أكرم القصاص - علا الشافعي

وائل السمرى يكتب عن قاتلة زوجها بطوخ.. الجميع يبحث عن الرواية المؤثرة ولا أحد يبحث عن الحقيقة الناصعة.. لم نسمع رواية الفتاة وحكمنا عليها بالإعدام.. النساء يتبرأن منها.. والرجال لإثبات أسطورة المرأة الغدارة

الأحد، 25 يوليو 2021 01:26 م
وائل السمرى يكتب عن قاتلة زوجها بطوخ.. الجميع يبحث عن الرواية المؤثرة ولا أحد يبحث عن الحقيقة الناصعة.. لم نسمع رواية الفتاة وحكمنا عليها بالإعدام.. النساء يتبرأن منها.. والرجال لإثبات أسطورة المرأة الغدارة المجنى عليه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


فجأة وبلا مقدمات انشغل الرأى العام فى مصر بقصة "قاتلة زوجها بطوخ". 

 هكذا أطلق عليها المجتمع اسم " قاتلة زوجها بطوخ" هكذا قال التريند ومادام التريند قد قال إن اسمها هكذا فاسمها سيبقى هكذا شاء من شاء وأبى من أبى.

لا يعرف الكثيرون أن اسم البنت "ريهام" وهذا دليل على أن "الفعل" يقهر "الاسم" والتريند يقهر الاثنين. 

 

 
بالنسبة لى كان الخبر صادما، ففكرة أن تقتل امرأة زوجها بسكين فى قلبه أمر مستبعد بالنسبة لي، أمر صعب على الرجال قبل النساء، فالقتل أمر شاق ومرهق وليس كما تصوره الأفلام البوليسية، أمر عصى حتى على القتلة المأجورين، فكيف لفتاة مسالمة أن ترتكبه دون أن نتساءل: كيف؟ 
 
تاريخيا السم هو الأداة الرسمية للزوجات القاتلات، لكن هذا لا يمنع عن وجود أساليب أخرى، فسمعنا مثلا عن سيدة ذبحت زوجها أثناء نومه، أو بعد تخديره، أو سيدة غافلت زوجها وضربته على رأسه فمات، وهذا لأن الأنثى بطبيعة تكوينها الجسمانى أضعف من الرجل، ومسألة أن تقرب سيدة من رجل حاملة السكين ثم تتمكن من غرسها فى قلبه فهذا أمر يتطلب قوة كبيرة، قوة الجسم وقوة "القلب" فى آن واحد، وهذا بالطبع إذا ما افترضنا أن الرجل لم يقاوم، إنما لو قاوم فستكون المسألة أصعب وحتى لو تمكنت من أصابته فمن المستبعد أن تتمكن من قتله. 
 
هنا يبرز السؤال: لماذا انتشرت القصة محملة بإدانة دامغة؟ برغم أنها ليست أول واقعة قتل زوجية، ولا هى الأقسى؟ فهناك سيدات كثيرات ارتكبن نفس الجناية وبطرق أشنع، فرأينا من قطعت زوجها بالسكين وألقت فى كل شارع بقطعة، وهناك من وضعت زوجها فى "مية نار" وفتحت عليه الدش فلماذا أخذت هذه القصة كل هذا الحيز من التفكير؟ لدرجة جعلت المصريين ينسون "الهري" فى قضية "سد النهضة" وامتحانات الثانوية العام ودورة الألعاب الأولمبية وأصبحت "قاتلة زوجها بطوخ " هى قضية الرأى العام الأولى!
 
فى اعتقادى أن السبب هو المفارقة، والمفارقة هنا تؤكد أن الحقيقة ليست مهمة ولا يحزنون، المهم الحبكة، المهم الدراما، زوجان تزوجا عن حب، والزوج يكتب على الفيس بوك أن زوجته هى أعظم انتصاراته، ويشترى لها تكييف وعباءة بـ 1500 جنيه ويحجز لها مصيف فى شرم الشيخ أو الغردقة، وتكون نهايته طعنة ثاقبة فى القلب. 
 
مسرحية مؤثرة، والبنت هنا تجسد الجحود والنكران والرجل يجسد التضحية والفداء، والنهاية المأساوية للرجل الطيب جعلت من القصة فاجعة فانتشرت، وأصبحت "ريهام" "قاتلة زوجها بطوخ" مثلما يصفها "التريند" وحكم المجتمع على البنت بالإعدام لأن كل الرجال يريدون تصديق الرواية ليثبتوا أسطورة "المرأة الغادرة" وكل النساء يردن تصديق الرواية ليتطهرن منها ورواد السوشيال ميديا يهاجمون أنفسهم يريدون تصديق الرواية ليثبتوا أن السوشيال ميديا كاذبة، وروادها كاذبون منافقون يكتبون على عكس ما يعيشون، ولا أحد يريد تصديق الحقيقة أو على الأقل يسأل الأسئلة الصحيحة 
 
 
 
لم يسأل أحد عن الحقيقة لأنه لا أحد يهتم بالحقيقة، لم يسأل أحد نفسه: كيف لفتاة بلا خبرة فى القتل أن تقتل بالسهولة هذه وبطريقة غير معتادة وفقا لتاريخ القاتلات، لم يفكر أحد أن يدرس حالات الطلاق المبكر والعنف بين حديثى الزواج الذى أصبح فى تزايد مستمر، ولم يفكر أحد فى عرض الفتاة على طبيب نفسى ليعرف الدوافع الحقيقة لهذا الانقلاب فى المشاعر، ولم يدرس أحد الواقعة بكل تفاصيلها ليستطيع الكشف عن ملابساتها وآلياتها. 
 
لا تحسب هنا أنى أدافع عن الفتاة أو أحاول التماس العذر لها أو تبرير موقفها، فالقضية الآن أمام جهات التحقيق وعما قريب ستمثل أمام قضاء مصر العادل وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى القضية، لكنى فحسب أحاول رصد ردود أفعال الناس وطبيعة تلقيهم للوقائع والأحداث، وفى الحقيقة لم أجتهد كثيرا لأكتشف أن المجتمع يفضل الافتعال على الدقة يرحب بالاستعراض ويلفظ الصدق يغرم بالمخرج "محمد سامي" وينفى "شادى عبد السلام" يغنى مع محمد رمضان "نمبر وان" ويتجاهل المبهر "محمد فهيم" يفضل القصص التى يمصمص فيها شفاهه، وليس القصص التى يعمل فيها عقله. 
 
المجتمع هنا حكم بأمراضه التاريخية على الفتاة لأنه يفضل "الرواية المؤثرة" وللأسف فإن هذه العادة السلبية الخطيرة لم تكن وليدة اليوم، لكنها ضاربة فى عمق التاريخ ومتجذرة فى باطن الوجدان الجمعي، ولهذا اختلق صراعات تاريخية لا وجود لها وروجها بدرجة عصية على التشكيك، فما زالنا نتساءل عن قتل أم كلثوم لأسمهان، ومازلنا نردد خطبة طارق ابن زياد العصماء التى قال فيها "العدو أمامكم.. والبحر خلفكم" وحرقه لمراكبه برغم أن غالبية المؤرخين يؤكدون أنه لم يكن يعرف العربية من الأساس وأنه استعمل المراكب نفسها فى نقل التعزيزات من الجانب الآخر، ومازلنا نتداول قصة تلحين زكريا أحمد لأغنية "الأولة فى الغرام" حينما مات ابنه برغم أن ابن زكريا مات فى الخمسينات والأغنية لحنت فى الأربعينات، وهكذا نعيد إنتاج "الإثارة" على حساب الحقيقة، دون حتى أن نمنح أنفسنا فرصة للنظر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

هشام متولي

💯💯

أحسنت أخي الكريم تلك هي عادتنا للأسف

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة