د. محمد وردانى

تصحيح المسار وإرادة الأقدار

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022 10:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد لا يخفى علينا ونحن على مشارف انتهاء عام مضى واستقبال عام قادم أننا وبإصرار شديد لا نزال نتقن تقليدية الأداء ونمطية الادِّعاء، فمع اقتراب نهاية كل عام كلنا ينهض بقلمه وورقته ليكتب مساوئ العام وإيجابياته، ومع بالغ الأسف نجد أن إعلان النتيجة النهائية يكاد يتشابه لدى الكثيرين وخلاصته: أن أصابع الاتهام دائمًا موجهة صوب الزمان، الكل برَّأَ نفسه من كل مخالفة ارتكبها في حقه أولًا وفي حق غيره ثانيًا، ثم راح في طمأنينة يقرع نعليه ويبحث عن مصبّ الاتهامات فلم يجد كغيره سوى أن يتهم عامه المنصرم، ويَعِدُ نفسه أن يصحح هو مسار العام القادم إذا وافق هواه، ليصدق فينا جميعًا قول القائل:
 
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا ** وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ** وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
 
فكم من مواقف شهدها عامنا الماضي ليفتح لنا الحجب وتُكشف لنا الخبايا، فنتعلّم بغير معلّم، وكم من أزمات أرهقت كاهلنا لنخرج منها بعبرة وعظة، لكننا ما أردنا إلا أن نكون مجرد «روبوت» تحركه رغبة النفس الأمارة بالسوء عندما يكون أسير أوامر صاحبه، فتجدنا أمام تكرار لتلك المواقف لكنه على عكس ما يقولون بأن «التكرار بيعلّم الشطّار»، بل إنه يزيدنا بلاهة فوق بلاهتنا، فننهض مرة أخرى لنسقط في نفس حفرة العام الماضي.
 
ولعلّ ذلك ليس ببعيد -أيضًا- عن لعنة المواسم التي سئمت في قدومها وإدبارها من أن ترضي فينا رغبة المثالية في كل شئ دون أن نقدم للكون أي شئ، نعيش على أرض الله فنفسد فيها في الصيف متمنين زواله ونرهق الشتاء بأفعالنا ونتمنى عدم عودته، ليحقّ لنا أن نقول «ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب»، لكن أين نحن من قول رَسُول الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.
 
عزيزي الساخط على الزمان ماذا فعلت لتقيم يومك وتستثمر غَدِك؟ وماذا صنعت بما وهبك الله من نِعم؟! لو أقمت شكرها وأدّيت حقَّها لتغير حالك إلى أحسن حال في الدنيا، ونِلْت رضا ربك في الآخرة.
 
أقولها لنفسي قبل أن أقولها لك، اتخذ من ماضيك عِبرة تترفع بها عن ذلّات ونوائب مستقبلك، وافتح الباب أمام نفسك لتنطلق وتشمّ عبير الزمان وتتناسى مآسيه، فالحياة لم يتوقف ركابها عند شخص أو موقِف، بل إنها تسير في طريقها حتى يفنى العمر فتأتي لحظة الانتهاء لشخصك، واعلم بأنك ستسأل يومًا ما طال الزمان أم قصر عن شبابك فيما أبليته؟، وعن عِلْمك ماذا عملت فيه؟، واستخدم نعمة الجوارح كما ينبغي أن تكون فلا تصدق إلا ما تراه عينك، ولا تسمع من غيرك بل اسمع بأذنك، ولا تعيق لسانك بخبيث القول وأعنه دائمًا على كلمة الحق، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، فإذا انتهى يومك انتهى كلك.
 
m.elwardany85@azhar.edu.eg






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة