كان التاريخ الإسلامى حافلا بالجماعات التى خرجت من بعضها وتنوعت، انشقت وانتشرت، بعضها كان مشهورا وبعضها غير ذلك، بعضها استمر وبعضها انتهى، ومن هذه الجماعات التى ظهرت فى القرن الأول الهجرى (التوابون، المغيرية، والكيسانية).
فرقة التوابين
يقول عنها الدكتور مصطفى الشكعة، فى كتابه المهم "إسلام بلا مذاهب":
على أننا لو ضربنا صفحا عن فرقة السبئية التى ظهرت فى عهد "على" لوجدنا أن فترة من الهدوء والبعد عن الزيغ قد أظلت أنصار آل البيت بالهدى والنور، فأنصار الحسن وشيعته كانوا من خيرة المسلمين وأصفاهم وأنقاهم روحا، فلما انتقل الحسن إلى رحمة ربه انتقلت الوصاية إلى الحسين الذى التف حوله بعض الأنصار من أهل العراق، ثم ما لبثوا أن انفضوا عنه فلقى مصرعه بأرض كربلاء بالطريقة البشعة المعروفة فى كتب التاريخ، فكانت أن دبت الغيرة وتأججت نيران الحقد فى قلوب بعض المسلمين الذين رأوا فى ذلك امتهانا لبيت الرسول الكريم.
فاتسع نطاق التشيع لآل البيت، ونشأت فى البصرة جماعة، أطلقوا على أنفسهم اسم "التوابين" كونوا منظمة ضمت حوالى 100 رجل على رأسهم الصحابى سليمان بن صرد الخزاعى.
وهؤلاء التوابون رأوا أنهم غرروا بالحسين حينما استدعوه على رأس جماعتهم ثم تخلوا عنه ليلقى مصرعه بطريقة مزرية بهم.
وكانت حركة التوابين سرية أول الأمر وكان شعارها "الثأر للحسين" ونحن لا نستطيع أن نقطع بأن الجماعة كانت لها أهداف عقائدية كأهداف الشيعة فيما بعد، بل كان طابعها عاطفيا، فيه إحساس بالندم لأنهم أحسوا بأنهم مسئولون عن مقتل الحسين.
وكان فى مقدمة التوابين رجل اسمه عبيد الله بن عبد الله المرى، وكان يؤلب المسلمين على قاتلى الحسين، مصورا بشاعة الجريمة التى ارتكبت بقوله "ابن أول المسلمين إسلاما، وابن بنت رسول رب العالمين، قلت حمأته، وكثرت عداته حوله، فقتله عدوه وخذله وليه، فويل للقاتل وملامة للخاذل. عن إنه لم يجعل لقاتله حجة ولا لخاذله معذرة إلا أن يناصح الله فى التوبة فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين، فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة. إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، والطلب بدماء أهل بيته، وإلى جها المخلين والمارقين، فإن قتلنا فما عند الله خير للأبرار، وإن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلىى آل بيت نبينا".
وتكاثر عدد التوابين وخرجوا إلى قبر الحسين بكربلاء يعترفون بخطئهم حين تقاعسوا عن نصرته ويبكون ثم صعدوا إلى الشمال يريدون الإيقاع بالأمويين، ووقعت بينهم وبين الجيش الأموى معركة كبرى فى عين الوردة قرب الرقة أبلوا فيها بلاء حسنا، إلا أن النصر لم يكن من نصيبهم، فبالرغم من أنهم قاتلوا قتال الأسود إلا أن رمى النبال قضى على أكثرهم ولم ينج منهم إلا عدد قليل.
فرقة المغيرية
يقول كتاب "الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية" لـ عبد القاهر البغدادى، عن فرقة "المغيرية" هؤلاء أتباع المغيرة بن سعيد العجلى، وكان يظهر في بدء أمره مولاة الإمامية، ويزعم أن الإمامة بعد على والحسن والحسين الى سبطه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الْحسين بن الْحسن بن على، وزعم أنه هو المهدى المنتظر واستدل على ذَلِك بالخبر الذى ذكر ان اسم المهدى يوافق اسم النبى صلى الله عليه وسلم .
يقول كتاب "إسلام بلا مذاهب" لـ الدكتور مصطفى الشكعة :
تشيعت فرقة المغيرية إلى سلالة الحسن بن على ابن أبى طالب، والمغيرية فرع من المحمدية الذين ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على المعروف بـ محمد النفس الذكية.
ومحمد النفس الذكية استولى على مكة والمدينة فى مستهل الدولة العباسية، واستولى أخوه إبراهيم على البصرة وما جاورها، واستولى أخوهما إدريس على جزء من بلاد المغرب.
وأرسل أبو جعفر المنصور الخليفة العباسى إلى محمد النفس الذكية جيشا كثيفا وقتله، كما قتل أخوه إبراهيم، وكان أنصار محمد النفس الذكية يقولون بإمامته بعد موت محمد الباقر، واعتمد المتبعون على أن اسمه "محمد بن عبد الله"، وعندما قتل فى المعركة زعموا أنه لم يقتل ولم يمت وأنه فى جبل "حاجز" من ناحية نجد.
وقالوا إنه مقيم هناك فى انتظار أن يؤمر بالخروج ويملك الأرض وتعقد له البيعة بين الركن والمقام، ويزعمون أن الذى قتل فى المعركة ليس النفس الذكية لكنه شيطان تمثل فى صورته، وسميت الفرقة بالمغيرية نسبة إلى سعيد البجلى الذى كان مولى لخالد بن عبد الله القسرى.
لكن هذا المغيرى غير رأيه بعد ذلك وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد، ثم انساق وراء نفسه فادعى النبوة، وفى دعوته المزعومة استحل المحارم وألَّه الإمام على وقال بالتشبيه.
فرقة الكيسانية
حفل التاريخ الإسلامى بفرق عدة منها الكيسانية، التى انحازت إلى محمد ابن الحنفية، لكنها ظلمته معها، حيث اشتط بعض قادتها ومنهم المختار الثقفى وأدخلوا الباطل فى الحق.
ويقول الدكتور مصطفى الشكعة عن فرقة "الكيسانية" فى كتابه "إسلام بلا مذاهب": تقول فرقة الكيسانية الشيعية بـ إمامة محمد بن على ابن أبى طالب المشهور بمحمد بن الحنفية.
وكانت فرقة الكيسانية ترى أن محمد ابن الحنفية هو الأولى بالإمامة بعد أبيه، وجرت تسميتهم بالكيسانية نسبة إلى كيسان مولى الخليفة على ابن أبى طالب، و"كيسان" هو الذى دل المختار بن أبى عبيد الثقفى على قتلة الحسين فانتقم منهم وقتلهم، والمختار الثقفى هو عمود الرحى فى دعوة محمد بن الحنفية.
وقد تكونت فرقة باسم "المختارية" وهى فرع من الكيسانية، وقد تنكر محمد بن الحنفية للمختار حينما علم أن هذا الأخير يبتدع بعض الضلالات، ويؤول الدين تأويلات فاسدة، وقد ادعى المختار الثقفى أنه يوحى إليه، وألف بعض الأسجاع، وادعى أن الملائكة تحارب معه، وكان المختار يكفر من تقدم عليًا من الخلفاء، ويكفر أهل صفين والجمل.
ويروى الشهرستانى فى كتابه "الملل والنحل" أن محمد بن الحنيفة تبرأ من المختار حين وصل إلى علمه أنه ادعى أنه من دعاته، وبعد موت ابن الحنفية قال أتباع هذا المذهب إن محمداً بن الحنفية يقيم فى جبل رضوى من جبال تهامة بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان تجريان بعسل وماء، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة