بيشوى رمزى

بين "الغاز" و"الهيدروجين الأخضر".. منتديات الطاقة أداة مصر الدبلوماسية نحو العالمية

الأحد، 13 نوفمبر 2022 12:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الطاقة ربما تمثل أحد أهم أوجه الدبلوماسية الدولية، والتي يمكنها حسم القضايا والملفات، المرتبط بالعلاقات بين الدول، وهو ما بدا في العديد من المواقف التاريخية، إلا أن دور هذا القطاع الحيوي بات أكثر زخما في الآونة الأخيرة، مع العديد من الأزمات المتلاحقة والمتزامنة التي تضرب العالم، والتي تحمل تأثيرا مباشرا عليه، على غرار الأزمة الأوكرانية، والتي تركت تداعيات مباشرة على دول أوروبا الغربية فيما يتعلق بنقص كبير في واردات الغاز الطبيعي القادمة من موسكو، ردا على سياسة العقوبات، التي انتهجها عدد من القارة العجوز منذ بدء العملية العسكرية الروسية، في فبراير الماضي، ناهيك عن أزمة التغيرات المناخية، والتي خلقت جدالا كبيرا حول مستقبل الطاقة التي يتم توليدها من الوقود الأحفورى، والتي تساهم بصورة كبيرة في تفاقم الظاهرة التي تهدد بقاء الكوكب بأسره.

 

ولعل الدور الذي تلعبه الطاقة في العلاقات الدولية، تجلى في أبهى صوره، فيما أسميته في مقال سابق بـ"دبلوماسية الأنابيب"، عندما نجحت روسيا قبل سنوات، في ربط محيطها الجغرافي بأنابيب تضخ الغاز الروسي، إلى مختلف الدول، من خلال مشروعات "السيل الشمالي"، وهو ما ساهم في زيادة نفوذ موسكو، ليس فقط بين حلفائها، وإنما بين خصومها التاريخيين في دول المعسكر الغربي، خاصة في أوروبا، والتي تحصل على حوالي نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا، من جهة، بالإضافة إلى المساهمة، إلى جانب عوامل أخرى، في فك الارتباط الوثيق بينهم وبين الولايات المتحدة، التي تبقى في موقع القيادة للغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، جراء الغضب الأمريكي من اعتماد الحلفاء على الغاز الروسي بدرجة كبيرة، وهو ما يساهم في إضعاف معسكر الخصوم من جهة أخرى، وهو الأمر الذى أتى بثماره في إطار الانقسام السائد حول جدوى العقوبات، وخروج عدد من الدول الأوروبية في الخروج عن حالة "الإجماع" في هذا الصدد، مما ساهم في تقوية "شوكة" موسكو في مواجهة خصومها.

 

وفي الواقع، لم تكن روسيا النموذج الوحيد، في هذا الإطار، حيث تبقى مصر نموذجا فريدا في توسيع دوائر نفوذها الدولي، عبر دبلوماسية الطاقة، وهو ما يبدو مؤخرا في إطلاق منتدى "الهيدروجين الاخضر"، بالشراكة مع بلجيكا، على هامش قمة المناخ المنعقدة حاليا، في مدينة شرم الشيخ، والتي تعد "لبنة" جديدة لمنظمة أكبر تضم أطرافا أخرى من الدول المعنية بهذا المجال، في ظل الحاجة الملحة لمصادر نظيفة للطاقة، يمكن من خلالها "ترويض" الطبيعة الثائرة، في إطار حالة من الشراكة تتجاوز الإقليم الضيق، إلى مناطق أوسع عبر التعاون مع دول "الاتحاد من أجل المتوسط".

 

وربما تنبع أهمية التعاون مع بلجيكا، ليس في مجرد كونها دولة رائدة في هذا المجال فقط، وإنما باعتبارها عاصمة "أوروبا الموحدة"، وهو ما يمثل فرصة مهمة أمام قطاع أكبر من الدول في القارة العجوز، للمشاركة في المنتدى الوليد، مما يضفي له المزيد من الزخم، بالإضافة إلى وجود مصر، والتي تعد أحد أهم الأصوات الداعمة للدول النامية، مما يخلق تفاهمات من شأنها الوصول إلى توافقات فيما يتعلق بالخلافات القائمة حول القضايا التنموية وتقليل الانبعاثات وغيرها.

 

اهتمام الدولة المصرية بتعزيز دبلوماسيتها، مع محيطها الدولي والاقليمي، ليس وليد اللحظة الراهنة، وإنما بدأ مع ميلاد "الجمهورية الجديدة"، وهو ما يبدو في إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط، والذى انطلق "ثلاثيا"، بالتعاون مع كلا من اليونان وقبرص، للاستفادة من الموارد التي تملكها الدول الثلاثة، ليضم في عضويته بعد ذلك عددا أكبر من الدول، في انعكاس صريح لأهمية هذا القطاع، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، عبر المساهمة في تحسين الأوضاع في الدول الثلاثة، وإنما أيضا فيما يتعلق بتعزيز العلاقات الدولية، ناهيك عن اقتحام نقاط جديدة من شأنها توسيع الدور المصري، ليتجاوز منطقة الشرق الأوسط إلى مناطق أخرى في أوروبا.

 

دبلوماسية "الطاقة" التي تبنتها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة لم تقتصر على مجرد خلق المنتديات المرتبطة بها، وإنما امتدت إلى تعميم تجربتها ورؤيتها في مجال الطاقة النظيفة، في محيطها النامي، عبر مشروعات عملاقة، وضعت في اعتبارها البعد البيئي، جعلت منها نموذجا يحتذى به، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة في تعزيز الطلب الذى تقدمت به لاستضافة قمة المناخ، بالإضافة كذلك إلى تعزيز الدور الذي تلعبه كوسيط لتمويل العملية التنموية في الدول النامية، عبر دعم مشروعات الطاقة النظيفة بها، والحفاظ على حقها في تحقيق التنمية الاقتصادية، في إطار مستدام، وهو ما تترجمه الاستجابة الكبيرة من قبل الدول المشاركة في "COP 27" لفكرة تقديم الدعم المالي في هذا الإطار.

 

وهنا يمكننا القول بأن مصر تخطو خطى ثابتة، نحو تجاوز المحيط الإقليمي الضيق نحو أفاق دولية أوسع، عبر الكثير من القضايا، على غرار مكافحة الارهاب من قبل، وهو ما بدا في استلهام تجربتها ذات المسارات الأمنية والتوعوية، من قبل العديد من دول العالم، ليس في منطقتها فقط، وإنما في العديد من المناطق الأخرى، وعلى رأسها أوروبا، بينما تبقى مسألة الاعتماد على الطاقة النظيفة، سواء الغاز والذى يعد أنظف مصادر الوقود الأحفورى أو الهيدروجين الاخضر، أحد أهم الأدوات الهامة، التي باتت تمكنها من تحقيق "اختراق" كبير فيما يتعلق بالفوز بثقة المجتمع الدولي حول قدرتها الكبيرة، ليس فقط في حل الأزمات الإقليمية، وإنما أيضا القيام بدور هام في إنهاء حالة "الصراع مع الطبيعة"، والتي تمثل تهديدا صريحا للسلم والأمن الدوليين







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة