فى كل عام تحتفل البيوت المصرية بعيد الربيع أو شم النسيم، ورغم حالة الفرحة والابتهاج لكن دائمًا ما يعكر صفو الاحتفال حالات التسمم جراء تناول الأسماك المملحة كالفسيخ والرنجة..
وفى عرف كثير من المصريين لا تكتمل فرحة شم النسيم دون تناول هذا النوع من الأسماك القاتلة فى بعض الأحيان مثلما تحذر وزارة الصحة المصرية دائما.
بداية تلك العادة كانت بالطبع عند الفراعنة وظهرت فى العديد من البرديات، وبحسب مراجع تاريخية فإن المصريين احتفلوا بتناول الأسماك المملحة طوال تاريخهم، وكانوا يقومون بتجفيفها فى الشمس ووضع ملح عليها عن طريق فتحها مثل "الكتاب" ورش الملح بداخلها.
ويمكننا أن نرى "الفسيخ" كعادة متأصلة فى التاريخ المصرى، حيث يذكر المؤرخ المصرى أحمد أمين الطباخ، فى موسوعته "قاموس العادات والتقاليد والتعبير المصرية" المكتوب فى عام 1953،: "كثيرا ما تجد الفلاح يسير فى الطريق بيده اليسرى فسيخة وبيده اليمنى رغيف، يأكل من هذا قطعة ومن ذلك قطعة، وتحبه النساء كثيرا، ونساء المدن يصلحنه بوضع زيت وخل أو زيت وليمون عليه، وهو يشحن إلى القاهرة فى المراكب".
ويستكمل حديثه فيقول: "ومن الفسيخ نوع يوضع فى مش، ويخزن فى بلاص مدة طويلة، وقد اشتهرت به أسيوط وما حولها، ولكن يسمونه الملوحة لا الفسيخ، وهو مؤذ فى الصيف على وجه الخصوص، لأنه يحوج أكله إلى شرب الماء الكثير".
ويوضح أن سبب احتفال المصريين بهذا العيد بأكل الفسيخ والبصل لاعتقادهم بأنه خير من الله يقيهم شر رياح الخماسين، وهى التى يصفها فى كتابه بـ"أيام خمسون بعد شم النسيم تهب فيها ريح شديدة من الجنوب، تكون سموما حارة، تصطبغ فيها السماء بالحمرة، وقد تمتد حتى يتعذر على الإنسان التنفس، ويشاع بين المصريين أنها أبادت قوافل برمتها فى الصحراء، لذا عرف هذا العيد بـ"شم النسيم" أى استنشاق الهواء النظيف قبل رياح الخماسين".
ويأتي شم النسيم هذا العام بالتزامن مع شهر رمضان ، وعادة ما يحرص المصريون على تناول الرنجة والفسيخ في هذا اليوم.
وهذه هي المرة الأولى منذ 30 عاما التي يتم الاحتفال بشم النسيم بالتزامن مع شهر رمضان، وهي احتفالات احتفظ فيها المصريون ببعض الطقوس الشهيرة منها أكل الفسيخ والرنجة وتلوين البيض، وهي أكلات تزداد صعوبتها من شهر الصيام.
وتزداد المخاوف من تناول الفسيخ والرنجة بما يزيد العطش بشكل كبير، وهو ما قد يدفع عدد كبير للتخلي عن هذه العادة المحببة لعدم الشعور بالتعب خلال فترة الصيام أيضًا.