أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

هذا ما ينبغى أن تكون عليه الدراما المصرية

الجمعة، 04 يونيو 2021 09:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أن بات لمفهوم الدراما دور محورى في حياتنا المعاصرة وسياقاتها الثقافية المجتمعية، حيث يعتبرها أغلب علماء علم الاجتماع المعرفي (ظاهرة من ظواهر التاريخ الأدبي، ووثيقة من وثائق التاريخ الإنساني)، حتى أصبح المؤرخون وكتاب الدراما، لا يرون فروقا تذكر بينهما الآن، ومن هنا فقد أصبح رمضان هو شهر الدراما بامتياز، حتى أنه يمكننا القول بأن هذا الشهر على قدر ما يحمله من زخم روحاني أصبح موسما سنويا لكتابة التاريخ الاجتماعي والثقافي والفني بشكل واضح في ظل تنامي دور الدراما، ومدى تأثيرها في الأجيال الحالية، والذي ينبع من أهميتها كمنتج إعلامي يعنى برصد الأحداث وتطوراتها وانعاكساتها على مجمل الحياة العربية العصرية، ومن ثم أصبحت الدراما كمعادل بصري وثيقة تاريخية ومستنداً بصرياً للتاريخ بتقلباته.
ومع تجسد الأحداث اليومية أصبحت الدراما تشكل النواة الأساسية للتاريخ الإنساني الحديث، حتى أصبح السرد التليفزيونى هو البديل المثالي لتسجيل حركة التاريخ القادمة من رحم تلك الأحداث، جراء تطور صناعة الفعل الدرامي وانعاكساته الواضحة على الحياة العربية في ظل الثورات المشوبة بالتمرد والعصيان بفعل توفر حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي التي حولت حياة الإنسان من حياة افتراضية إلى حياة فعلية بفضل التكنولوجيا الحديثة، ومن ثم يطرح هذا السؤال نفسه على الفور: هل الدراما الحالية فعلا قادرة رسم المستقبل المنشود؟
 
إلى وقت قريب كان الواقع العملي يقول عكس ذلك تماما، قياسا بما عشناه من خلال مسلسلات رمضان في المواسم الثلاثة الماضية، والتي حملت في طياتها قدرا كبيرا من السلبية عن المواسم التي سبقتها على مستوى الموضوعات التي غرقت في براثن العنف والغضب والغيبيات والتهويمات التي تخلط الدم بالصوفية في سياق مخل، ناهيك عن مسلسلات رسخت لقتل الآباء وانتهاك الأمهات وسرقة المليارات، والذهاب بالخيال الواهي إلى داخل قصور فخمة، ومقاعد وثيرة ومخادع مخملية تخاصم أبسط قضايا البسطاء والمعذبين في الأرض، وعلى جناح العشوائيات وأوكار المخدرات جاءت أعمال أخرى في تكرار ممل يخاصم جماليات الفن ويصيب الناس بالأذى.
 
لكن موسم رمضان 2021 فتح بوابة الأمل على مصراعيها فى غد أكثر إشراقا للدراما المصرية، بعد حظي بعدد لا بأس به من أعمال يمكن أن تحقق المعادلة الصعبة في صناعة دراما عصرية جاذبة ومؤثرة يمكن أن يتفاعل معها الشباب مثل الأعمال العشرة التي تم عرضا، والتي أكدت بما لا يدع مجالا للشك بأنه ينبغي أن تكون الدراما على هذا النحو الإيجابي، وهى: مسلسلات (الاختيار 2، هجمة مرتدة، القاهرة كابول، لعبة نيوتن، ضل راجل، نجيب زاهي زركش، ولاد ناس، خلى بالك من زيزي، المداح)، والإجابة هنا تتمثل في تطور شكل الدراما المصرية عبر صناعة مسلسلات ترصد البطولات العسكرية للجيش والشرطة وسير الشهداء، بحيث ترقى إلى مستوى هوليوود في تمجيد بطلها الخارق، والتي لا تستطيع أن تتوقف عن إنتاجه بأشكال مختلفة وإن بدت هذه الأشكال متشابهة ولا يمكنها أن تعيد النظر جذريا بالصورة الخيالية التي صنعتها عنه، فهو المنقذ من الخراب الذي أصابها على الشاشة الكبيرة.
 
وها هى الدراما المصرية تعيد صوغ أبطالها مجددا بحيث تعيد النبض إلى أجسادهم والروح إلى ذواتهم، كما جاء في مسلسل (الاختيار 2) الذي يعيد تصوير أمجادهم وبطولاتهم الأسطورية، فالفرد يثأر للجماعة، الفرد الموغل في إنسانيته وهدوئه ومثاليته وبساطته ومحبته للآخرين، الفرد رب العائلة الذي يعشق زوجته، ويحب أولاده ولا يتردد لحظة عن إنقاذ الآخرين من الموت، مضحيا بنفسه وروحه، لقد غدا (الاختيار) دراما فائقة الجودة على مستوى الصناعة والأداء والإخراج والتصوير والموسيقى التصويرية والمونتاج وغيرها من عناصر فنية أخرى، وذلك من خلال المشاهد الحية وفق رؤية المؤلف (هاني سرحان) ودمجها بالمشاهد الجديدة بحسب رؤية المخرج (بيتر ميمي).
 
باختصار: استطاع مسلسل (الاختيار 2) أن يعيد علينا مشاهد تعكس ظلامية فكر الإخوان ونهجهم في العنف والإرهاب بعد أن كادت تسقط من الذاكرة، وهو ما انعكس كليا فى الكثير من المقاهى الشعبية، والذى شهدت اهتماما شديدا بالحلقة الخامسة تحديدا، وحتى بعد عرضها، كان الحديث السائد هو تفاصيل الحلقة والعودة لذكرى فض رابعة والنهضة، وحظيت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لعدة مقاهى تكتظ بالمواطنين يجلسون فى اهتمام أمام الشاشات في كافة أحياء ومناطق مصر في ريفها وحضرها، ما يشير إلى أن الفن الراقي المحترم يظهر لنا كل الصعاب التي يواجهها الوطن ضد التيارات المنحرفة التي تريد هدمه.
 
وفي إطار ذات التأكيد على الهوية والبطولة جاء مسلسل (هجمة مرتدة) ليكشف عن بطولات أسطورية خفية لرجال المخابرات المصرية في الكشف عن جوانب المؤامرة الكبرى على مصر من خلال أجهزة استخبارات دولية، ودكاكين حقوق الإنسان التي استقطبت خونة الأوطان من الداخل، ودربتهم على ما يسمى بالتغير السلمي في إطار خطة إسقاط الدولة المصرية من ناحية، وتنفيذ مخطط التقسيم الذي هندسة البريطاني الصهيوني (برنارد لويس)، وفي القلب منه تقسيم مصر إلى ثلاثة دويلات على أساس عرقي وديني.
 
ويأتي هذا في تواز تام مع مسلسل (القاهرة - كابول) كسردية جدلية للكاتب المبدع (عبد الرحيم كمال)، ليكشف فيه عن جذور الإرهاب وأساس التكوين النفسي والاجتماعي الذي تربى عليه الأصدقاء الأربعة (رمزي، طارق، عادل، خالد) فضلا خلط مقصوي بين البعد الاجتماعي والأحداث المفزعة في أفغانستان ما كان له الدور المؤثر والقوي في  صورة رسائل وأفكار وفلسفات لـ (عم حسن)، الذي جسده ببراعة الفنان القدير (نبيل الحلفاوى بقدرة فائقة على كيفية توصيل رسائل للشباب عن قيمة مصر واللغة العربية والهوية الوطنية وحماية المولى عز وجل لهذا البلد الآمن على مر التاريخ والعصور المختلفة.
 
وعلى درب جودة الدراما الاجتماعية التي ركزت على هموم المواطن وقضاياه الملحة والمصيرية أيضا جاءت المسلسلات السبعة الباقية بغلاف وظلال اجتماعية لعبت على أوتار المشاعر الإنسانية في ثوب تراجيدي فائق الجودة على مستوى الشكل والمضمون والأداء، فها هو (تامر محسن) في (لعبة نيوتن) يقتحم مشكلة معقدة (أطفال الجنسية الأمريكية) ويحلق بنا عاليا في أجواء مشحونة بالتوتر والقلق ليعرج على قضية صحة عدة الطلاق والزواج الثاني، وبحكم خبرته تمكن من الإمساك بخيوط اللعبة الدرامية ليضع ممثلية في قوالب تجلب الإثارة وشغف المتابعة.
 
ومثل (لعبة نيوتن) يأتي (ضل راجل) على فراش تراجيدي غارق في المبالغة المحببة ليثير قضية تمس حياتنا جميعا (الحمل سفاحا)، ليعري أنفسنا أمام أبناءنا الذين نتركهم نهبا للتكنولوجيا الحديثة فيرتكبون جرائم تسيء لهم ولأهاليهم في غيبة من وعينا، وبالمناسبة في هذا المسلسل قدم ياسر جلال أروع أدواره في التباين ما بين الثورة والهدوء الحذر، كما قدم درسا عمليا في حنو الأب على أبنائهم مهما ألحقوا الأذى بأنفسهم وذويهم.
 
وعلى مستوى الكوميديا الخفيفة في تماس مع التراجيديا جاء مسلسل (نجيب زاهي زركش) ليعد لنا روح الدعابة على الطريقة الفخرانية، فقد اختار الفنان الكبير والقدير يحيى الفخراني أن يكون بسمتنا في أجواء الاكتئاب الوبائية الكورونية، وقد كان ما أراد، واستطاع من خلال شخصية (نجيب زاهي زركش) الغريب الاسم والسلوك والتصرفات والبعيد عن واقعنا والمختلف عن ملامحنا، أن يجبرنا على الضحك بل والقهقهة في زمن الأوجاع المتراكمة والأحزان المؤلمة، وأن يتغلغل فينا ويصبح موعدنا اليومي معه من أهم المواعيد التي ننتظرها بشغف لتتبع أحداث مشوقة للغاية.
 
أما (خلي بالك من زيزي) فقد نكأ جرحا غائرا في نفوسنا، وكشف في أن  نستوعب ما الذي ورثناه عن أهلنا وأهل أهلنا، ولا ندري حدود وطبيعة ما تركه فينا الأهل والأقربون والجيران ولماذا عندما تكون تصرفاتنا عدوانية أو غريبة، لا نفسرها بشكل غير علمي، ودائماً عدوانيتنا وخيباتنا ومحطات فشلنا نتبرأ منها ونلقي بالمسؤولية على أهلنا أو المحيطين بِنَا، وهم يردونها إلينا غير نادمين، لا يفهموننا ولا نفهمهم.
 
وفي ثوب درامي حمل كل جوانب التراجيديا على مستوى الفرد والمجتمع يأتي مسلسل (ولاد ناس) كاشفا وفاضحا لكل عوراتنا في طريقة التعامل مع الأبناء وقضية الجشع عند المدراس الخاصة، وتراجع دور وزارة التربية والتعاليم في مراقبة هذه المدارس التي تحولت إلى غول لا يتوقف عن نهش مدخراتنا، وأجمل ما في هذا المسلسل المواجهة الحاسمة في نهاية الحلقة الأخيرة بين أولياء الأمور وإدارة المدرسة على أثر حادث أتوبيس الذي نكأ الجراح وكشف غياب مؤسسات التربية في البيت والمدرسة والمؤسسة التعليمة.
و في لوحة الأعمال الرائعة في رمضان 2021 مسلسل (المداح) الذي قدم لنا نفحات روحانية حلقت بنا في سماء الله الواسعة بشفافية ورقي نفتقده في أعمالنا، وعلى الرغم من ازدحام الماراثون الرمضاني بأسماء كبيرة في عالم الدراما، إلا أن هذا المسلسل خالف التوقعات وجذب شريحة واسعة من الجمهور لمتابعته، بفضل أداء (حمادة هلال) لشخصية (صابر المداح)، ومن ضمن أسباب نجاح هذا العمل، وفق آراء عدد من النقاد، هى قصة العمل التي تضمنت العديد من الأحداث والقضايا بشكل مثير ومشوق، ، فضلا عن كونه كان بمثابة جرعة من المضادات الحيوية الروحانية التي استطاعت أن تهزم بعض  أعمال العنف والبلطجة والتخاريف والخزعبلات التي سادت كثير من أعمال رمضان هذا العام.
 
خلاصة القول: إننا يمكن أن نضع مثل تلك الأعمال كنموذج مثالي نستطيع البناء عليه أمام شركات الإنتاج في المرحلة القادمة، مؤكدين أن هذا ما ينبغي أن تكون عليه الدراما المصرية كي تساهم في بناء المجتمع من ناحية، ومن ناحية أخري يمكنها استعادة القوى الناعمة المصرية التي تم استردادها في رمضان 2021، بموسم كان الأقوى من نوعه خلال السنوات العشر الأخيرة، بفضل الأعمال التي ركزت على التأكيد على الهوية الوطنية ولفت أنظار الشباب إلى سير الأبطال الحقيقيين من أبناء الشرطة والجيش والمخابرات، الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل هذا الوطن، فضلا عن تشكيلة اجتماعية كاشفة لقضايا المجتمع بطريقة احترافية على مستوى القصة والحوار والأداء البطولى الرائع الذى أسر المشاهدين طوال 30 ليلة من ليالى رمضان على جناح الإثارة والتشويق، وظنى أن الدراما بهذا الشكل تكون فعلا قادرة رسم المستقبل المنشود.
 
 
 
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة