جميل عمره 13 عاماً، لم يكن كافياً لأن يكون صاحبه ضمن قائمة من تم إجلاؤهم من الأراضي الأفغانية على متن طائرة أمريكية تقل من أسمتهم واشنطن بـ"أصدقاء أمريكا"، والذين خصتهم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بوعد قاطع، بأن يكونوا من بين من يتم منحهم إقامة داخل الولايات المتحدة، تقديراً لمساعداتهم للقوات الأمريكية في أفغانستان.
اللافت في القصة أن الخدمة التي قدمها الأفغاني المدعو "محمد" طرفها الثاني هو الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، حيث ساعده المترجم الأفغاني قبل 13 عاماً حينما كان بايدن عضواً بالكونجرس، وتقطعت به السبل داخل الأراضي الأفغانية، وذلك بحسب تقرير مطول نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الخميس.
بايدن وافغانستان
واكتفت "وول ستريت" بنشر الاسم الأول للمترجم الأفغاني خوفاً على حياته داخل أفغانستان التي سقطت قبل أكثر من أسبوعين في قبضة حركة طالبان المسلحة، مشيرة إلى أنه ساعد بايدن عندما اضطرت المروحية التي كان يستقلها بصحبة اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الى الهبوط وسط عاصفة ثلجية، والآن يبعث "محمد" برسالة إلى بايدن قائلا: "مرحبا سيدي الرئيس.. انقذني وانقذ عائلتي.. لا تنساني".
وقالت صحيفة وول ستريت إن "محمد" الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملا وزوجته وأطفالهما الأربعة يختبئون من قبضة طالبان، بعد أن اصطدمت محاولته التي استمرت سنوات في الخروج من أفغانستان بالبيروقراطية، وهم من بين عدد لا يحصى من الحلفاء الأفغان الذين تخلفوا عن الركب، عندما أنهت الولايات المتحدة حملتها العسكرية التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان يوم الاثنين.
كان "محمد" مترجماً فورياً يبلغ من العمر 36 عامًا للجيش الأمريكي في عام 2008، عندما هبطت طائرتان هليكوبتر من طراز بلاك هوك تابعتان للجيش الأمريكي بشكل اضطراري في أفغانستان خلال عاصفة ثلجية شديدة، وفقًا لما ذكره قدامى المحاربين في الجيش الذين عملوا معه في ذلك الوقت.
وكان على متن الطائرة ثلاثة أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكي: جو بايدن، الديمقراطي من ولاية ديلاوير، جون كيري، وتشاك هاجل.
وقام فريق أمني خاص مع شركة بلاك ووتر السابقة وجنود الجيش الأمريكي بمراقبة أي مقاتلين قريبين من طالبان، وأرسل الطاقم نداء عاجلا للمساعدة، وفي مطار باجرام الجوي، ذهب "محمد" في عربة همفي مع قوة رد فعل سريع من الحرس الوطني في أريزونا يعمل مع الفرقة 82 المحمولة جواً، وسافر لساعات في الجبال القريبة لإنقاذهم.
وأمضى "محمد" معظم وقته في مهام صعبة، حيث قال الجنود إنه شارك معهم في أكثر من 100 معركة بالأسلحة النارية، ووفقا للتقرير استطاع نيل ثقة الجنود لدرجة أنهم كانوا يعطونه أحيانًا سلاحًا لاستخدامه إذا واجهوا مشكلة عندما ذهبوا إلى مناطق صعبة.
وكتب الكولونيل أندرو تيل في يونيو لدعم طلب محمد للحصول على تأشيرة هجرة خاصة: "خدمته المتفانية لرجال ونساء جيشنا هي نوع الخدمة التي أتمنى أن يقدمها المزيد من الأمريكيين".
أفغان
وقال أحد داعمي المترجم الافغاني بحسب تقرير وول ستريت إن طلب تأشيرة "محمد" أصبح عالقًا بعد أن فقد مقاول الدفاع الذي كان يعمل لديه السجلات التي يحتاجها لطلبه ثم استولت طالبان على كابول في 15 أغسطس وقال محمد، مثله مثل آلاف آخرين، إنه جرب حظه بالذهاب إلى بوابات مطار كابول ، حيث منع من قبل القوات الأمريكية وقالوا له إن بامكانه الدخول بمفرده لكن ليس زوجته أو أطفالهما.
واتصل قدامى المحاربين في الجيش بالمشرعين وأصدروا نداءات للمسؤولين الأمريكيين للحصول على المساعدة، حيث كتب شون أوبراين ، أحد المحاربين القدامى الذين عملوا معه في أفغانستان عام 2008: "إذا كنت تستطيع مساعدة أفغاني واحد فقط ، اختر محمد".
ورفض مسؤول في البيت الأبيض التعليق ، قائلا إن الإدارة لا يمكنها مناقشة القضايا الفردية لأسباب تتعلق بالسرية.
وخلال الحملة الرئاسية لعام 2008، تحدث بايدن، الذي كان يترشح لمنصب نائب الرئيس عن حادثة الهليكوبتر والرحلة كوسيلة لدعم أوراق اعتماده في السياسة الخارجية، وقال خلال حملته في اكتوبر بعد أشهر فقط من عمليات الإنقاذ في فبراير: "إذا كنت تريد أن تعرف أين تعيش القاعدة ، فأنت تريد أن تعرف أين أسامة بن لادن ، عد إلى أفغانستان معي .. عد إلى المنطقة حيث تم إجبار طائرتي الهليكوبتر على الهبوط... في وسط تلك الجبال يمكنني أن أخبرك أين هم."
وكانت الرحلة إلى أفغانستان واحدة من الرحلات الخارجية العديدة التي قام بها أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة معًا ولم يكن الهبوط الاضطراري لطائرات الهليكوبتر التابعة للجيش في واد على بعد حوالي 20 ميلاً جنوب شرق مطار باجرام الجوي في منطقة كانت تسيطر عليها طالبان، أمراً سهلاً.
في اليوم السابق للواقعة التي تحدث عنها المترجم الأفغاني قتلت الفرقة 82 المحمولة جوا ما يقرب من عشرين من مقاتلي طالبان، في معركة كبيرة على بعد حوالي 10 أميال، كما قال الجنود الذين قاتلوا هناك في ذلك الوقت، وقال أعضاء مجلس الشيوخ في وقت لاحق ، أثناء محاولتهم حماية انفسهم في المروحية انهم كانوا يمزحون بشأن إلقاء كرات الثلج على طالبان.
وقال كيري بعد أن تم إنقاذهم: "كنا سنرسل بايدن لمحاربة طالبان بكرات الثلج ، لكن لم يكن علينا فعل ذلك".
وبدلاً من ذلك، انضم محمد إلى عربات تابعة للجيش وثلاث سيارات دفع رباعي أثناء تجريفها للثلوج الكثيفة للعثور على طائرات الهليكوبتر، وقال ماثيو سبرينجماير ، الذي كان يقود شركة بلاك ووتر الأمنية في طائرات الهليكوبتر في ذلك اليوم ، إن أعضاء مجلس الشيوخ أُعيدوا بسرعة إلى القاعدة الأمريكية.
وقال أحد داعمي طلب محمد من قدامى المحاربين إن محمد وقف مع الجنود الأفغان على جانب واحد من المروحيات بينما قام أفراد من الفرقة 82 المحمولة جواً بحماية الجانب الآخر. عندما اقترب السكان المحليون الفضوليون أكثر من اللازم، كان محمد يستخدم مكبر الصوت ليطلب منهم المغادرة ومكثوا هناك لمدة 30 ساعة في درجات حرارة شديدة البرودة حتى يتمكن الجيش الأمريكي من إعادة طائرات الهليكوبتر في الهواء والجنود إلى باجرام.
والآن محمد مختبئ وقال للصحيفة: "لا أستطيع مغادرة منزلي أنا خائف جدا.. لا تنساني سيدي الرئيس".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة