سامى وهيب

قصب وقلقاس وفرحة المعمودية فى عيد الغطاس

الأربعاء، 19 يناير 2022 04:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مناسبة جديدة لها طابع روحى، لكنها مُتجذرة فى روح المصريين وأعماق وعيهم، ربما لهذا ستجد ملايين منهم على اختلاف الاعتقاد يحتفلون اليوم بعيد الغطاس، إما بأجوائه وطقوسه وعاداته الموروثة، أو بأطعمته وأكلاته الشهيرة.
 
يشتهر احتفال عيد الغطاس بتناول القلقاس والقصب والبرتقال. الأمر يرتبط بميراث تاريخى وحضارى وثقافى لدى المصريين، وليس بأمور روحية وعقائدية فقط. تماما كما يحدث فى احتفالات "شم النسيم" التى نتوارثها من أجدادنا القدامى، بعدما عبرت الزمن واكتسبت رمزية شبيهة أو مغايرة لما كانت عليه. فماذا عن عيد الغطاس وأطعمته؟ وما الرمزية التى اكتسبتها؟ أو بمعنى آخر لماذا يأكل المسيحيون هذه الأطعمة فى عيد الغطاس.


يُعرف الغطاس بـ"عيد الظهور الإلهى"، وهو مناسبة تعميد المسيح على يد يوحنا المعمدان. القلقاس أكلة مرتبطة بهذا العيد لدى المسيحيين المصريين، إذ يرون أنه يشير إلى طقس المعمودية، ولهذا أسباب. القلقاس نبات درنى يحتوى على مادة مخاطية، لا تزول إلا بالماء، لذا يُغسل كثيرا قبل طهيه كما لو أنه يُعمَّد كما يُعمد البشر وتُغسل خطاياهم بالماء. وقبل ذلك فلا بد من أن يكون مدفونا فى الأرض حتى ينضج ويصلح طعاما، والمعمودية فى الفهم الإنجيلى هى دفن مع المسيح وصعود معه، ولذلك يقول مُعلِّمنا بولس الرسول: "مدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ الَّذِي اقَامَهُ منَ الأَمْوَاتِ" (كو2: 12). وقيل عن المسيح بعد عماده "فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ وَإِذَا السَّمَوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَـهُ فَرَأَى رُوحَ اللَّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ" (مت 16:3).
 
إذا تأملنا دورة زراعة القلقاس، سنجده مغمورا فى باطن الأرض، لكنه يُورق وتمتد فروعه الخضراء خارجها، وعندما عمًّد يوحنا المسيح فى نهر الأردن، حل عليه الروح القدس فى صورة حمامة، مع صوت من السماء: "هَـذَا هُوَ إبْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت 3: 17). وكى يصلح القلقاس للأكل يتطلب الأمر نزع قشرته، تعريته من جسده الخارجى، وفى المعمودية يخلع الإنسان ملابسه ويتعرى، وكأنها إشارة إلى خلع الطبيعة القديمة الفاسدة، وما ورثناه من آثام النوع والزمن. وإلى ذلك يُطبخ القلقاس بالخُضرة رمزا للحياة، بعد سحقها رمزًا للاختبار واحتمال التجارب، وكلها تُلخص رحلة المسيح فى العالم.
 
القصب أحد مفردات احتفالات الغطاس، وربما يعود الأمر إلى أن فيه معانى روحية تتصل بالمعمودية، فهو نبات قائم يُشير إلى حياة الاستقامة الروحية التى يتعين على كل مؤمن التحلى بها، كما يمتلئ بالسوائل رمزا لماء المعمودية وخيرها، وله مذاق حلو يُشبه حلاوة الإيمان وفرحة المعمودية ونوال الخلاص وغفران الخطايا، وينقسم إلى عقلات متساوية كل منها تشبه واحدة من الفضائل التى نكتسبها فى مدارجنا الروحية حتى نصل إلى سموٍّ علوى. القصب ينمو أيضا فى المناطق الحارة بما يذكرنا بحرارة الروح المطلوبة، وقلبه الداخلى أبيض اللون إشارة إلى نقاء قلب الإنسان المؤمن وروحه الصافية.
 
كانوا قديما يضعون الشمع فوق نبات القصب، رمزا لنور الروح القدس، ثم يتذوقون عصيره مع الفرحة بحلاوة المعمودية ونور الإيمان. كل هذه مُجرد تأملات شخصية من طبيعة أطعمة الغطاس، وقيم الإيمان والاحتفال فى الاعتقاد المسيحى. لكن يظل حضور الطابع المصرى فى الاحتفال برهانا مهما على طبيعة المصريين، التى تحب الفرح وتحتفى به، وتؤمن إيمانا عميقا بأننا جميعا نعبد الإله نفسه بزوايا ورؤى مختلفة لكنها ليست متصارعة ولا متعارضة ولا تعادى بعضها بعضا.

نحتفل بعيد الغطاس، ونفرح بفرحة إخوتنا ممن يشاركون أجواءه وأطعمته. وكل عام وكل مصر والمصريين بخير وفرحة وسعادة وتقدم وازدهار.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة