نجحت المبادرات الرئاسية المتتالية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتحسين جودة الحياة وبناء الإنسان في إحداث تغييرات كبيرة في الواقع المصري، وساهمت تلك المبادرات في توطين مفهوم العدالة الاجتماعية وحولته من “شعار مطلبي” إلى واقع معاش تمثل في مبادرات “تكافل وكرامة” ، “حياة كريمة” و”100 مليون صحة” وإنهاء قوائم الجراحات الحرجة في المستشفيات والاقتراب الرئاسي من المواطنين في الجولات الميدانية واستجابة الرئيس لطلباتهم المباشرة.
دراسة اعدها المركز المصري للفكر والدراسات كشف انه يمكن اعتبار الاهتمام الرئاسي بقضية العدالة الاجتماعية إشارات إلى “شكل الجمهورية الجديدة” وانطلاقها من نقطة تحويل الدولة لمنظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في العهد الدولي الصادر عام 1966 إلى برامج تصل بتلك الحقوق إلى كل المواطنين دون تمييز.

وتابعت الدراسة يعد ذلك الفكر أيضا في مجموعة من التشريعات الصادرة عن مجلس النواب والتي تحقق مفهوم العدالة الاجتماعية ، كان من بينها قانون رقم 104 لسنة 2015 الخاص بتحقيق العدالة الضريبية، وقانون رقم 242 لسنة 2011 بشأن الحد الأقصى للدخول وربطه بالحد الأدنى، وقوانين 67 لسنة 2016 وصدور قانون الضريبة على القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، وقانون 60 الصادر في العام ذاته، والخاص بزيادة المعاشات وتعديل بعض أحكام قوانين التأمين الاجتماعي بالإضافة إلى قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018 والذي جاء في نصوصه أنه نظام إلزامي، يقوم على التكافل الاجتماعي وتغطي مظلته جميع المواطنين المشتركين به وتتحمل الدولة أعباءه عن غير القادرين بناء على قرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء بتحديد ضوابط الإعفاء .
رؤية مصر 2030
وتعكس “رؤية مصر ٢٠٣٠ “، وهي أجندة وطنية أُطلقت فبراير ٢٠١٦ ، الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة حيث أولت اهتماما خاصا بالعدالة الاجتماعية والارتقاء بجودة حياة المواطن وتحسين مستوى معيشته.
ونص الهدف الثاني من الرؤية على “العدالة والاندماج الاجتماعي” والمشاركة حيث أكد السعي إلى تحقيق المساواة “في الحقوق والفرص”، وتوفير الموارد في كل المناطق الجغرافية، في الريف والحضر على حد سواء، وتعزيز الشمول المالي، وتمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجاً، ودعم مشاركة كل الفئات في التنمية، وتعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية.
الأجور والمعاشات
انحاز السيسي بشكل فاعل للطبقة الوسطى وتحرك من أجل زيادة الحد الأدنى للأجور الذي ظل ثابتا منذ عام 1981 و تم تحديده وقتها ب 25 جنيها شهريا، بينما كانت أول زيادة بعد 27 عاما، ففي عام 2008 ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى 112 جنيها.
ثم كانت الزيادة الثانية للحد الأدنى للأجور بعد ذلك بعامين ليرتفع إلى 400 جنيه عام 2010، ووصل عقب أحداث يناير إلى 700 جنيه، ثم جاءت الزيادة الجديدة في الحد الأدنى للأجور يناير 2014 ليصبح 1200 جنيه شهريا ثم وصل إلى 2400 جنيه هذا العام 2021.
وانحاز السيسي أيضا لأصحاب المعاشات بعد حصولهم على حكم قضائي بصرف فروق العلاوات الخمس وقرر تنفيذ الحكم بصرف فروق علاوات المعاشات الخمس، وضاعف الحد الأدنى للمعاشات خلال 7 سنوات ليصل إلى 900 جنيه شهريا هذا العام بعد أن كان 450 جنيها عام 2014.
إسكان العشوائيات
عانت مصر لسنوات طويلة من غياب العدالة في توزيع الثروة واتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء وهو ما ألقى على الدولة عبء إعادة التوازن لتحقيق العدالة الاجتماعية وبالفعل أولى السيسي، عقب توليه السلطة، اهتماما خاصا بملف العشوائيات، الذي أهملته الحكومات السابقة على مدار 30 عاما.

وبدأ السيسي “خطة طموحة” لتطوير المناطق غير الآمنة والتي بدأت بمشروع نهضة المحروسة ، حي الأسمرات، تطوير منطقة ماسبيرو، وبشاير الخير ، حيث تم افتتاح مشروع بشاير الخير 1 في الاسكندرية في شهر ديسمبر عام 2016، والذى أقيم على مساحه 12.5 فدان لخدمة عشرة ألاف مواطن وهو عباره عن 17 عمارة سكنية ، من أحد مشروعات تطوير العشوائيات .
وبحسب بيانات صندوق تطوير العشوائيات فقد انتهى من تطوير 188 منطقة غير آمنة تضم 105328 وحدة، وجارٍ الانتهاء من تطوير 90 منطقة أخرى بها 90466 وحدة علاوة على الانتهاء من تطوير 52 منطقة غير مخططة وجارٍ تطوير 18 منطقة أخرى بها 284108 وحدات.
حياة كريمة
ويعد الضمان الاجتماعي، أحد الأركان الأساسية للعدالة الإجتماعية، ويشمل “الحق في الحصول على استحقاقات أو ضمانات” مادية وغير ذلك، وفلسفة ذلك هو محاولة ربط نسيج الشعب وتقليل الفجوات بينهم دون تمييز، كما يتضمن عدة أمور من أمثلة، تقديم مساعدات مالية إلى الأفراد الأكثر احتياجاً في المجتمع، وتقديم رعاية صحية جيدة لكل طبقات المجتمع، كفالة الأفراد الذين وُلدوا في طبقات فقيرة بتقديم لهم تعليم فعال وعمل لائق .
وأطلق السيسي عدة مبادرات لتطبيق مفاهيم الضمان الاجتماعي وبرامج الحماية الصحية المختلفة، وكانت البداية بمشروع تكافل وكرامة و هـو برنامـج للتحويـلات النقديــة المشروطـة تحـت مظـلة تطويــر شــبكات الأمـان الاجتماعي، ثم أطلق مبادرة حياة كريمة التي تتعاون فيها الدولة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والتي جاءت لتحقق ما جاء في نصوص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحق الإنسان في المسكن الملائم وحقه في الحصول على خدمات جيدة وتعامل ناجز مع “الفقر والبطالة”.
وبدأت قبل أيام المرحلة الثانية من المشروع الذي حصل على إشادات أممية سابقة تصل إلى 50 مركزا على مستوى الجمهورية بإجمالي 1381 وقد وفرت له الدولة حوالي 500 مليار جنيه لتطوير القرى بالمحافظات وكان مستهدفاً في البداية 232 قرية، إلا أن الرئيس وجه العمل في 50 مركزا بالمحافظات المختلفة على مستوى الجمهورية بإجمالي 1381 قرية وقرر أن يتابع بنفسه مراحل تنفيذها.
وتقوم المبادرة على دعم مشروعات التمكين الاقتصادي وتوفير فرص عمل وكذلك مشروعات متناهية الصغر في إطار تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية من الأسر الأولى بالرعاية وكذلك رعاية ذوي الإعاقة وتوفير بطاقات الخدمات المتكاملة لهم مع تكثيف برامج التوعية والتوسع في فصول محو الأمية واطلاق قوافل الاكتشاف المبكر للإعاقة بالنسبة للأطفال الأقل من سن 5 سنوات في مختلف القرى المستهدفة.
واستجاب السيسي لحكم القضاء المصري بضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي وبذلك انتصر لاصحاب المعاشات الذين تداولت قضيتهم لسنوات دون استجابة.
تطوير القرى الأكثر احتياجا
وفي يناير 2021 أطلق السيسي المرحلة الأولى لمشروع “حياة كريمة” لتحسين جودة الحياة في القرى المصرية والهادف إلى تطوير القرى الأكثر احتياجاً وتوفير الموارد في كافة المناطق الجغرافية في الريف والحضر على حد سواء.

وأعلنت الحكومة إنفاق نحو 5.8 تريليون جنيه منذ يوليو 2014 على البنية التحتية للقرى وأنها خصصت نصف تريليون جنيه لاعمال تطوير قرى الريف ضمن المشروع الذي يتم عبر تنسيق وتوحيد الجهود بين مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني و شركاء التنمية.
ويسعى المشروع إلى التدخل العاجل لتحسين جودة الحياة لمواطني الريف المصري والعمل على تحسين جودة الحياة في 4584 قرية وتشمل الطرق والنقل والصرف الصحي ومياة الشرب والكهرباء والانارة والغاز الطبيعي وتطوير الوحدات المحلية والشباب والرياضة والخدمات الصحية والتعليمية كما تتضمن حزمة متمكاملة من الخدمات التي تشمل جوانب مختلفة صحية واجتماعية ومعيشية وتشمل المرحلة الأولى من المشروع تنمية القرى الاكثر احتياجا بالاستهداف العاجل لتنمية أكثر من 1000 قرية فقيرة ويبلغ إجمالي المستفيدين 50 مليون مواطن.
تراجع معدلات الفقر
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع معدلات الفقر في مصر لـ29.7% خلال عام 2019 / 2020 مقارنةً بـ32.5% في بحث عام 2017 / 2018، وذلك بعد دخول مشروعات الحماية الاجتماعية التي أطلقها السيسي خلال السنوات الخمس الماضية حيز التنفيذ، والتي كان على رأسها برنامج تكافل وكرامة ودعم المرأة المعيلة، التي أدت إلى ارتفاع متوسط الدخل السنوي للأسرة من 60 ألف جنيه سنويا إلى أكثر من 69 ألف جنيه سنويا.
وقد ساهم الدعم التمويني للأسرة والذي يستفيد منه نحو 70 مليون مواطن في تراجع معدلات الفقر بشكل كبير والتي جاء من أهمها تسجيل متوسط الدعم التمويني للأسرة 1420 جنيها، كما كان لدعم البوتاجاز الأثر الأكبر في دعم الأسر المصرية في المناطق الريفية بدعم يقدر 1527 جنيها سنويا، للأسرة الواحدة و1944 جنيها لدعم الكهرباء.
ويعد “تكافل وكرامة” والذي يستفيد منه أكثر من 3 ملايين مواطن، ضمن أهم البرامج الحكومية التي أدت إلى انخفاض مستوى الفقر فى مصر، حيث كشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، أن غالبية المستفيدين من البرنامج يمثلون 40% من أفقر السكان، وهو ما يعكس نجاح جهود الدولة في استهداف الأسر الأولى بالرعاية منذ بدء تطبيق البرنامج.
وأكد التقرير أن ما ينفقه المصريون في شراء الطعام والذي وصل لـ31.1% من إجمالي دخلهم السنوي، يظهر تراجع معدلات الفقر لمستوى لم يحدث منذ 20 عاماً، وربط ذلك بزيادة الأجور، وإتاحة فرص عمل في السوق المصري .
برامج الحماية الصحية
وتعد مؤشرات التنمية البشرية من المؤشرات الأساسية التي تستخدم في قياس وضعية العدالة الاجتماعية وعلى رأسها مخرجات النظم الصحية هي المؤشرات الأهم (مثل معدلات وفيات الأمهات والحوامل، معدلات وفيات الرضع والأطفال ومعدلات سنوات العمر المعاشة) في مؤشرات التنمية البشرية إلى جانب مؤشرات إتاحة مياه الشرب وغيرها مما يجعل الصحة مقياسًا حيويًّا لضمان الحق في التنمية والعدالة الاجتماعية.
ومع ظهور مشروع التظامين الصحي الشامل بدأت الدولة في مد المظلة الصحية إلى كافة مواطنيها على حد سواء، وسبقها عده مبادرات أطلقها الرئيس السيسى مثل مبادرة 100 مليون صحة وعلاج فيروس “سي” مجانا وانهاء قوائم الانتظار فى المستشفيات ثم التعامل بجدية مع جائحة كورونا وفق الامكانيات المتاحة.
وفق هذه الرؤية يمكن أن نرصد تقدما كبيرا استجابت فيه الدولة المصرية لمطالبات الشعب بالعدالة الاجتماعية وبدأت تطبيقها وفق مفهومها الحديث الذي رسخته الأمم المتحدة وحددته المعايير الحقوقية الدولية لجودة الحياة للمواطن.
مواجهة فيروس كورونا
بدأت الاستعداد في مصر لجائحة فيروس كورونا المستجد بمجرد ظهورها في الصين، وخصصت الدولة ١٠٠مليار جنيه لجهود مواجهة تداعيات فيروس كورونا وتخفيف العبء عن المواطنين، ومع بدء الموجة الثانية وجَّه الرئيس السيسي بتعزيز حزمة المساندة المالية لمجابهة الآثار السلبية لهذا الوباء.
واستعدت الدولة مع بداية الجائحة بتجهيز المستشفيات أو الأدوية أو المستلزمات الطبية، وحولت 77 مستشفى صدر في جميع المحافظات الى مستشفيات عزل، وامتلكت مصر عددا كاف من أجهزة التنفس الصناعي”، ولجأت مصر مبكرا لاستخدام أدوية منع التجلط والعزل المنزلي واعتماد بروتوكلات علاج مع حملات إعلامية مكثفة تؤكد ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية وهو ما ساهم في الحد من انتشار الموجة الأولى وعبورها الموجة الأولى بعدد قليل من الإصابات.
وفي الموجة الثانية ديسمبر 2020 وحتى بداية يناير 2021، وبدأت الأعداد في الانخفاض منذ عدة أيام، ولجأت الدولة إلى تقليل الكثافة في الأماكن العامة والمؤسسات وأماكن العمل سواء كانت الحكومية أو الخاصة، ساعد بدرجة كبيرة في انخفاض أعداد المصابين مؤخرا دون اللجوء إلى الإغلاق الكامل حتى تحافظ على معدلات النمو الاقتصادى المستقرة واستكمال مسار تحسين الاحوال المعيشية.
ومع ظهور اللقاح حصلت مصر على كمية من المصل وبدأت في توفيره للأطقم الطبية في مستشفيات العزل والصدر وكبار السن والفئات الأولى كما تعاقدت على توفير المصل من عدة مصادر للحصول علي لقاحات فيروس كورونا المستجد، وتعاقدت على 20 مليون جرعة للمصل .
تحسين البيئة
ووضعت مصر الاهتمام بالبعد البيئي ضمن مسار العدالة الاجتماعية وتحسين الصحة العامة للمواطنين الذي حددته الحكومة وجاء فى مقدمتها تغطية الترع والمصارف داخل الكتل السكنية، والتخلص من النفايات الصحية الخطرة و تحسين نوعية المياه .
وضاعفت الحكومة عدد محطات رصد نوعية الهواء المحيط لـ104 محطات رصد على مستوى الجمهورية، فيما تستهدف الوصول إلى 120 محطة بحلول عام 2030، كما وصل عدد المنشآت الصناعية المرتبطة بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية إلى (68) منشأة و (291) نقطة رصد، وذلك بهدف خفض التلوث بالجسيمات الصلبة بنسبة 50%
كما تم إعادة تشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية برئاسة رئيس الوزراء وعضوية مجموعة من الوزراء المعنين ويختص المجلس بصياغة الاستراتيجيات وسياسات تغير المناخ في مصر، كما نجحت مصر في خفض مستويات الضوضاء بعد انشاء الشبكة القومية لرصد مستويات الضوضاء والتى تتكون حالياً من 35 محطة.
وفي مجال الطاقة النظيفة، نفذت مصر أكبر محطة طاقة شمسية في العالم “محطة بنبان” بأسوان، وهي واحدة من ضمن أفضل مشروعات العالم طبقا للبنك الدولى، وتعتبر واحده من عواصم العالم للطاقة الشمسية؛ لكونها تضم أكبر عدد من محطات توليد الكهرباء ويبلغ عددها 40 محطة.
كما تم تحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، لتكون أول مدينة مصرية وعربية وإفريقية وشرق أوسطية تحمل هذه الصفة وفق المعايير العالمية بالاضافة الى مدن العلمين والعاصمة الأدارية والمتحف الكبير وغيرها لتصبح نموذجا بيئيا كما تبنت الحكومة سياسات مالية داخلية محفزة وداعمة للمنشآت الصديقة للبيئة، وتغليظ العقوبات الموقعة ضد الانتهاكات والممارسات البيئية الخاطئة.
ووفق تلك الحقائق والمسارات نستطيع رصد الاهتمام الرئاسي بمسار تطور العدالة الاجتماعية في مصر ووجود رؤية وإرادة سياسية لتطبيق وادماج مفهوم العدالة الاجتماعية رغم التحديات الاقتصادية وأزمة كورونا العالمية وأن الدولة حشدت كل امكانياتها للاستجابة لمطالبات الشعب لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوات الطبقية بحسن إدارة الموارد والاهتمام بعدالة توزيعها على السكان بشكل يحفظ الاستقرار والأمن المجتمعي ويضمن استدامته .