"مستأجر شقة بمدة 59 سنة منذ 19 أبريل 2008، وتم التعاقد على عداد الكهرباء بنفس التاريخ باسم المستأجر، وفى 2017 تم التعاقد مع شركة الغاز بصورة من عقد الإيجار وإيصال كهرباء باسم المستأجر، وفى 2019 تم فقد (ضياع) عقد الإيجار الأصلي، وتم عمل مذكرة فقد بصورة عقد مختومة من شركة الكهرباء".. بهذه الكلمات بدأ الشاب "إبراهيم. ع"، 39 سنة، موظف بإحدى الشركات الخاصة، سرد مأساته لـ"اليوم السابع" في محاولة لإيجاد حلول قانونية حول مشكلة الشقة.
وتابع: "فى 2020 أقام المؤجر (المالك) دعوة طرد للغصب، وهو حاليا ينفى العلاقة الايجارية ويقول: (مفيش ايصالات ايجار تثبت إنى أجرتلك شقة)، مستغلا أنه كان لا يعطينى ايصالات سداد الأجرة مع العلم إني متزوج في هذه الشقة ومثبت محل الاقامة فى بطاقة الزوج والزوجة وشهادات ميلاد الأطفال، وقمت بالرد بدعوى فرعية اثبات علاقة ايجارية على نفس دعوة الطرد للغصب، حيث أقوم بدفع الايجار فى خزنة المحكمة كل شهر وأقوم بالاحتفاظ بالإيصال، دلوقتى القضية تحولت خبير ما موقف المستأجر قوى أم موقف ضعيف بسبب فقد العقد الأصلي؟
هل يجوز للمستأجر اثبات العلاقة الايجارية أو عقد الايجار في حالة فقده؟
وللإجابة على هذا السؤال – يطرح الخبير القانوني والمحامي مصطفى عبد الجليل غنيم، حزمة من الحلول القانونية لتلك الاشكالية في الحالة المعروضة وحول حق المستأجر فى اثبات عقد الايجار في حالة فقده أو ضياعه، وطرق اثباته في ظل أحكام القانون المدني، وقوانين ايجار الأماكن، وكيفية تصدى المستأجر في حالة فقد عقد الايجار لقيام المالك أو المؤجر برفع دعوى طرد للغصب، وفى البداية نؤكد أنه ليست أهمية اثبات الوقائع القانونية فى حاجة للتدليل عليها، إذ من المأثور أن الحق المجرد من الدليل لا تكون له عند المنازعة أي قيمة، وغنى عن البيان أنه يجب على المؤجر والمستأجر، وكل من يؤتى تصرفا قانونيا أن يفرغه فى محرر مكتوب أو عقد ويتخذ عنايته اللازمة فى المحافظة عليه.
وبحسب "غنيم" – في تصريح لـ"اليوم السابع" – أن الأصل أن عقد الايجار عقد رضائيا والشكلية أو الكتابة لإثباته، ويخضع اثبات عقد الايجار للقواعد العامة فى القانون المدنى وقانون الاثبات، مؤدى ذلك جواز اثبات العقد بالبينة والقرائن إذا لم تجاوز قيمته 1000 جنيه وبوجوب الاثبات بالكتابة أو ما يقوم مقامها من إقرار ويمين متى جاوزت قيمة العقد 1000 جنيه أو كانت قيمته غير محددة، وبعدم اثبات ما يخالف الايجار الثابت بالكتابة إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها وهذا هو الأصل العام، أما الاستثناء فإنه يجوز الاثبات العقد بالبينة أو القرائن إذا وجد ما يسوغ ذلك قانونا، كمبدأ ثبوت الكتابة أو مانع أدبى أو مادى حال دون الحصول على دليل كتابى أو ضياع سند الايجار بسبب أجنبي لا يد فيه لمن يتمسك بعقد الايجار.
ماذا عن ايصالات المياه والكهرباء والغاز؟
ووفقا لـ"غنيم" - ولا يختلف الحال كثير إذا كان عقد الايجار خاضع للقانون المدنى أو قوانين ايجار الأماكن إلا أن المشرع فى القوانين الاستثنائية حماية للمستأجرين الطرف الضعيف فى العلاقة الايجارية آنذاك، فاشترط أن تبرم عقود الايجار كتابة، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وإلا أنه وعاد فى الفقرة الثالثة من ذات المادة، ويجوز للمستأجر اثبات واقعة التاجير وجميع شرط العقد بكافة طرق الاثبات، وبهذا يبقى عقد الايجار رضائيا، واشترط القانون شكل معين هو فقط لإثباته.
ويُضيف الخبير القانوني: يجوز اثبات عقد الايجار بكافة طرق الاثبات كالبينة "شهادة الشهود" والقرائن، فما القيمة القانونية لصورة عقد الايجار، ومذكرة الفقد وايصالات الغاز والكهرباء والمياه إذا كانت باسم المستأجر، فبداية إذا توافرت فى البينة أو الشهادة شروطها قامت كدليل مقام الكتابة، فالبينة من أقوى طرق الاثبات، وتعد الصورة الضوئية لعقد الايجار ورقة منسوب صدورها للخصم، وتجعل الواقعة محل الاثبات قريبة الاحتمال وهو ما يعرف بمبدأ ثبوت الكتابة، وبالتالى تجيز للمستأجر اثبات العلاقة الايجارية بكافة طرق الاثبات أو يكمل مبدأ ثبوت الكتابة صورة عقد الايجار بشهادة الشهود، ومحضر فقد عقد الايجار يعتبر مسوغ قانونى لاثبات بكافة طرق الاثبات دون التقيد بعدم جواز اثبات عكس الثابت بالكتابة إلا بالكتابة فيما يجاوز 1000جنيه، أما عن ايصالات المياه والكهرباء والغاز لو كانت باسم المستأجر، وكذلك إذا كان عنوان العين المؤجرة ثابت بالطاقة الشخصية للمستأجر، فكل ذلك من قبيل القرائن على وجود العلاقة الايجارية.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لأزمة ضياع عقد الايجار أو فقده، وذلك في الطعن المقيد برقم 5061 لسنة 83 قضائية جلسة يناير 2015 حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن مورث المطعون ضدهما، أولاً: أقام على الطاعن ومورث المطعون ضدهم ثانياً الدعوى رقم 881 لسنة 1997 أمام محكمة بنها الابتدائية بطلب الحكم بالإخلاء من العين المبينة بالصحيفة والتسليم، وقال بياناً لذلك إنه بموجب عقد مؤرخ 29 أكتوبر 1968 استأجر مورث المطعون ضدهم، ثانياً: عين التداعي، وإذ تركها للطاعن فأقام الدعوى.
في تلك الأثناء - حكمت المحكمة برفضها ثم استأنف المطعون ضدهما أولاً هذا الحكم بالاستئناف رقم 646 لسنة 35 ق طنطا " مأمورية بنها "، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 29 يناير 2013 بإلغاء الحكم المستأنف والإخلاء والتسليم، طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرِضَ الطعن على هذه المحكمة - فى غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن تستند على بندين.. الأبرز: القصور في التسبيب
فيما استندت مذكرة الطعن على القصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه كان يشغل عين النزاع منذ أكثر من 20 عاماً، ويسدد أجرتها إلى أحد ورثة ملاك العقار، وطلب إحالة الدعوى للتحقيق لإثبات وجود علاقة إيجارية بينه وبين أحد الورثة إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع رغم أنه دفاع جوهري، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977 تحسم النزاع
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن هذا النعى فى محله، ذلك أن المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن نص المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن المشرع قد فرض على المؤجر التزاماً بتحرير عقد إيجار يثبت فيه بيانات معينة حماية للمستأجر، وأنه نظراً للأهمية البالغة التى علقها المشرع على فرض هذا الالتزام، فقد أباح للمستأجر عند المخالفة إثبات العلاقة الإيجارية بكافة طرق الإثبات عندما لا يكون هناك عقد مكتوب أو أن تنطوى شروط التعاقد المكتوب على تحايل على القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام بشرط أن يتمسك المستأجر بذلك بطلب صريح جازم، كما أن المقرر أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً فى النتيجة التى انتهى إليها إذ يعتبر ذلك الإغفال قصوراً فى الأسباب الواقعية يقتضى بطلانه.
لما كان ذلك - وكان مورث المطعون ضدهم أولاً قد أقام الدعوى بطلب الإخلاء والتسليم لترك مورث المطعون ضدهم ثانياً العين للطاعن وكان الأخير قد تمسك أمام محكمة الموضوع بمذكرته المقدمة بجلسة 10 مارس 2012 أنه يشغل العين منذ أكثر من 20 عاماً وأن المطعون ضدهم يقيمون بذات العقار، ويقوم بسداد الإيجار لأحد الورثة ولم يعترض أحد من الملاك وطلب إحالة الدعوى للتحقيق لإثبات وجود علاقة إيجارية بينه وبينهم عن عين التداعى إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع إيراداً ورداً رغم أنه دفاع جوهرى من شأنه - لو صح - أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون قد شابه القصور المبطل مما يعيبه ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة