نعم أنت لم تقرأ العنوان خطأ، كما أنه ليس هناك أى خطأ مطبعى بالكتابة؛ وبدورى لم أبالغ، هذا النهار يترقب العالم حدث قلمًا يتكرر، تخرج مومياوات الملوك المصرية، التى حفظتها لنا تقنياتهم الثقافية، والتى تفردوا بها، وجعلوها علامة الحضارة المصرية الحصرية، والتى قلما نجد مثيلها بحضاراتنا الإنسانية، ليشهد العالم انتقالهم من المتحف المصرى بميدان التحرير، إلى المتحف الحضارى بالفسطاط.
نعم هو موكب لملوك العالم، وليس مصر فقط؛ هذا المعنى نكتشفه من سؤال واجابة، عالم المصريات الألمانى "يان اسمان"، وهو واحد من أهم الباحثين بعلم المصريات، فهو يسأل: لماذا نهتم وندرس التاريخ المصرى القديم؟ ويقدم إجابته على طوال مشروعه، والذى يمكن اختزاله بالإجابة: "إن تاريخنا! جزء من التاريخ المصري، وحلقة من حلقات امتداده فى الزمن"- قطعا الاختزال بتصرف مني- كان بالطبع يقصد أوروبا وتاريخها، ناهيك عن منطقة الشرق الأوسط.
هل لى توسعة نقاش المعنى بنطاق جغرافيات ومعان أوسع؟ التاريخ المصرى وملوكه العظام، يتحقق بمنجزهم الثقافى والحضارى، ذلك الذى تعلنه آثارهم حول ضفاف النيل، وهو ما يمثل عمق منجز التاريخ الإفريقى، ويفند دعاوى المركزية الأوروبية فى تهميشها لقارتنا الإفريقية، بل وكل القارات عدا أوروبا، هُـــــــــــــــــنا مصر الأفريقية، صاحبة أقدم مدن حضارية، هُــــــــــــــنا مصر، أقدم وحدة سياسية بالتاريخ الإنساني، وعلى طول امتداد وادى النيل، هنا الدولة الأقدم والقادرة على الاستمرار، والتى لم تغيب عنها الشمس يوما، ولم تغيبها تقلبات التاريخ.
مساء اليوم ومع غروب شمس نهاره، ستعلن الذاكرة المصرية المصرية عن نفسها للعالم، بموكب يُخرج التاريخ من عالم الحفظ المتحفى إلى سطح الوعى والتذكر، هنا؛ ولنا نسأل، من ينظر إلى الآخر؟ هل ننظر نحن المصريون إليهم لنتذكر تاريخنا؟ أم ينظر لنا من يعبر بالموكب الملكى، ويشهد ملوكنا، ملوك العالم القديم ما وصلنا إليه؟ يبدو أن كلانا سينظر إلى الآخر، ستحظى عيون المتابعين بلحظة تعبد وتبنى جسور التواصل ما بين عالمنا الحاضر وتاريخهم القديم، وسنمنح بدورنا ملوكنا الاطمئنان، أننا على طريقهم، نكمل ما صنعوه، نطمئنهم بأن مصر ما تزال تحفظ حدودها، ماتزال مصر موحدة، لم نضيع جهدهم بتوحيدها، مازال المصريون يزرعون وسوف يوسع زراعها دلتاها العظيمة، مازال المصريون قادرون على بناء مدن جديدة وعاصمة جديدة، وأن عاصمتهم القديمة تنمو وتحدث ليل نهار.
سيرى ملوكنا القدماء أن مصر قبل أيام كانت محط اهتمام العالم، فهى شريان تواصل شعوبه، ومعبره الأكثر الثقة فى ربط شرق العالم بغربه، بفضل مهارة أبنائه بإدارة تيسيره، كما سيشهد ملوكنا أن نهر النيل مازال يأتى بموعده من كل عام، وأننا أقمنا قنوات تحفظ مائه لتصل كل عود أخضر ونفس حية، وأن أبناءها ذاهبون لربط شرقة بغربة بجسور عظيمة، وأننا نملك قوة حمايته، بالتفاوض والتعاون مع شركائنا، وقوة حقنا فى الحياة.