيثة لزيادة إنتاجية الفدان مع موسم التوريد فى إبريل.
المتحدثون من داخل غرف الحكومة المصرية المعنيون بالأمر، يؤكدون فى كافة تصريحاتهم بأن مصر آمنة حتى ستة أشهر على الأقل من الآن. ويحسب للحكومة المصرية التحرك السريع من قبل الأزمة لبحث استيراد القمح من 14 دولة أخرى لتنويع واردات القمح حال تصاعد الأزمة بين الدولتين.
ربما تتأثر مصر فى هذه الأزمة أيضا بأسعار البترول، الذى زادت أسعاره عالميا فتجاوز سعره الـ100 دولار للبرميل، وهذه الزيادة ستفيد الدول المنتجة له فقط، لكن سيؤثر بالسلب على بقية دول العالم ما يزيد الموجة التضخمية العالمية، هذا بالإضافة إلى بطء حركة الاستثمارات والتجارة العالمية بشكل عام، ولكن هناك فرصة سانحة أمام مصر، فرفع أسعار الطاقة عالميا يفتح الفرصة أمام مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعى إلى الخارج، إضافة إلى فتح الفرصة أمامها لزيادة جذب الاستثمارات فى قطاع النفط والغاز لزيادة الاكتشافات وزيادة الإنتاج، هذا بالإضافة إلى أن زيادة الطلب على البترول سيزيد من حركة مرور السفن التى تعبر قناة السويس.
وبعيدا عن موجات السخرية المتعلقة بقرب استقبال مصر لحسناوات مصر وأوكرانيا، فإن حركة السياحة الأوكرانية والروسية القادمة لمصر، ستتأثر بطبيعة الحال، فالبلدان اللذان يعيشان أجواء حرب لن يفكر مواطنوها فى أخذ إجازة للاستمتاع بأجواء المحروسة، وتمثل الوفود السياحية الروسية والأوكرانية نسبة كبيرة من الوفود الأجنبية القادمة المصرية، ولأن الأرقام خير عنوان لأى جواب فخلال الشهرين الماضيين، انخفضت نسبة الحجوزات من روسيا وأوكرانيا فى المنشآت الفندقية المصرية بنسبة تصل إلى 20%، ونُمنى النفس بألا تتطور الحرب إلى حرب شاملة، فستعطل حركة الطيران لفترات طويلة، تحرم مصر من الوفود الأوكرانية والروسية.
فيما أن مصر بقيادتها السياسية دائما سباقة فى اتخاذ الخطوات والآليات الملائمة التى تمكنها من مواجهة التحديات والأزمات، وهو ما أثبتته أزمة جائحة كورونا التى نجحت مصر باقتصادها التصدى لها محققة معدلات نمو إيجابية مقارنة بكثير من دول العالم التى تأثرت سلبيا بهذه الجائحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة