"أم حسان" قصة جديدة لـ أحمد عبد اللطيف سلام

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022 01:00 م
"أم حسان" قصة جديدة  لـ أحمد عبد اللطيف سلام أحمد عبد اللطيف سلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"كان زوجى أشطر صياد فى المنطقة لكن قضاء الله وقدره نفد " خرجت الكلمات من فم أم حسان مكتومة، أعقبتها تنهيدة طويلة، عادت بها إلى ذكريات الماضى الجميل، حينما كان يعود أبو حسان من العمل بعد يوم شاق، وهو يحمل أطايب الطعام وقطع الحلوى، فيدخل على قلبها وقلب أبنائهما البهجة والسرور، وبالرغم مما كان يعانيه من تعب، ويتعرض له من أخطار، لم يتخل يومًا من الأيام عن بسمته الرقيقة وروحه المرحة. 
 
مات أبو حسان فماتت البسمة على شفاه أم حسان، وأظلمت الدنيا فى عينها، وأحست بدنو أجلها، فكيف تحيا بعده وقد كان روحها، وحياتها، وسمعها، وبصرها، فقد كان لها كل أهلها، بعدما مات كل أهلها.
 
غرقت فى أحزانها فغرقت فى ديونها، فلم يترك لها أبو حسان سوى الحزن والدموع والقليل من المال، ضاع معظمه على مصاريف الجنازة وسرادق العزاء، والباقى أنفقته على إطعام أبنائها أيامًا معدودة، التجأت إلى جيرانها ولكن ثقل عليها الدين، ومنعها حياؤها أن تمد يدها أكثر من ذلك، فلم يبق أمامها سوى العمل، ولكن كيف وهى لم تعمل من قبل، فقد كان زوجها يكفيها، وكان لا يقبل لها أن تعمل، وكلما فاتحته فى هذا الموضوع كان يقول: عندما أموت أصنعى ما بدا لك ِ.
 
مات أبو حسان فقررت الذهاب إلى السوق، فلابد لها أن تعمل حتى تسدد ديونها وتسد أفواه أبنائها الثلاثة الجائعين، ولكن كيف وهى لا تعلم عن البيع والشراء سوى كلمات قليلة، خرجت من فم زوجها فى أوقات متفرقة، غاب أكثرها عن ذاكرتها الضعيفة، وتذكرت أحد تجار السمك بالسوق، كان يذكره زوجها دائمًا بالخير.
 
ذهبت واليأس يلازمها، والإحباط يسير معها كظلها، وهى تسير على غير هدى، يدفعها صوت أبنائها الصغار يسألونها عن الطعام، يتمزق قلبها، فلا تشعر بتمزق معدتها هى من الجوع.
 
دارت بها الدنيا حينما دخلت السوق، وكادت أن ترجع لولا أن تذكرت أبنائك، فماذا ستفعل إن هى عادت إليهم بغير طعام؟
 
سألت عن التاجر فدلوها عليه، وعندما همت بالمسير إليه استعصت قدماها على التحرك، فاقتلعتهما بصعوبة، تسارعت دقات قلبها وانتابها لهاث غريب، وكأنها فى مضمار سباق، عندما وصلت إليه وقفت صامتة تحدق فيه، فسألها عن حاجتها، جذبت الكلمات من حلقها بصعوبة، وأخبرته بما حدث لزوجها وحاجتها إلى أى عمل، فأشار عليها أن تجلس فى السوق تبيع السمك، وسيبيعها بالآجل كرامة لزوجها، فلم تكن العلاقة بينهما التجارة فقط بل الصداقة أيضًا.
 
عم البشر وجهها، ولهجت بكلمات الشكر، والدعاء له بطول العمر، فبادرها قائلا: عليكِ أن تدفعى مبلغ تأمين صغير، وقفت الكلمات فى حلقها وأظلمت الدنيا فى عينها، فكيف تعطيه مالًا وهى لا تملك ما تشترى به طعامًا لأبنائها.
 
نظرت إليه وهى تحاول جاهدة أن تمنع الدموع أن تغادر مكانهما، فخانتها دمعتان ترقرقتا فى عينيها، ثم سالتا على خديها تُعلنان عجزها وقلة حيلتها، انتبه لذلك فأخرج بضع جنيهات ومد بها يده إليها فبادرته قائلة:
 
- أعذرنى فلن أقبل أن آخذ منك هذا المال كصدقة.
 
- ومن قال هذا، إنما هو على سبيل القرض، رديه فى أى وقتٍ شئت ِ، أما عن التأمين فلن آخذه منك ِ إكرامً لذكرى زوجك ِ العطرة. 
 
شكرته على هذا الموقف النبيل بعدما أخذت النقود، وأسرعت إلى البيت وهى تحمل الطعام والحلوى لأبنائها، أكلوا حتى امتلأت بطونهم وناموا والفرح يملأ قلبها وقلوبهم، نامت تلك الليلة ولأول مرة منذ أن مات زوجها قريرة العين.
 
بدأت فى الصباح حياتها الجديدة، وحاولت أن تملأ الفراغ الذى تركه زوجها، ويومًا بعد يوم كانت تجارتها تزداد اتساعًا، وصغارها يكبرون أمام عينيها، وكانت تحكى قصتها، وتفتخر أنها لم تستسلم للأحزان، بل صنعت لنفسها مكانًا فى السوق لا يجهله أحد، واشتهرت بالسمك الطازج الذى لا مثيل له، فصار اسم " أم حسان " ماركة مسجلة.








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة