" إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا"
و بما أنه من المؤكد أن الأخلاق هي الضامن الوحيد لاستقرار أي مجتمع و هي أيضاً مقياس درجة رقيه ، و التي كلما ارتقت و تأصلت كلما ارتقي المجتمع و استقرت أحواله علي كافة المستويات،
فكانت هناك، ومنذ قديم الأزل، مجموعة من القيم الأخلاقية التى اكتسبها الإنسان يوماً بعد يوم فاستتبت وتأصلت وباتت أشبه بالقوانين العرفية التى يحترمها ويقدسها الجميع بشكل ودى، ومن يتخطاها أو يخرج عنها لا يستطيع أن يواجه المجتمع أو حتى يرفع رأسه خجلاً من كونه خارجاً عن العادات والتقاليد التى كانت أقوى وأشد صلابة من القوانين المكتوبة .
ثم جاءت بعد ذلك الرسالات السماوية لتؤكد وتؤصل تلك القيم الأخلاقية التى كان عرفها وعمل بها الإنسان بالفعل، فحثت جميعها على الفضائل وحسن التعاملات بين البشر ، مع العلم أنه كانت هناك نماذج شاذة ممن يفسدون فى الأرض و يتحدون الأعراف و المألوف ليخرجوا عليها و هم عادة ما يكونون قلة منبوذة معروفة للجميع.
إذن :
فمن غير المنطقي أن يكون فرض الأخلاق بأي مجتمع و أي جنس بشري بالقوة ،
و لا يجوز أن يتم الخلط بين التشدد الديني و فرض التعاليم الدينية بالقوة و نشر الأخلاق و إحيائها ،
فعندما نزلت الرسالات السماوية علي أنبياء الله ، كانت أهم طرق نشرها و الدعوة لها هي الإقناع و الترغيب و الجدال بالحسني ،
و لم يأمر الله عز و جل أنبيائه بالقسوة و الإنتقام من غير المؤمنين ، بل أمرهم بالإحسان لهم و الرحمة في التعامل معهم ،
فقد قال سبحانه و تعالي :
" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
آل عمران (159)
فكيف يكون بعد ذلك من يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر بالجلد و الضرب ،
و كيف يكون ترسيخ الأخلاق بالمجتمع بالقهر و القتل ،
فها هي " القسوة " تحل محل " الرحمة"
فتلك المظاهرات التي اجتاحت إيران بعد وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها من قبل "شرطة الآخلاق" التي يزعمون بتهمة
«خلع الحجاب»، تشكل أكبر تهديد لهذا النظام القمعي المتشدد ،
و الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير ،
فلم و لن يقو حاكم أو نظام مهما تسخرت له أسباب قمعه من فرض الدين ولا الأخلاق بقوم إلا بالحسني و التحبيب عن طريق خطابات معتدلة بسيطة غير مباشرة أو منفرة ،
و لنا في خطابات الترهيب و التنفير عبرة و موعظة ، فلم تكن ثمارها سوي انصراف عن الدين قد وصل في بعض الأحيان و لدي بعض القطاعات من الشباب إلي حد الإلحاد،
و ها هي تجربة فرض الزي الإسلامي الذي تدرجه إيران تحت بند الأخلاق لتفرضه بالقوة عن طريق العصا الغليظة التي يطلقون عليها شرطة الأخلاق.
لتسفر عن كيل قد طفح و صبر قد نفذ و شعب قد ضاق بما يثقل كاهله من قهر ، ليخرج عن الصمت و يتمرد علي الطاعة الزائفة .
نهاية :
لعله درس مستفاد ،
فالأخلاق كالنبتة ، إن تمت زراعتها و رعايتها و تغذيتها باستمرار عن طريق منابر و موارد تشكيل الوعي المباشرة و غير المباشرة ، تغلغلت جذورها بقوة و تشعبت فروعها و أثمرت لتؤتي أكلها ،
فلا دين و لا أخلاق بالقهر و الإكراه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة