قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: هناك تياران متناقضان تكالبا على شعوب العالم عامة، وعلى شعوب العالم الإسلامي بوجه خاص، كل منهما يريد أن يجتذب العالم نحوه، ويصهره في بوتقته.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها عبر تطبيق "زووم" في المؤتمر العلمي التطبيقي الدولي للجامعة المصرية للثقافة الإسلامية نور مبارك الذي عقد اليوم في مدينة ألماتي بكازاخستان؛ احتفالًا بالذكرى العشرين لتأسيس الجامعة.
وأوضح المفتي في كلمته أن أول هذه التيارات هو التيار المادي الذي ينظر إلى الإنسان بوصفه عنصرًا ماديًّا من عناصر الكون، لا روح فيه ولا رسالة له ولا غاية من وراء وجوده، بخلاف النشاط الحسي المادي الذي يتشارك فيه مع سائر الحيوانات.
وأما التيار الآخر فأشار إلى أنه التيار المتطرف الذي نشر كثيرًا من المفاهيم المغلوطة المدمرة، وشوه كثيرًا من المفاهيم والقيم الصحيحة المستقرة في حياة الناس، تلك المفاهيم الراقية التي تسهم في نشر مبادئ التعايش السلمي بين جميع الناس على اختلاف أديانهم وألسنتهم.
وأضاف مفتي الجمهورية أن من أهم المفاهيم التي عمد هؤلاء المتشددون إلى تشويهها مفهوم الوطن والوطنية، حيث زعمت تلك التيارات الإرهابية المتشددة أن التمسك بفكرة الولاء للوطن يتعارض تمامًا مع فكرة الانتماء والولاء للإسلام، فأخرجوا بنشر تلك المفاهيم المغلوطة في العديد من الدول أفرادًا كانوا معول هدم لأوطانهم، عوضًا عن أن يكونوا عوامل بناء وتشييد وحضارة وتنمية وعمران.
وتابع : "هكذا نرى أننا بحاجة ماسة للحفاظ على الوحدة الروحية الوطنية بمواجهة هذا العدد الهائل من تيارات الفكر المادي والفكر الإرهابي المتشدد اللذين يعملان معًا على تقويض دعائم الحياة الروحية والوطنية في العالم أجمع".
وأكد المفتي أن التعليم الديني الصحيح المشيد على أسس راسخة من دعائم المنهج الوسطي، هو أكبر ضمانة لنشر القيم الروحية الإحسانية التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث المتفق عليه : "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك".
وأشار إلى أن علماء المسلمين عبر القرون قد اعتنوا بإحياء الجانب الروحي في الإنسان، ورسموا له معالم السير إلى الله تعالى، على أسس من الأخلاق الراقية التي تهتدي إليها القلوب الضارعة المتعلقة بالله تعالى في كل لمحة ونفس. وقد انعكست معالم هذا المنهج الروحي القويم على كل أنشطة المسلمين عبر القرون، فأنتجت جمالًا وفنونًا وحضارة انتشلت حضارات العالم السالفة وشعوبها من تيه الصراعات المادية وسعت به سعيًا حثيثًا نحو الحياة الروحية الكريمة.
وأضاف أن التعليم الديني الصحيح قد عزز أيضًا من قيم الوطنية، وغرس في نفوس الناس أن حب الأوطان من صميم الإيمان، وأن الحنين إلى الأوطان من سنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، الذي كان يحب وطنه مكة ويشتاق إليها ويناجيها قبيل هجرته الشريفة منها بقوله الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن عدي عنه صلى الله عليه وسلم: (والله يا مكة إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى نفسي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت)، وهكذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم مثال للانتماء الوطني وحب الأوطان.
وقال مفتي الجمهورية: "إن قضية التكامل والترابط بين المنهج الروحي والانتماء الوطني، من أهم القضايا التي يجب أن تكون على رأس أولويات مؤسساتنا الدينية والتعليمية، وأن تحظى بقدر كبير من الاهتمام والتعاون بيننا جميعًا، فتحقيق هذا التكامل لا شك من أهم الأسباب التي تقي شعوب العالم من شر التطرف والمادية والإرهاب، وبهذا المنهج التعليمي القويم الموروث الجامع بين القيم الروحية والوطنية، لم يكن بين المسلمين إرهابي واحد ينشر الرعب أو يهدد سلامة الشعوب والأوطان، وبهذا المنهج السمح انتشرت قيم الإسلام الروحية في ربوع المعمورة، كما انتشر الإسلام بأخلاق وقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقال فيما رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)".
ولفت النظر إلى أن هذا المنهج الإسلامي السمح قد أصبح متوارثًا جيلًا بعد جيل، ينشر به علماء الأمة قيم الحق والعدل والرحمة والجمال والإحسان بين الناس، وحملته مؤسساتنا الدينية والتعليمية العريقة مثل الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، كما حملت هذه المنهج أيضًا الجامعة المصرية الثقافية (نور مبارك) التي عملت طوال هذه السنوات عن طريق نخبة فريدة من العلماء والباحثين، على محاربة الأفكار المادية ومحاربة الأفكار الإرهابية المتطرفة، فحققت لدولة كازاخستان الشقيقة العديد من الإنجازات العلمية والثقافية والروحية التي هي محل فخر واعتزاز من شعب كازاخستان خاصة، ومن شعوب العالم الإسلامي بوجه عام.
واختتم المفتي كلمته بتوجيه الشكر إلى شعب كازاخستان الشقيق وإلى القائمين على جامعة نور مبارك وإلى المنظمين لهذا المؤتمر الدولي الهام، وإلى المشاركين فيه، داعيًا الله تعالى العلي القدير أن يوفقهم إلى إثراء محاور هذا المؤتمر بالعديد من الأفكار والأبحاث القيمة، التي تشتد حاجتنا جميعًا إلى الاطلاع عليها والاستفادة منها، من أجل نفع الشعب الكازاخي وشعوب العالم أجمع، الذي يتوق إلى الحب والسلام وإلى التعايش السلمي من أجل تحقيق الخير والرخاء والتنمية، ومن أجل الدفع بحركة المجتمعات والشعوب إلى ما فيه الخير لنا جميعًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة