أكرم القصاص - علا الشافعي

خلف القضبان.. "خيانة أخ" قتل زوجة شقيقه بسبب "الحب من طرف واحد"

السبت، 24 أبريل 2021 02:14 م
خلف القضبان.. "خيانة أخ" قتل زوجة شقيقه بسبب "الحب من طرف واحد" حلقات خلف القضبان
كتب أحمد حسنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"اليوم السابع" يقدم فى سلسلة "خلف القضبان" قصصا ليست دربا من الخيال ولا فكراً مجردا لمبدع، ولا صورة خيالية لفنان عن الواقع، وإنما قصص واقعية من داخل ساحات المحاكم، تكشف فيها حقائق وأسرار وألغاز الكثير من القضايا.

 

"

الحلقة الثانية عشر".. "خيانة أخ"

يروى هذه الحلقة المستشار بهاء الدين أبو شقة فى كتابه "أغرب القضايا"..

من مناً يملك أن يهرب من قدره، أن يغير مجرى حياته، أن يحقق كل ما يريد، فالمثل الشعبى الشائع أصاب كبد الحقيقية.."المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين".

سيناريو الأحداث لهذه القضية يؤكد أن الإنسان ليس حراً فى اختيار طريق حياته، بل ليس حراً فى تحديد خطواته، فمن كتبت عليه خطى خطاها ومن كانت منيته بأرض فلن يموت فى أرض سواها.

كان شيخاً نحيل الجسد، كسى الشيب رأسه، وأظهرت بصمات الزمن علامتها على وجهه الذى امتلأ بالتجاعيد وغطته الهموم، كان يسير حانياً وكأنما حملته الدنيا كل أعبائها على كتفيه، رغم أن عمره لم يناهز الخمسين عاما..كان واضحاً من نبرات صوته أنه يعانى الكثير، وأنه يختزن بداخله من الآلام ما ينوء جسده الهزيل عن حمله، كان أشبه بجثة متحركة.

3
 

ويقول المستشار بهاء أبو شقة: جاء يوكلنى للدفاع فى قضية قتل.. فسألته عن صلته بالقاتل أو بالقتيل,, وكانت المفاجاة وهو يجيب بصوت مرتجف.. "القتيلة بنتى".. ثم أطلق تنهيدة ملؤها الحسرة والآلام.

فسألته عن المتهم وصلته ودافعه على القتل، فأجاب "ابن أخويا"، فعجبت مستغرباً هذا المشهد الذى يقدم فيه الأب على توكيل محام للدفاع عن قاتل ابنته.

دارت فى ذهنى الكثير من الأسئلة الحائرة التى لم أجد لها جواباً..وأنا أحاور الرجل على استشف منه ولو نذراً يسيراً من حديث يفسر هذا الأمر الذى يجافى طبائع الأمور..وإزاء صمته وإصراره قدم لى دوسيه القضية وقال بصوت مرتجف الحقيقة كلها فى أوراق القضية، وقال لى أن المتهم فى مقام ابنه..إذ إنه ابن أخيه.

5
 

بدأت أتصفح أوراق القضية .. كانت القتيلة هى زوجة شقيق المتهم

كانت بداية الأحداث حسبما سطر فى أوراق الدعوى عندما أصر والد القتيلة على زواجها من ابن عمها رضوخاُ للتقاليد والعرف الجارى الذى يأخذ حكم القانون فى بلدتهم، ولا يستطيعون بل لا يملكون منه فرارًا.. وإلا فاللعنة والعار ستحل بالأسرة بأكملها على نحو يفقدها اعتبارها ويطأطىء رؤوس أبنائها إن لم ترضخ لهذه التقاليد.

كانت فتاة ريفية.. حلوة الطلعة.. فى العشرين من عمرها تعيش فى إحدى قرى محافظة سوهاج التى ترى فى هذه التقاليد دستوراً، مجرد التفكير فى الخروج على طقوسه جريمة لا تغتفر.. كانت أمنية كل شباب القرية الزواج منها.. إلا أن والدها كان له رأى أخر إرضاء وتنفيذاً لحكم هذه التقاليد.. صمم على زواجها من ابن عمها المقيم فى إمبابة.. رغم أن جسده كان مستودعاً للأمراض.. كان مريضاً بمرض صدرى خطير، السعال لا يفارقه ليلاً ونهاراً، وقد هد المرض جسده فأصبح هزيلاً منهك القوى.. يلهث وتتلاحق أنفاسه لأقل مجهود..وفوق كل ذلك كان يكبر ابنة عمه بربع قرن.

لم يعبء الأب بكل هذه الفوارق، وساق ابنته ضارباً بإرادتها وأحاسيسها ومشاعرها والفارق الكبير بينهما عرض الحائط..كان قد فاته قطار الزواج ورفضت كل من تقدم إليها الزواج منه، ولكن عمه قرر أن يلحقه به بعد أن تحرك قطار العمر، وزوجه من ابنته الحسناء كممرضة قبل أن تكون زوجة تسهر الليالى على نغمات سعاله وموسيقى أنينه وهو يطرب أذنيها من الأمراض التى يعانى منها.

4
 

كان يقطن فى مقابل الشقة التى يقطن بها شقيقه الأصغر.. كان يمتلىء رجولة وفتوة.. فى الثلاثين من عمره.. يعيش حياته بالطول والعرض، وقد سبح فى ملذاته وأشبع شهواته بعد ان مسح "بأستيكة" تلك المبادىء والقيم والعادات التى تشبث بها أهل قريته.

أحس بمدى معاناة زوجة أخيه وهى الأنثى التى تطل من عينيها الحسرة المقرونة بالحيرة على شبابها وأنوثتها، اللذين قبرا مع هذا الزوج العليل، وهى لا تملك من أمرها شيئاً.. فما عاد أمامها سوى أن تواصل المسيرة فى هذا الطريق المظلم مستسلمة بلا حيلة لا تعرف أين ومتى ستكون النهاية.

إلا أن أخاه فى غمرة حياته الماجنة المستهترة أحس بما تعانيه من أنوثة وفتنة طاغية وفراغ عاطفى.. أعطى لنفسه الحق فى أن يكون رجلها القادر على حل كافة مشاكلها وتبديل حياة المعاناة والحرمان العاطفى إلى حياة ملؤها الحب والعشق والهيام، ولكن على  طريقته والتى تطرد كل قيمة أو مبدأ أو شرف.


 

غذى أذنيها بكل عبارات الغزل ووعدها بأنه سيكرس كل حياته لإسعادها، أحست الفتاة الريفية بما يدور فى ذهنه وما يعتمل فى فكره فصدته منذ البداية ونهرته فى أكثر من موقف، فقد كانت تقاليد ومبادىء أهل الصعيد تحتل فكرها وجسدها على نحو يستعصى معه أى محاولة لاقتحام هذه المبادىء.. ولكن فى كل مرة كانت ترفض مجرد سماع حديثه.. وتنهره بشدة.. كانت النار تزداد اشتعالاً فى قلبه .. ورغبة فى تملكها واستحواذه لها تتزايد يوماً بعد يوم.

أحست زوجته وأم أولاده بما يعمل زوجها فى نفسه ويدور فى فكره.. أدركت رغبته المحرمة، فقد كانت تعرف الكثير من نزواته وطيشه، فنهرته أكثر من مرة وأنبته على هذه التصرفات المحرمة شرعاً.. فهى مازالت زوجة أخيه .. وعليه احترام الصلة خاصةً مع ظروفه المرضية التى تقتضى أن يقف إلى جواره فى محنته المرضية، لا أن ينهش فى عرضه ما يرفضه منطق وحوش الغابة، وحذرته بأن تصرفاته الطائشة لم تصل بعد إلى علم أخيه، وأنها تخشى لو علم بذلك فى أن تقضى الصدمة على حياته وهو مريض، لكنه لم يرتدع وأصم أذنيه وأغلق باب فكره وحبس ضميره وصمم على أن يستمر فى تنفيذ ما هداه إليه شيطانه..

فكر ودبر كيف يوقع بفريسته فى شباكه بأية طريقة، سيصل إليها مهما كان الثمن وأياً كانت العوائق التى تقف حائلاً بينهما سيدمرها وينسفها باسلوبه الخاص.

لم تمض على تلك الزيجة- مع إيقاف التنفيذ- سوى ستة أشهر، حتى كان صباح ذات يوم عندما اختفت الزوجة، وبحثوا عنها فى كل مكان فلم يجدوا لها أثراً.

وفى ذات اليوم الذى اختفت فيه تم العثور على جثة محترقة لفتاة فى "مقلب قمامة" قريب من المسكن.

7
 

انتقلت الشرطة والنيابة لمكان الحادث لمناظرة الجثة ومكان العثور عليها، ولم تكن هناك وسيلة للتعرف على صاحبة الجثة سوى بعض بقايا ملابسها التى تعرف عليها الزوج، وقال إنها ذات الملابس التى كانت ترتديها زوجته ليلة اختفائها وأيدته فى هذا زوجة أخيه الأصغر.

كانت الجثة مشوهة تمامًا، فقد أتت النيرات على معظم الجزء العلوى من جسدها وأصبح من المستحيل التعرف على ملامحها، وبالتالى الوقوف على شخصية المجنى عليها.

نشطت تحريات المباحث بحثاً عن صاحبة الجثة وعن القاتل والدافع للقتل..

قطع حيرة التفكير فى الإجابة عن الأسئلة السابقة، مفاجأة لم ترد بخاطر.. فقد تقدمت زوجة الاخ الأصغر من تلقاء نفسها إلى النيابة طالبة الإدلاء بمعلومات تكشف بها عن الحقيقة وتزيل الغموض الذى أحاط بشخصية المجنى عليها وشخصية القاتل ودافعه على ارتكاب الجريمة..

6

 

قالت بنبرة ملؤها الثقة الممزوجة بالحسرة والندامة: القتيلة هى " زوجة شقيق زوجى".. والقاتل هو " زوجى".. وانهمرت دموعها على خديها وأجهشت فى بكاء عميق وهى تشخص ببصرها وكأنما تستعرض شريط حياتها المفعمة بالأسى والألم..

إنه للأسف زوجى وأبو أولادى لا يبحث إلا عن ملذاته وما يشبع غرائزه ولا يهمه بعد ذلك أى شىء حتى ولو كان الثمن أسرته، وأولاده، أو أقرب الناس إليه، كان لا يستطيع أن يكبح جماح نفسه أمام غرائزه الفياضة والتى تجنح دائماً نحو الحرام.

8
 

فقد خرج فى تلك الليلة وهو يحمل سكيناً حادة أخفاها بين طيات ملابسه وعاد إلى المسكن قرب الفجر وملابسه ملوثة بالدماء، وكان يحمل السكين ذاتها حيث قام بغسلها، وتخلص من السكين فوراً، وقدمت للنيابة جلبابه المستخدم فى الحادث وعليه بقايا بقع داكنة زالت ملامحها بعد غسلها.

وأكملت: كانت أفعاله دنيئة وتصرفاته ساقطة وأنها نصحته مراراً أن يتقى الله من أجل العشرة والأولاد، وأن ما يفكر فيه من إقامة علاقة آثمة مع زوجة أخيه ضرب من الجنون، مضيفة انها واجهته بالحقيقة بأنه هو اللى قتلها فلم ينكرها، بل هددها بالقتل هى وأطفالها إن تفوهت بكلمة أو تلفظت بلفظ.

تم القبض على المتهم وتقديمه للمحاكمة الجنائية.

بقية تفاصيل هذه القصة ننشرها في الحلقة القادمة من "خلف القضبان" غدا الأحد.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة