حواديت "الحِنّى".. الجدات يروين أسرار الصحراء ويكشفن تفاصيل حياة "الأيدى الناعمة" بمجتمع البدو القديم.. الفتاة تتعلم الخبيز بالفطرة وترعى الغنم.. الزينة ممنوعة على الفتاة قبل الزواج.. ومهر العروس 150 رأس غنم

الجمعة، 21 يناير 2022 05:00 م
حواديت "الحِنّى".. الجدات يروين أسرار الصحراء ويكشفن تفاصيل حياة "الأيدى الناعمة" بمجتمع البدو القديم.. الفتاة تتعلم الخبيز بالفطرة وترعى الغنم.. الزينة ممنوعة على الفتاة قبل الزواج.. ومهر العروس 150 رأس غنم حني تحكي الحواديت للأطفال
منة الله حمدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

خطوط الوجه وتجاعيده تفشي أسرار الزمن الطويل، والعيون الواسعة التي تشبه عيون المها تتزين بخط أسود يجذب الناظرين، والوشم الأخضر المدقوق على الوجه والكفين يحكى الكثير عن خبرات وحواديت الماضي، وخلف هبات رياح الصحراء ورماله؛ تجدها جالسة من بعيد بزيها الملون الزاهى الذى يضيء ظلمة الصحراء، وحولها أحفادها، تنقل لهم ما غرسه فيها الأجداد من المبادئ والأخلاق في حدوتة، وتزرع قوة التحدى في حكاياتها عن أمجاد الأجداد، هى الـ"حنّىِ" أو الجدة البدوية، وهو اللقب المستوحى من حنانها الزائد وخوفها على أحفادها.

 

الجدة مبدعة الحدوتة وأديبتها، وحكايات الـ"الحنّىِ" هي أثر البدويات الذي ينتقل إلى الصغيرات، تحمل على عاتقها ترسيخ الهوية والشخصية البدوية، ومن أشهر الحواديت التى تحكيها الجدات البدويات حدوتة "سَليسلة" وقصتها تشبه حدوتة ست السن والشاطر حسن، و"الخنيفسة"، وفى السطور التالية تتبادل ثلاثة جدات أو"حنيات" أطراف الحديث فى حدوتة أو "حجّاية" مطولة عن حياة البنت البدوية ومورثاتها التى لا تتغير.

 

حواديت الحنى وحفظ التقاليد

تجلس الجدات الثلاث وسط أحفادهن؛ فبدأت الـ"حنّىِ جِسامى" من قبيلة الصيحات حديثها فقالت: "البنت العصرانة ما يغربش عليها المغرب أهم شيء لازم تعرفه كل واحدة هو الحفاظ على العادات والتقاليد وتعاليم القبيلة، سمعة البنت أهم من الأكل والشرب".

 

وقالت "الحِنّى جسامي": أنه عادة تستيقظ البنت في مجتمع البدو قبل شروق الشمس، توقد الحطب وتسخن المياه وتجهز الفطور وتصنع الخبز الطازج، وتنظف الخيمة أو البيت، وتضرب بطنيتها التي غزلتها من صوف الخروف بعد جزه، وتعلق ملابسها في ضوء الشمس، ثم تخرج بأغنامها للمرعى، وما يجعل البدو سعداء هو رؤية المساحات الخضراء والطعام الوفير الذي تأكله الأغنام والأبل.

 

الخبز البدوى

وتحكى "الحِنّى جسامى": "الخبز عندنا أنواع منه المجردق ومخمر والتنور ومرحل، والبنت البدوية بتتعلم الخبيز بالفطرة زى ما بتشوف أمها تعمل هي بتتعلم، الخِبّز التنور عبارة عن عجينة دقيق وملح وماء يتعجن ونتركه لما نشعل النار تحت البرميل وبعد ما يسخن نلصق العجينة على جوانب البرميل ونسيبه لما ينضج، أما الخبز المجردق هو الأشهر والأسرع رقيق جدا، والمخمر يعجن بالخميرة، والمرحل يعجن باللبن" .

 

الشِكوة أو القربة

لا توجد خيمة أو منزل بدوى لا يوجد فيه" الشِكوة" وهى قربة مصنوعة من جلد الماعز، لـ"خض اللبن" لصنع الجبة والزبدة من لبن الماعز، تروى "الحِنّى":" زمان كنا بنعمل الجبنة واللبن الرايب في الشِكوة، وكانت أكلة التشريفة البدوية للغالين هي الأرز باللبن، كنا بنعمل حادق وساعات مسكر مع الزبدة".

