محمد مرعى

فضيلة الاختلاف في المجتمع

الإثنين، 21 فبراير 2022 06:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يوميا تنشغل وسائل التواصل الاجتماعي داخل مصر بقضايا وأحداث تأخذ في معظمها حالة من الشد والجذب في الآراء والهجوم، والتهكم والرفض، وخطاب كراهية بين مكونات وطبقات اجتماعية مختلفة، في شكل بدا معه للبعض أننا أمام مجتمع منقسم في قضاياه الثقافية والفكرية والدينية والفنية وحتى الرياضية، وهو ما يدفع بالضرورة المتخصصين وعلماء الاجتماع لدراسة هذه الظواهر وإيجاد حلول واقعية للتعاطي معها.
 
لا شك في أن ثورة الاتصالات وتكنولوجيا التواصل الاجتماعي والتطبيقات خلقت واقعًا مختلفًا في عالمنا اليوم، وأصبحت كل الطبقات الاجتماعية مكشوفه أمام بعضها البعض. وأحدث هذا التطور صدمة كبيرة لدى البعض -على سبيل المثال في مصر- ممن كانوا يتخيلون أن بنية المجتمع المصري كتلة واحدة صماء لها نفس المكون الثقافي والفكري والديني والسلوكي وليست مزيجًا بديعًا متنوعًا من مدارس اجتماعية متعددة شكلت شخصية الإنسان المصري، وأن هذا التنوع والثراء هو ما أعطى للحالة المصرية الروح والاستمرارية والتأثير.
 
ربما كشفت الثورة الرقمية لنا عن حجم التغير الذي حدث في المجتمع المصري وتأثير العقود الماضية من هجرة ملايين من المصريين بداية من سبعينات القرن الماضي للمشرق وعودتهم بأفكار مختلفة عن طبيعة المجتمع المصري، وتراجع قيمة الثقافة والتعلم والرقي الحضاري لصالح ثقافة الاستهلاك والصعود المادي السريع، ثم تنامي دور التنظيمات الإسلامية في المجتمع وقتها والتي ساهمت في تقسيم المجتمع على أساس طائفي وديني، ونشر خطاب الكراهية والتشكيك في أهمية "فضيلة الاختلاف" في المجتمع واحترام الآخر، والسعي الدؤوب لفرض نمط معين من السلوك والتفكير على الجميع.
 
قبل عصر الإنترنت وتطبيقات التواصل الرقمية، كانت الطبقات الاجتماعية منغلقة على بعضها البعض، وكنا نرى ثراءها وجمالها فقط في السينما والدراما وفي الروايات التي كانت تعكس لنا حياة وثقافة هذه الطبقات المتنوعة، وكشفت لنا صورة جمالية لمدن مصرية في النصف الأول من القرن العشرين كالقاهرة والإسكندرية، والتي يطلق عليها مدن "كوزموبوليتان"، حيث كانت تتميز بالتعايش والتناغم والاحترام بين ثقافات متعددة.
علينا الاعتراف أن فضيلة الاختلاف واحترام ثقافة الآخر غائبة عن مجتمعنا، ووقائع التنمر الرقمي والتحرش الإلكتروني والتهكم ولغة الكراهية خير دليل على ذلك، والتي انتشرت بشكل واسع. أي نعم أن هناك مجموعات اجتماعية بدأت تتشكل لمواجهة هذه الظواهر السلبية، وحتى الدولة المصرية انتبهت لمخاطر هذا الأمر، وشرعت في التدخل عبر مؤسساتها وهيئاتها التنفيذية والتشريعية والإعلامية والثقافية في محاولة للمواجهة، لكن في ظني أن تغيير هذه الثقافة سيحتاج إلى سنوات لإحداث تغيير وتأثير في أجيال تربت على نمط فكري وثقافي مشوه لا يؤمن بقيمة التعايش واحترام المختلف.
 
هناك فوقية في التعامل بين مختلف الطبقات على المنصات الرقمية، ونوع من الترصد، هذا متدين وهذا غير متدين، هذا وطني وهذا غير وطني، حتى وقت وباء كورونا كان هناك سخرية وتهكم على بعض المصابين، ولم تسلم أي فئة مجتمعية من التنمر والتهكم والتطاول والاغتيال المعنوي.
 
تابع ردود الفعل على المنصات الرقمية حول المهرجانات السينمائية وبعض الأعمال الفنية، ستجد أن البعض تحولوا كما لو كانوا أعضاء في شرطة الأخلاق والقيم، وهجومهم وسخريتهم مما ترتديه الفنانات، وهو مدفوع بعدم احترام أن هناك فئات مجتمعية من حقها أن يكون لهم نمط مختلف في الثقافة والسلوك والملبس والآراء، طالما أن هذا لا يتنافى مع القانون والدستور، وهنا أنا لست منحاز لسلوك وثقافة بعينها، بل منحاز لقاعدة أهم، وهي احترام اختيارات الآخرين، والإيمان بقيمة الاختلاف، والنقاش والتحاور بتحضر، ومحاربة خطاب الكراهية والتحريض.
 
حال كرة القدم في مصر والدفاع عن النادي والفريق الذي تحبه حالة طبيعية وهي من تخلق حيوية في عالم الرياضة، لكن أن يتحول الأمر بعد سنوات لحملات كراهية وتعصب وسخرية وتهكم بين جماهير الكرة فهذا بعيد كل البعد عن الروح الرياضية، من حقك أن تكون أهلاويًا أو زملكاويًا أو محبًا لأي فريق، لكن في نفس الوقت عليك احترام مشجع الفريق الآخر، الرياضة في النهاية لعبة ترفيهية.
 
نفس الأمر في الفن والغناء، هناك من يطالب بمحاربة مطربي المهرجانات والأغاني الشعبية، ويهاجمون فنانين بعينهم، ويطالبون بفرض شكل واحد من الغناء والتمثيل، ويتجاهلون أن المجتمع المصري متعدد الثقافات والطبقات، وكل طبقة في حاجة لمن يعبر عنها وثقافتها.
الإيمان بالاختلاف ضرورة مجتمعية، ويحتاج إلى تضافر كل الجهود، بدءًا من الأسرة مرورًا بالمدرسة والجامعة والمؤسسات الإعلامية والثقافية والدينية، وفي النهاية، ليس مطلوبًا أن تكون آراؤنا كلها واحدة، هذا مستحيل، فالاختلاف على الأشياء والبشر سنة الحياة.
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة