ناهد صلاح

لماذا يكتب أيمن زيدان؟!

الأربعاء، 04 أغسطس 2021 07:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكتابة فعل ينقذ الروح ويحاوطها، الكتابة بديل الخوف والوجل.. في تقديري هذا ما فَطِن إليه وحققه أيمن زيدان، الفنان السوري متعدد الأنشطة: التمثيل، الإخراج، تقديم البرامج التليفزيونية، كتابة السيناريو، الحكي والقص وصنع إيقاع روائي خاص من اللغة والصورة، تكتمل به حالة فنية كاشفة للنفس البشرية وللزمن المشروخ بالموت ووقعه الذي يتخذ أبعادًا متعددة، ويترك أثره الجارف في القلب.
 
في تقديري أيضًا أن أيمن زيدان لم يتعمد أو ينتوي الكتابة بهدف مواجهة هواجس الخوف والقلق، لكن واقع الذعر والحيرة المحيط، كان محفزًا له بما يكفي للكتابة وإظهار ما يتمتع به من شجاعة وشغف لكي يكون كاتبًا ويتصدى للسؤال: لماذا يكتب أيمن زيدان؟...
 
السؤال مُغر، وأسئلة أخرى كثيرة هي مغرية كذلك وراهنية بما تحمله من استفهام ليس فقط عن حالة خاصة لفنان وإنما عن واقع تنبعث منه دلالات التشوش والإبهام.. دخان الحرب غطى مساحات كثيرة، لذا فالسؤال الذي يحرض للوصول إلى مغزى ما يمكن أن تفعله كتابة أيمن زيدان، هو ذاته يحض على الحقيقة ويُساعد على التنقيب في الذاكرة والتاريخ أيضًا، متوازيًا مع الذاتي المشتبك بالعام كما يقدمه زيدان، ليصبح السؤال وفعل الكتابة جزء من صناعة التوثيق للحظة السورية أيضًا وصنع ذاكرة جديدة تشمل الحرب السورية وامتداداتها، كي تبقى حيّة في الوجدان الفردي والتذكّر الجماعي، فما حدث وما كان وما سيكون أمر عصي على النسيان.
 
يكتب أيمن زيدان عن الشعب السوري والحرب، عن العمق الكبير لبلده وناسه، عن المساحة الأكبر للجرح العميق في النفس والروح والجسد، يلتقط الصور وخيوط الحكاية من زوايا البلد وباطنه المجتمعي والإنساني، يحكي عن المهمّشين، المكسورين عند الخط الفاصل بين إنسانيتهم المسلوبة ومتاهاتهم المفتوحة على الحرب وخيبة الأمل، فيستعيد الوجوه المنسية التي ضربتهم أصناف الشقاء من كل حدب وصوب، هذا ما نلحظه بوضوح في مجموعاته القصصية الأربع:" ليلة رمادية، أوجاع، تفاصيل، وجوه"، التي تم تجميعها مؤخرًا في كتاب واحد صدر عن دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية في دمشق (2021)، فكرة وفوتوغراف: رنا سلوم، وغلاف من تصميم باسم صباغ يشمل صورة جانبية لوجه أيمن زيدان، نظرة أمامية عميقة وابتسامة واضحة على خلفية سوداء، تشي بأمل يأبى عن الاندثار.
 
التوثيق واضح في المجموعات الأربع، لقطات من الواقع اليومي في سوريا، الشخصيات مستلة من هذا الواقع الصعب، مع محاولة لخروجها إلى عالم أرحب، أراده زيدان صرخة ضد الذات وضد الأوضاع المحيطة من خلال نصوص شفافة وحيوية عن واقع مأزوم، نصوص يمكن إعتبارها شهادة إنسانية محضة وانعكاس لحالة واقعية حاضرة بقوة.
 
تمتلك القصص في المجموعات الأربع على اختلاف أسلوبها وتباينات طرحها، قوة دراماتيكية على احتواء البؤس الإنساني مع نكهة فلسفية تتلمس السؤال الوجودي، ثمة تعدد في الأبعاد الثقافية يُشكل بنيان الكتابة، في مجموعة "ليلة رمادية" التي تصدرها إهداء:"إلى أمي.. ريحانة العمر" واحتوت نحو 12 قصة يستعيد فيها محطات مهمة من حياته، تحتشد فيها الذكريات ولحظات الحماسة والأحلام، ما يستوجب الانتباه والإحاطة بجوهر مشروع زيدان وروحه ومنشأ العلاقات في حياته والجروح القديمة، إن هذا الـ"فلاش باك" هو مفتاح المستقبل وتصيد الحنين في ذات الوقت وبشكل غير تقليدي.
 
تكتمل خصوصية هذه الحالة السردية بمجموعة "أوجاع" التي عبر فيها عن التغير العنيف الذي حدث في بلاده، فهذه هي دمشق مثلًا كما قال في المقدمة، دمشق التي كانوا ينتظرون شتائها ليصنعوا تماثيل الفرح ويلتفون حول مدفأتها العتيقة، قبل أن يغطي شوارعها وحل الخنادق.. في 25 قصة يؤرخ لتداعيات الحرب وينقل الوجع الناجم عنها، كما يقوم بالتعرية والتجريد الفاضح للحرب التي حملت الناس أكثر من طاقتها، قد تبدو النبرة يائسة أحيانًا، لكنها طبيعية وتتناسب مع عاشوه من أهوال، لكن هذا لم يطفيء الرغبة في الخلاص.
 
لم أستطع لحظة، خلال متابعتي وقراءتي لـ 36 لوحة رسمها زيدان في مجموعة "تفاصيل" أن أنفصل عن الواقع الحالي، إنه يعود بنا إلى "الرحيبة" مسقط رأسه ومنها إلى دمشق، ونتماهى مع جده ووالده ووالدته، بل ومع أخرين غادروا الحياة، نتماهى مع بشر وجغرافيا هي ذاتها تغيرت كما أشار في مقدمة مجموعته:"لوحة حياة غادرها معظم أبطالها وهجرتها الأزقة والدروب.. وما تبقى منها سوى الحنين"، التشابك بين القديم والحديث، المعاصر يُنشّط ذاكرتك المنهكة، ويعين على الحياة بكل قسوته المباغتة.
 
تسكنني هذه القسوة أكثر وبكامل سعتي الروحية بينما أواصل قراءة "وجوه"، المجموعة التي يستكمل بها أيمن زيدان سيرته بين الخاص والعام، ولا أفلح بعدها بالانفصال أو التراجع، بقدر ما حملت في جوهرها من معانِ وعاطفة متسامحة ورحبة، على الرغم من الشجن والحزن المترع في 38 قصة قصيرة، هي لوحات مختصرة لحال السوريين عمومًا ولرحلة أيمن زيدان خصوصًا، وليس أدل على ذلك أكثر من مقولته: "ترحالي مع كتبي كان أشبه برحلة سيزيفية تجعلني أكمل المشوار المتبقي من عمر لا يشبهني بجرعة فائضة من الحزن والمرارة والخيبة".. ويبقى أن أيمن زيدان يكتب، لأنه لابد أن يكتب، فالكتابة هنا هي الحياة.. هي البديل للعزلة والانزواء.
 
 
 
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة