وتساءل بيترالونجا ، المختص بالشئون الدفاعية في مقاله المنشور بالصحيفة الفرنسية - قائلا: "إلى متى يمكن أن يصمد الغربيون؟.. بعد تسعة أشهر من بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا، يتزايد القلق بشأن قدرة حلفاء كييف على الحفاظ على وتيرة تسليم الأسلحة، وهو أمر ضروري لتمكين الجيش الأوكراني من مقاومة القوات القادمة من موسكو".

ونقل عن سكرتير وزارة الدفاع الإستونية كوستي سالم، قوله، خلال مقابلة صحفية في 17 نوفمبر الجاري، إن "مخزونات الذخيرة تنضب بسرعة كبيرة في الترسانات الغربية. من الآن فصاعدًا، يجب على الدول أن تستخدم مخزوناتها الحرجة إذا كانت تريد دعم أوكرانيا".

وأشار إلى أن المواجهة بين الروس والأوكرانيين تعد أول نزاع "شديد الحدة" منذ نهاية الحرب الباردة، وهي تثبت أنها تستهلك الأسلحة والذخائر بصورة مكثفة للغاية، فوفقًا للخبراء العسكريين، أطلق الروس نحو 60 ألف قذيفة يوميا في ذروة القتال هذا الصيف، بينما أطلق الأوكرانيون نحو 20 ألف قذيفة يوميًا، وانخفض المعدل إلى 20 ألفا للروس و7 آلاف قذيفة يوميًا، حسب أرقام صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاجون".

وأضاف أن موقع "أوريكس" المعني بإحصاء الدمار المادي لكل معسكر على أساس أدلة الفيديو، قدر أن الجيش الروسي فقد أكثر من 1500 دبابة منذ 24 فبراير الماضي، ما يعادل نصف أسطوله النشط، وعلى الرغم من قلة توثيق الخسائر الأوكرانية في المعدات، إلا أنه يتوقع أن تكون كبيرة أيضًا.

وأوضح الصحفي المختص بالشئون الدفاعية أنه من أجل استمرار هذه الحرب الشرسة والسماح للأوكرانيين بالرد على النيران الروسية الكثيفة، فتح الغرب ترساناته على مصراعيها، وفي مقدمته الولايات المتحدة، التي تقدم ثلثي المساعدات العسكرية لكييف، حيث سلم البنتاجون رسميًا أكثر من مليون قذيفة إلى كييف منذ 24 فبراير: (924 ألفا من عيار 155 ملم - 125 ألفا من 120 ملم - 180 ألفا من 105 ملم).
وبالنسبة للأسلحة المحمولة، المفيدة جدًا في الاشتباك قريب المدى، قدمت الولايات المتحدة في غضون تسعة أشهر، ما يقرب من 50 ألف صاروخ مضاد للدبابات من المخزونات الأمريكية، بما في ذلك أكثر من 8500 من صواريخ "جافلين"، وهو سلاح ساعد في وقف تقدم الدبابات الروسية على كييف في وقت مبكر من الحرب، كما تم تسليم حوالي 1600 صاروخ "ستينجر" مضاد للطائرات، إلى جانب ما يقرب من 3 آلاف طائرة بدون طيار من طرازي "سويتش بليد" و"فينكس جوست".

ونتيجة لذلك، تضاءلت الاحتياطيات الغربية ووصلت الإمدادات لمستوى حرج، بما في ذلك عبر المحيط الأطلسي، فوفقا لمذكرة نشرها مارك كانسيان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، في 19 سبتمبر الماضي، "وصلت بعض المخزونات الأمريكية إلى المستويات الدنيا اللازمة للتخطيط والتدريب للحرب".

ووفقًا لمارك، سلمت الولايات المتحدة إلى مدينة كييف ثلث احتياطياتها من صواريخ جافلين وستينجر، كما أن مخزوناتها من نظام صواريخ إطلاق متعدد موجهة، التي تزود قاذفات صواريخ هيمارس المفيدة جدًا للأوكرانيين، تتعرض لضغوط.

وبالنسبة لتقرير من مركز "نيو أمريكان سيكيورتي" وهو مركز أبحاث أمني آخر مقره واشنطن، فإنه "لمساعدة أوكرانيا، استنفدت الولايات المتحدة مخزونها من الأسلحة الحيوية".

وعلى الجهة المقابلة، لم يتمكن الروس من تجنب انخفاض مخزوناتهم أيضا، فأصبحوا مجبرين على اللجوء إلى إيران وكوريا الشمالية للحصول على قذائف أو طائرات بدون طيار أو صواريخ، بحسب "لوموند".

الإنفاق العسكري ومخزونات الأسلحة:

وأوضح بيترالونجا أنه على الرغم من أن هذا الاستنزاف يعد أمرا مقلقا، إلا أنه ليس مفاجأة حقيقية؛ فمنذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، لم يواجه الغرب سوى خصوم أضعف، ونتيجة لذلك، ظل القادة السياسيون، حتى السنوات الأخيرة، يخفضون باستمرار إنفاقهم العسكري، حيث رغبوا في الاستفادة من "عائد السلام" لتمويل السياسات الأخرى. 

وأشار إلى اعتراف رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، تييري بوركهارد، خلال جلسة استماع في الجمعية الوطنية في 13 يوليو الماضي، بأن "عشرين عامًا من النزاعات غير المتكافئة (...) أدت إلى اللجوء إلى تقليل بعض القدرات".

وأضاف أن هذا التخفيض في الإنفاق العسكري أثبت أنه أكثر تقييدًا للمخزونات، منذ أن فضلت الجيوش الغربية الأسلحة الأكثر تطوراً في العقود الأخيرة، مثل الصواريخ الموجهة أو القذائف الدقيقة وهي معدات أكثر كفاءة ولكن أيضًا أغلى بكثير، مما أجبر الموظفين على تقييد حجم طلباتهم.

وأشارت إلى أن الجيوش الغربية كان لديها وهم التخفيض الشامل من خلال التكنولوجيا، ومع ذلك، إذا كانت الأسلحة الموجهة مفيدة في أوكرانيا، فإن هذا الصراع يظهر أن المعدات التقليدية، مثل المدفعية، لا تزال ضرورية، كما أوضح تيبو فوييه الباحث في مؤسسة البحوث الاستراتيجية.

وكدليل على هذا القلق المتزايد بشأن مستوى المخزونات، عمد البنتاجون إلى زيادة الطلبات منذ هذا الصيف لتجديد ترساناته، ففي 14 نوفمبر الجاري، منح الجيش الأمريكي مرة أخرى عقدًا بقيمة 521 مليون دولار (508.78 مليون يورو) لشركة "لوكهيد مارتن" لاستكمال مخزون نظام صواريخ الإطلاق المتعدد الموجه الخاص بهيمار. وفي 10 نوفمبر، اعترفت الولايات المتحدة بعزمها على شراء 100 ألف قذيفة 155 ملم من الشركات المصنعة في كوريا الجنوبية، لتجديد احتياطياتها، أو حتى إرسالها مباشرة إلى أوكرانيا، مما تسبب في جدل في سول، التي ترفض من حيث المبدأ تسليم الأسلحة إلى البلاد المتورطة في نزاع.

وأشار بيترالونجا أن هذه ليست المشكلة الوحيدة؛ فالمصنعون الغربيون الذين تقلصت خطوط إنتاجهم مع انخفاض الطلبات العسكرية، غير قادرين على مواكبة ذلك، موضحة أنه وفقًا للمحللين، لا يمكن للشركتين الأمريكيتين "لوكهيد مارتن" و"رايثيون" تصنيع أكثر من 2100 صاروخ جافلين سنويًا، أي أنه إن لم تشهد خطوط التجميع زيادة، فسوف يستغرق الجيش الأمريكي أربع سنوات لتجديد احتياطياته.

الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا:

وبحسب مذكرة مارك كانسيان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بما قيمته 10 مليارات دولار من المعدات من مخزونها، ولكن تم التعاقد على 1.2 مليار دولار فقط لاستبدالها. وبمجرد توقيع العقود، سيستغرق الأمر عدة سنوات أخرى قبل وصول المعدات البديلة إلى الوحدات".

وأضاف أنه مع ذلك، ليست كل الذخيرة في نفس مستوى التأهب، إذ قدمت واشنطن حتى الآن 84 مليون من طلقات العيار الصغير إلى كييف، فإن الطاقة الإنتاجية للصناعة الأمريكية تقدر بأكثر من 8 مليارات وحدة كل عام، أي أكثر من كافية لتكملة عمليات التسليم إلى أوكرانيا.
وبالنسبة لفرنسا، أكد كاتب المقال أن باريس لم تسلم من هذا الاستنزاف في المخزونات، وتحاول أيضًا التعامل مع الأمر الأكثر إلحاحًا، حيث تمت دعوة الشركات الفرنسية من قبل الحكومة لمضاعفة الانتاج.

ونقل عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قوله في 13 يوليو الماضي: "يجب النظر إلى النماذج والإيقاعات ومعايير [الإنتاج] وفقًا لطريقة مختلفة"، مشيرة إلى أنه في نهاية يوليو، أمرت وزارة القوات المسلحة بثمانية عشر مدفعية هاوتزر من طراز قيصر بموجب "إجراء معجل" لتحل محل الثمانية عشر التي تم تسليمها إلى أوكرانيا.

وأوضح مكتب وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو أنه "يجب أن نوفر دورة [الوقت] من خلال تحديد العراقيل: حوالي 200 شركة من بين 4000 تشكل القاعدة الصناعية والتكنولوجية للدفاع، أي حجر الأساس في نظام التسلح الفرنسي لن تكون قادرة على زيادة وتيرتها.

ويجب أن نعرف ما إذا كان ذلك بسبب نقص الآلات، أو محدودية الموارد البشرية، أو عدم كفاية المخزونات، وتقديم الاستجابات المناسبة لهذه المشكلات".

وأشارت إلى أن زيادة خطوط الإنتاج تتطلب استثمارات كبيرة في بعض الأحيان، وأنه لا يمكن للمصنعين القيام بذلك إلا إذا كان لديهم ضمان لخطة شراء كبيرة، وهو ما لا تقدمه الدولة في الوقت الحالي.

وأوضح أن وزارة الدفاع الفرنسية تعهدت، إدراكا لهذا، بإرسال "خطابات التزام" للمصنعين، لتضمن لهم المواعيد وأحجام الطلبات دون انتظار التوقيع الفعلي للعقود، وهو ما يمكن اعتباره بادرة ملموسة على أن فرنسا، مثل الدول الغربية الأخرى، تدخل حقبة ما يعرف باقتصاد الحرب.