 

المطبخ البدوى

التقطت الـ"حِنّى سعدة" أطراف الحديث، وتذكرت الماضي وحكت" الأكل زمان كان طعمة حلّو كله بركة، كنا بنطبخ على الوقيد، نصحى مع بدرى نحضر الفطور، زى خبز و"دشيشة " الغلة المطحونة وعليها لبن رايب، وساعات نعملها بالطماطم، وأما الغدا كنا بنسوى الأرز الأحمر بالطماطم واللحمة، أو "الكَسكيس" وهو طحين الدقيق بنسوية باللبن ونعمله حادق أو بالسكر، وكمان "العيش ظرايب" وده اللي بيسموه مخروطة في الصعيد وبنسوية باللبن أو الصلصة الحمرا، أما "المفروكة" دى وليمة موسم جز الصوف لازم نعملها مع  خبز "المجردق" بالتمر وتتحمر في السمنة البلدى واللبن الرايب، و"العصيدة" أكلة المواسم والأعياد ولازم في مولد النبي، وبعد الولادة لازم تتقدم بالعسل، واللحمة "الجِديد" كنا بناخد اللحمة من الخروف أو الماعز المشفية من غير عضم ولا دهون، وندفنها في الملح ونسبها في الشمس، وأما تنشف نحطها في شوال ونعلقها في الهوا للتخزين، واللى نحتاجة منها نغسلة ونطبحة ".

 

جز الخروف وغزل الصوف

عادة تخرج الفتاة البدوية لرعى الغنم في المناطق المنزرعة لتضمن طعام القطيع، وتقول "الحِنّى سعدة" أنه في الغالب يقوم العرب بجز الخروف في شهر مايو، ويكون هذا اليوم بمثابة عيد لأن أغلب كبار رجال القبيلة ينضمون في هذا اليوم ليكون الجز جماعى، فيخرجون بقدر هائل من الصوف، حيث تقوم نساء القبيلة في الخيام بطهى الطعام للرجال وفي الغالب تكون المفروكة بالحلم الضأن مع الخبز المجردق، وفي نهاية اليوم يأخذ كل واحد الصوف الخاص به، ويوزعون منه على أهالى القبيلة البسطاء، لتبدأ "الحِنّى" في غزل الصوف وتصنع منه الجلابية والبطانية والشليف الذى يفرش على الأرض للتدفئة.

 

العلاج بالأعشاب

تمتلئ الصحراء بالعديد من البناتات العطرية والمفيدة لكل سكانها، فسقوط الأمطار تحول الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء، تروى "الحِنّى سعدة" عن أهمية الأعشاب في التداوى لأهل البدو فقالت" زمان كنا نجيب الشيح نغليه ونشرب منه كوبية على الريق لتطهير المعدة، والباقي منه ننظف به الجروح، أما الزعتر فنغليه ونشربه ونشم بخاره بيفتح الرئة ويمنع نزلات البرد، أما الشعير والبقدونس بسكن آلام الكُلى والمسالك البولية، وكنا تعالج فقر دم بالمحلب يطحنه مع الشبه والقرنفل وسكر نبات، وناخده سفوف لفتح الشهية، أما القشرة الرأس كان منقوع القرنفل مع الحنة ومية دافية ونص معلقة خل ومعلقة زيت زيتون، ونخلطه بيظف الشعر ويتقله وتفرده، وتبيض الأسنان بالرمل الناعم وملح، ومطحون الكحل الحجرى نوى البلح لتوسيع العين وزيادة الرؤية.

 

طقوس الأفراح البدوية

بعيون تملأها البهجة بدأت "الحِنّى سِعدة" حكايتها عن الأفراح البدوية، ورددت "هذى بنت عسل عسلية..لو زعلت بابا تشكيله"، و"تقول بيضا تقول حليب.. ترى نواها غاليا"، وتحكى "الحِنّى" عن خطبة العروسة والفرح البدوى: أنه من العادات الصارمة والتي يصعب تجاوزها في الماضى رؤية العريس لعروسه، فحين كان يعلم الأب أن في هذه الخيمة بنت يذهب لخطبتها من أبيها ويحدد المهر وكافة شيء ثم يُعلِم ابنه العريس وأهل الخيمته، ويوم الفرح يذهب هو والعريس يأتون بالعروس وصندقها على ظهر جملٍ لتعيش في خيمتها بجوار خيمة عائلته.

 

صندوق العروسة
 

وكان يضم صندوق العروسة أربعة من الجلابية اثنان مصنوعة بالترتر واثنان سادة، وشليف مصنوع من الصوف تنام عليه، وغطاء من الصوف للغطاء ليلًا كلًا منهم له نقشته المختلفة وسمُكه، بالإضافة إلى طرحة وسروال بالرباط وحزام طَليني عريض لونه فسفور وله عدة طبقات، وكانت ترتدى العروسة جلابية لونها وردى لميع وحذاء من جلد الماعز منقوش ومزخرف، وكان العريس لا يرى عروسه إلا يوم العُرس.

 

مهر العروسة
 

وتكمل الـ"حِنّى سعدة" حديثها عن الأفراح البدوية فقالت:" مهر البنت كان من 150 إلى 170 راس غنمة، لكن دلوقتى أصبح 10 روس بس، كان يهديها أبو العريس لأبو العروسة قبل الفرح بيومين وساعات يوم الفرح الصبح، عشان الوليمة عشا المعازيم، أما الشبكة فكانت فضة "دملج، وأسوار، منفل، وعقد حوافر بالأحجار الكريمة"، غير الشناف الذهب اللى بيتعلق في الأنف".

 

الزينة البدوية
 

ببشرتها البيضاء ووجهها المستدير وشرائط الشمس التي تترك أثرها على خصلات شعرها، تلتقط الـ"حِنّى مريم" أطراف الحديث وتكمل الحكاية قائلة:" البنت في البادية ممنوعة من الزينة، تسرح شعرها جدايل وتضع في نهايته" العجص" الشريط الأحمر أو الفسفورى، وتلبس جلابية بوسط وحزام رفيع، وتربط منديل على رقبتها"، وتقول "الحِنّى": أن الزينة للبنت المتزوجة فقط، تضع الكحل في عينيها ومن ليلة العُرس، وتضع الحنه على الكفين والكعبين، أما عن الروائح العطرة فكانت تطحن القرنفل جيدًا بالأحجار، وتقسمه لجزئين، جزء تخلطه بالزيت وتضعه على شعرها، والأخر تخلطه بالماء وتستخدمه كعطر لها.

 

 "فن الحجالة "

يحتل الشعر في المجتمع البدوى مكانة مرتفعة، فهو الخطاب "السرى" الذى يصل إلى صاحبه فيدركه حتى لو كان وسط مجموعة، والمرأة البدوية تتمتع بخصوصية في هذا اللون الأدبي والشفهى، ويظهر هذا بوضوح في فن "الحجالة "، تقول الـ"حِنّى مريم":" زمان كنا نعمل السامر في الأعياد والمناسبات وبعض الأفراح، وكان أجمل شيء في الفرح الحجالة، هى رقصة تقوم الراقصة فيها بالهز يمين وشمال بطريقة الحجل، في البداية يقف حوالى عشرة شباب ينادون الحجالة بالشعر يقولوا "بطانا برجوا في عِجال.. جرى لقدام شوي"، ومعناها يالا تعالي بسرعة، وبعد أن تدخل الحجالة يبدأ الشباب ينقسم إلى فريقين وكل فريق يخرج منه قائد يقول بيت من الشعر، وهى تميل على الجانب اللي يقول شعر أقوى في الكلمات والمعانى، وتكون هي الحكم بين الفريقين وتنتهى الحجلة بفوز الفريق الأشطر في الشعر".

وأخيرا نستطيع القول أن الـ"حِنّى" هي ساحرة الصحراء والحكاية نفسها، هي الأمان والاستقرار والعلم والعادات والتقاليد والضمير والضحكة المشرقة التي تخفف والحياة البدوية قاسية.

 

الحِنّى جيسامى
الحِنّى جيسامى

 

الحِنّى سعدة
الحِنّى سعدة

 

الحِنّى مريم .
الحِنّى مريم .
أكلة العصيدة البدوية
أكلة العصيدة البدوية

 

الأغنام في الصحراء
الأغنام في الصحراء

 

البدوية في الصحراء
البدوية في الصحراء

 

البدوية والبطانبية
البدوية والبطانبية

 

الحلى البدوى
الحلى البدوى

 

الحِنّى جيسامى وأحفادها
الحِنّى جيسامى وأحفادها
الحِنّى سعدة تأكل العصيدة
الحِنّى سعدة تأكل العصيدة

 

الحِنّى سعدة وصندوق العروسة
الحِنّى سعدة وصندوق العروسة

 

الخبز المجردق
الخبز المجردق

 

الخيز المجردق
الخيز المجردق

 

الزى البدوى
الزى البدوى

 

الشيكوة أو القربة
الشيكوة أو القربة
العصيدة بالعسل
العصيدة بالعسل

 

بدوية تعد العجين (1)
بدوية تعد العجين (1)

 

بدوية في الصحراء
بدوية في الصحراء

 

بطانية من غزل صوف الخروف
بطانية من غزل صوف الخروف

 

بعض الزراعات التى تتغذى عليها الاغنام
بعض الزراعات التى تتغذى عليها الاغنام

 

خبز التنور
خبز التنور

 

رقصة الحجالة
رقصة الحجالة

 

عيش الظرايب
عيش الظرايب

 

غزل الصوف
غزل الصوف

 

قطيع الخرفان يأكل في الصحراء
قطيع الخرفان يأكل في الصحراء

 

قطيع من الخرفان
قطيع من الخرفان

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة