"عشت مع والدى ووالدتى ما يقرب من 25 سنة، كانت من أجمل وأسعد الأيام التى مررت بها فى حياتى، حيث رزقنى الله بأطيب أب وأم فى الكون، ولكن فى الحقيقة، كنت ابنة لهما بـ(التبني)، لكننى لم أشعر ولو للحظة أنى ابنة لهما بالتبنى، ومرت الأيام والسنين حتى وفاة والدى، وقتها شعرت أنا وأمى بمرارة الأيام برحيله، وظللت أعيش معها لنكون سنداَ وعوناَ لبعضنا البعض، إلا أن من أول المشكلات التى واجهتنا هى رغبة مالك العقار فى طردنا من الشقة المؤجرة بعقد إيجار قديم، إلا أنه لم ينجح فى الحصول أو طردنا من الشقة.. بهذه الكلمات بدأت "فاطمة. ع" سرد مأساتها لـ"اليوم السابع" فى محاولة لإيجاد حلول قانونية.
وتابعت: "كانت الطامة الكبرى حينما توفيت أمى، فأصبح المجال لمالك العقار مفتوحاَ لطردى من الشقة باعتبار أنى لست من أهلية المستأجرين من الدرجة الأولى ولا الثانية ولست حتى حفيداَ، ولكننى ابنة لهما من التبنى وبالتالى لا يجوز لى امتداد عقد الإيجار ولست من الحالات التى ينطبق عليها امتداد العقد، إلا أن البعض نصحنى بأننى من حقى الاستفادة من مبدأ (المساكنة) و (الإقامة المستقرة الهادئة)، بينما قام مالك العقار بإقامة دعوى (طرد للغاصب) باعتبارى غاصبة للشقة، فما هو الحل القانونى هل من حقى الاستفادة من مبدأ المساكنة أم أنى غاصبة للشقة؟.
هل يجوز امتداد عقد الإيجار للابن بـ"التبنى"؟
وللإجابة على هذا السؤال – يقول الخبير القانونى والمحامى بالنقض سامى البوادى - طبقا لم استقر عليه القضاء وعلى رأسها أحكام محكمة النقض فإن عقد إيجار المسكن غالبا يتصف بطابع "عائلى"، إذ الأعم ألا ينشد فيه المنتفع بالعين مجرد السكن بمفرده بل ليعيش مع أفراد أسرته، ولمن يقع عليه عبء إعالتهم قانونياً أو أدبياً، وذلك لا ينفى نسبية الآثار المترتبة على عقود الإيجار من حيث الأشخاص بحيث لا يعتد ولا يلتزم بها غير عاقديها الأصليين، وتنص الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على أنه: "...لا ينتهى عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أى من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك".
وبحسب "البوادى" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - ويتبين من نص الفقرة الأولى من المادة 29 سالفة الذكر، أنه يشترط لامتداد الإيجار لصالح زوج وأقارب المستأجر إذا توفى أو ترك العين خلال فترة الامتداد القانونى للإيجار توافر الشروط الآتية:
1-وفاة المستأجر الأصلى أو تركه العين المؤجرة.
2-أن يكون المستفيد من الامتداد الزوج والأولاد والوالدان.
3-إقامة الزوج والأولاد والوالدين فى العين المؤجرة حتى الوفاة أو الترك.
والزوج يشمل الذكر والأنثى، فإذا كان الرجل هو مستأجر المسكن وترك المسكن أو توفى فإن زوجته تفيد من حكم الامتداد، وإذا كانت الزوجة هى المستأجرة وتركت المسكن أو توفيت أفاد الزوج من حكم الامتداد، والمقصود بالأولاد الذين يفيدون من الامتداد، الأبناء الحقيقيون، والأبناء الذين يثبت نسبهم للمستأجر الأصلى طبقاً للشريعة الإسلامية، أما الأبناء بالتبني، فلا يفيدون من الامتداد.
لم يرد فى القانون ما ينص على امتداد عقد الإيجار للابن بالتبنى
ووفقا لـ"البوادى" - لذا فيما يخص بقاء الابن بـ"التبني" فى العين المؤجرة أو الشقة بعد وفاة المستأجر الأصلى لم يرد فى قانون الإيجار ما ينص على أحقيته فى امتداد عقد الإيجار لصالحه ويعد إقامته اغتصاب للعين والإقامة فيها غير قانونية، لأن امتداد عقد إيجار المسكن لا يكون إلا للأقارب من الدرجة الأولى فقط، إذ ليس فى مجرد إقامة آخرين مع المستأجر فى المسكن ما ينشئ بذاته علاقة إيجارية بينهم وبين المؤجرين، ولو كانت إقامتهم مع المستأجر منذ بداية عقد الإيجار ولا تترتب فى ذمتهم التزامات قبل المؤجر خلال فترة الإقامة مع المستأجر الأصلى، ويبقى هذا الأخير هو الطرف الأصيل والوحيد فى التعامل مع المؤجر ولا يسوغ القول بأن المقيمين مع المستأجر يعتبرون مستأجرين أصليين أخذاً بأحكام النيابة الضمنية انحرافاً عن المبادئ العامة فى نسبية أثر العقد.
والسبب فى ذلك لأن هؤلاء ليسوا طبقاً للقانون أطرافاً فى عقد الإيجار ولا تربطهم بالمؤجر أية علاقة تعاقدية مباشرة أو غيـر مباشرة، سـواء كانت إقامتهم مـن بداية الإيجار أم بعده، وإنما تمتعهم بالإقامة فى العين كان قياماً من المستأجر بالتزامات وواجبات أدبية ذات طابع خاص قابلة للتغيير والتبديل متعلقة به هو شخصيا لا شأن لها بالمؤجر، وكيفية استعمال المستأجر لمنفعة السكن على أن المشرع رغبة منه فى حماية شاغلى الأماكن المؤجرة، ولحل أزمة الإسكان ارتأى استمرار عقد الإيجار وامتداده فى حالة وفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة لصالح زوجه وأولاده أو والديه المقيمين معه وقت الوفاة أو الترك أياَ كانت مدة إقامتهم وأياَ كانت بدايتها، بشرط أن تستمر حتى الوفاة أو الترك، والمقصود بالإقامة مع المستأجر فى مسكنه، الإقامة المستقرة فى العين المؤجرة ولا يحول دون توافرها انقطاع الشخص عن الإقامة بها بسبب عارض طالما لم يكشف عن أنه أنهى هذه الإقامة بإرادته.
الفرق بين الإيواء والاستضافة
من ناحية أخرى، فقد يقوم المستأجر بإيواء أو استضافة أشخاص ما، وهناك أيضا ما يعرف بالمساكنة والتفرقة بينهم أمر مهم جدا فى تفصيل وتأصيل هذه المسألة، ووفق ما جاء فى أحكام محكمة النقض المقصود بمن الإيواء أو الاستضافة أن يستنزل المستأجر ضيوفا تربطه بهم قرابة أو صداقة متينة لمدة قصيرة أو طويلة، وذلك بصفة عارضة واستجابة لظروف طارئة شريطة أن يظل المستأجر محافظا بالعين المؤجرة دون أن يتخلى عنها فالإيواء أو الاستضافة هو أن يقوم المستأجر بإيواء غيره معه فى العين المؤجرة أو أن يقوم باستضافته معه، واقامته مع المستأجر الأصلى على سبيل التأقيت، فهذا الإيواء أو الاستضافة لا يعطى لهذا الغير المقيم مع المستأجر أية حقوق يستطيع أن يطالب بها على العين المؤجرة حيث أن إقامة الغير مع المستأجر الأصلى تكون على سبيل التسامح من المستأجر وحق بقاء هذا الغير هنا هو حق المستأجر فى استضافة من يرغبه لاعتبارات خاصة فى مشاركته فى الانتفاع بالعين – الكلام لـ"البوادى".
ولكن إذا ترك المستأجر الأصلى العين المؤجرة للغير ممن كانوا يقيمون معه على سبيل الاستضافة أو الإيواء بشكل يوحى باستغناء المستأجر الأصلى عن العين، فيعتبر هذا نوع من التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن، مما يعطى الحق للمؤجر طلب إخلاء العين المؤجرة، فمن يقيم مع المستأجر الأصلى على سبيل الضيافة أو التسامح لا يعد مستأجرا، ولا يحق له التذرع بأنه مستأجر لكن اسمه لم يدون بعقد الإيجار، فمن حرر عقد الإيجار باسمة كمستأجر هو من يعد وحدة المنتفع بالعين، وإذا انتهت العلاقة الإيجارية، فإن وجود المستضاف أو من كان يؤيه المستأجر الأصلى بالعين على سبيل التسامح لا يستند إلى أى أساس قانوني، ويجب إخلائه منها.
الحالة الوحيدة التى يجوز فيها امتداد عقد الإيجار للابن بالتبنى
أما المقصود بالمساكنة فهى حق المقيم والمساكن مع المستأجر الأصلى وقت التعاقد على الإجارة والاستمرار بالعين المؤجرة بعد وفاة المستأجر الأصلى أو تركه للعين، ويشترط لثبوت المساكنة عدة شروط وهذه الشروط هى أن تحصل المساكنة منذ بدء الإجارة بين المستأجر الأصلى والمؤجر، وأن يستمر الشخص المساكن فى العين منذ بدء الإجارة وحتى وفاة المستأجر الأصلى أو تركه العين المؤجرة بدون انقطاع، وهذه الحالة تعطى الابن بالتبنى وغيره حق امتداد عقد الإيجار.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقت سبق لمحكمة النقض التصدى لإشكالية "المساكنة" – حيث قالت محكمة النقض إن المساكنة التى تنشأ للمنتفعين بالعين المؤجرة حق فى البقاء بها بعد وفاة المستأجر أو تركه لها، يجب حصولها منذ بدء الاجارة واستمرارها دون انقطاع مما سبق يتبين لنا أن المساكنة تعد سببا من أسباب امتداد عقد الإيجار إذا توافرت شروطها، ولكن الإيواء أو الاستضافة لا يترتب عليها أحقية فى امتداد عقد الإيجار أو البقاء بالعين المؤجرة.
وبحسب "المحكمة" - على أنه من المستقر عليه أن وجود سند قانونى للمدعى عليه فى شغل عين التداعي، كاف لرفض دعوى الطرد للغصب ولمحكمة الموضوع مطلق السلطة فى التحقق من توافر شروط الإقامة من عدمه، دون معقب عليها من محكمة النقض متى أقامت محكمة الموضوع قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحمله فان كان يكفى المالك المُدعى إثباتاً لواقعة الغصب التى يُقيم عليها دعواه أن يُقيم الدليل على وجود المُدعى عليه وهو هنا الابن بالتبنى فى العين محل النزاع المملوكة له، لينتقل بذلك عبء إثبات العكس على عاتق المُدعى عليه بوصفه مُدعين خلاف الأصل، وليثبت أن وجوده بالعين يستند إلى سبب قانونى يبرر ذلك وله فى اثبات ذلك كافة طرق الاثبات المؤخوذ بها قانونا سواء بشهادة الشهود أو بنتداب الخبراء أو الاوراق والمستندات التى تبرز ذلك.
فإذا كان الشخص المقيم مع المستأجر قبل الوفاة أو الترك لا تربطه به درجة القرابة المنصوص عليها فى المادة 29 سالفة الذكر، فإنه لا يفيد من حكم هذا النص، ولو كان وارثاً للمستأجر ما لم يثبت أن مركزه القانونى استقر بالتقادم الطويل أى بمضى 15 عاماً على وضعه الحالي، ويقصد بالإقامة التى تبيح وتتيح للمستفيد من تصحيح وضعه ومركزه القانونى للتمتع بهذه الميزة، أن تكون – كما عرفتها محكمة النقض: "الإقامة المُستقرة المعتادة وانصراف نية المقيم إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه بحيث لا يعول على مأوى دائم وثابت سواه، فتخرج الإقامة العارضة والعابرة والموقوتة مهما استطالت وأياً كان مبعثها ودواعيها.. وكان الفصل فى كون الإقامة مستقرة أم لا مطلق سلطة قاضى الموضوع دون معقب عليه متى أقام قضاءه على أسباب سائغة".
المدعى عليها غاصبة لعين التداعى ولابد من تسليم العين
ووفقا لـ"المحكمة" – ليس من القانون أن يتسلط أغيار فى العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر انتهازاَ وإضراراَ بحقوق مؤجرها، متدثرين فى ذلك بعباءة القانون ولأنها – فوق هذا – لا تقع على ملكية الشئ المؤجر، بل تنصب على منفعة يديرها، مقصودة فى ذاتها، ومعلومة من خلال تعيينها، ولا ترتب للمستأجر بالتالى غير مجرد الحقوق الشخصية يباشرها قبل المدين، ولا ينال من ذلك ما تدعيه المعلن إليها من أحقيتها فى العين كونها كريمة المستأجرة الأصلية بالتبنى ومن حيث أن القانون لم يعتد بذلك الصفة فيمن يحق لهم الامتداد القانونى لعقود الإيجار وهو الأمر الذى تكون معه يد المدعى عليها يد غاصبة لا يبررها سند قانونى.
وبالبناء على ما تقدم وهدياَ به ولما كانت المحكمة قد انتهت إلى أن المدعى عليها غاصب لعين التداعى مما يترتب عليه أنه يجب عليها أن تسلم العين محل التداعى إلى الطالب كأثر من آثار الطرد وهو الأمر الذى تكون معه دعوى الطالب فى هذا الشق من الطلبات قد جاءت على سند صحيح من الواقع والقانون حيث أن إثبات أو نفى وقوع الغصب هو من مسائل الواقع التى تستقل محكمة الموضوع بتقديرها وأن الأصل خلوص المكان لمالكه فيكفى المدعى إثباتاَ لواقعة الغصب التى يقيم عليها دعواه أن يقيم الدليل على وجود الغير فى العين محل النزاع المملوكة له لينتقل بذلك عبء إثبات العكس على عاتق المغتصب بوصفه مدعياَ خلاف الأصل ليثبت أن وجوده بالعين يستند إلى سبب قانونى يبرر ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة