زكى القاضى

لسانك عنوانك

الأحد، 09 مايو 2021 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أصعب شيء أن تفكر بداخلك ولا يفسر لسانك ما يجول في عقلك، فلن يفهمك غيرك دون أن تتحدث فتشرح بلسانك ما تفكر فيه، ولو كتب الله عليك طابع الكتمان، فأنت ونفسك في عذاب متواصل، فلا تهتدى للطريق فتتحدث، ولا تصمت نفسك فتمر معها إلى حدث تلو الآخر، بل تقف في محطة بين القول و الصمت، بين الحديث بلسانك، وأضعف الإيمان الاستماع للأخرين، حتى أنك تنظر لعيون من حولك حتى تقتنص اللحظة التي قد تظنها مناسبة فتبدأ الكلام، وبعد مرور دقائق تسحبك نفسك لنفسك، فتصمت، وتستمر في الصمت، ولا تنتظر من الآخر أن يستفز صمتك، فهو يعلم يقينا أن صمتك هو الصفة التي يعرفها، فيلتزم هو أيضا الصمت أمامك.

 

وتستمر التروس تمر بك في الحياة، فلا تعلم متى وأين ستتحدث، حتى وإن كان في خاطرك آلاف القصص والحكايات والقيم والمواقف والعلم الذى من المفترض أن ينتقل لغيرك، لكنك تستمر في التداعى بالصمت، حتى تمر عليك الأيام، وتفاجئ حينها أن الحديث الذى كان ملزما يجب أن تقوله في وقته، قد فات آوانه، فلا تتردد، ولا تصمت، ولا تقف، واستمر في الحديث، فمن الحديث ستتعلم أدب الحديث وستعلم ما قد يقال وما يصمت عنه.    

                                                                                                                                                                                        

ومن أخطر الأمور وأشدها، هو الانسحاب للنفس بشكل يجعلك مع الوقت لنفسك فقط، وفى ذلك أتذكر جنازة أحد المعارف حينما عرفت أن من حضرها عدد  لا يتجاوز أصابع اليد، فقلت ماذا فعل في حياته حتى يصل لتلك الدرجة من الوحدة، فتلك الأمور التي تدور حول غيرك، فتنظر إليه ولا تلقى لتلك الدوائر بال، فتقف لتتدبر وفق ما تراه دون أن ترى ماهو الواقع، وهو الواقع الذى يحمل في طياته جوانب الحقيقة، حتى تلك النهاية التي تظن أنك وصلت فيها للحقيقة، سيتكشف لك بعد سنوات أنك رأيت فقط ما هو أنت مهيأ له، لا ما هو حقيقة كاملة، وتظل تلك العلاقة اللانهائية بين نظرتنا للواقع والحقيقة دون مدى أو حد أقصى، حتى أن التفاصيل تذوب كلها ولا يتبقى لك سوى تلك الدوائر التي صنعتها لنفسك أو فرضتها عليك الظروف.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة