آن أن أستريح .. اقرأ رثاء حسن طلب لـ رجاء النقاش بـ قصيدة "زاد المعاد"

الإثنين، 08 فبراير 2021 12:00 م
آن أن أستريح .. اقرأ رثاء حسن طلب لـ رجاء النقاش بـ قصيدة "زاد المعاد"
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رحل الناقد الكبير رجاء النقاش فى 8 فبراير من عام 2008 بعد رحلة طويلة قضاها فى عالمى النقد والصحافة، كان خلالها مدرسة مستقلة بنفسه، يملك طريقة في تقديم النصوص واكتشاف المبدعين، وبعد رحيله رثاه الشاعر الكبير حسن طلب بقصيدة مميزة عنوانها "زاد المعاد" سوف نذكر جزءا منها:

إلى روح: رجاء النقاش

فاتحة الزاد:

تلك أيامُ أقلامِ أهلِ الغرَضْ!

تلك أيام أقلام أهلِ الغرضْ!

وأنا الآن أنتظرُ الإذْنَ لى بالرحيلِ..

ورُوحِى على وشْكِ أن تتلقَّى الإشارةَ..

 هذا المساءَ..

ولكننى أَلمحُ الأهلَ والأصدقاءَ..

فلا أستطيعُ سِوى

أن أُردّدَ تلك العبارةَ..

ما دامَ فىَّ لسانٌ تحركَ..

أو بين جَنبىَّ قلبٌ نَبضْ!

 

   (1)

تلك أيامُ أقلامِ أهلِ الغرضْ!

هكذا كنتُ فى محنتى أنتحِى

وأُحدّثُ نفسِى

وكم كنتُ أحتالُ..

حتى أُروّضَ يأسِى!

فأشعُرُـ فى مرضى ـ أننى:

لم أكنْ قبلُ قطُّ صحيحًا مُعافًى

كمثلىَ هذا المساءَ..

أُحدِّثُ نفسِى لِتنسَى ـ

على بطشِهِ ـ الدّاءَ..

تنسَى الدّواءَ..

وما كان من أحدٍ يتطلّعُ..

ما كان يَسمعُ..

غيرُ صديقى الوحيدِ..

 صديقى اللّدودِ: المرضْ!

   (2)

تلك أيامُ أقلام أهلِ الغرضْ!

 

وأنا اليومَ فى شُغُلٍ عن عَداءِ أولاءِ

وعن مقتِهمْ

جُمعتِى بَرِئتْ ـ لا أريدُ الإساءةَ

 ـ كلَّ البراءةِ من سَبْتهمْ!

وعلى عجَلٍ تتدفَّقُ أطيافُ بعضِ الرُّؤَى

تتراقَصُ .. ثم تَغيمُ تفاصِيلُها

وأنا أتعلَّقُ مثْلَ الغريقِ بها!

وأُرَنِّقُ فى الرَّمقِ الآخِرِ .. السَّهلِ والوعْرِ!

شتّى الخواطرِ تأتِى إلىَّ ..

وأوشكْتُ أَخرجُ من وقتِهمْ

ليس لِى فيهِ شىءٌ ..

وليس علىَّ

ولكن سأُغمضُ عينىَّ ..

أغفُو قليلا

لأجعلَ آخِرَ ما ستجودُ به مُهجتِى:

نظراتِ الوداعِ إلى زوجتى

ربما فى غدٍ: آنَ أن أستريحَ

وسوف أكلِّمُ ـ لا شكَّ ـ بنتِى "لميسَ"..

أو ابنى "سَميحَ"..

كما والدى كانَ ـ بعدَ الرحيلِ ـ يُكلِّمنى

سأقولُ: اذكُرا اليومَ جَدّكما

فهو أولُ من كان علَّمنى

ثم ألْهمَنى القابضونَ على الجمْرِ ـ

فى زهرةِ العُمرِ ـ

والأنبياءُ ..

وصوتٌ من العمقِ .. بالصدقِ ألزَمنى

قلتُ: فَلْتلتزمْ يا "رجاءُ" ..

عليكَ بهِ ما استطعْتَ ..

إذا قلتَ .. أو إنْ فعلتَ ..

وإن هُرِعَ الباحثونَ عن الأجْرِ ..

أو رَكضوا نحو بوَّابةِ القصْرِ ..

قفْ حيثُ أنتَ ..

فلا يُذكَرُ اسمُكَ فيمن ركَضْ

   (3)

تلك أقلامُهمْ

كنتُ فى سالفِ العمرِ ..

آنَفُ من قُربهِمْ

كنتُ أَزْوَرُّ عنهمْ

   وعن صحبِهمْ

فإذا ظَهرُوا لِى أمامَ مقرِّ الصحيفةِ ..

فى مرةٍ

أَستديرُ ..

وإن عَثَروا بى هنا .. أو هناك ..

على غِرَّةٍ

أمتعِضْ

   (4)

تلك أيام أقلام أهلِ الغَرضْ

وأنا الآن فى شِبهِ غيبوبةٍ

أتطوّحُ عبرَ المسافةِ ما بين جهلى

ومعرِفتى

وأُعانى احْتضارَ الحروفِ على شفتِى

من دعاءٍ .. ومن توْبةٍ!

هكذا صرتُ مسْتسلمًا

لمداهمةِ القاتلِ السَّرطانىِّ ..

كم نوبةٍ منه قد أسْلمتنِى

إلى نوبةٍ!

فجوارحُ جسْمى تئنُّ.. ولكنَّ رُوحِى:

على أهبةٍ

لِرحيلى إلى خالقى تستعدّ..

أَعُدُّ الدقائقَ من لهفتى للقاءِ ..

فياربُّ:

ما للدقائقِ ليست تُعَدُّ!

فتمضِى بِطاءً .. ثِقالاً

وأيامُ عهدِ الشبيبةِ ..

كانت عجالاً

تمرُّ سِراعًا .. تِباعًا!

وكنتُ فتًى قَرويًّا يخافُ المدينةَ ..

لم يمتلكْ من حُطامِ الحياةِ متاعًا

ولم يعرف اليأسَ بعدُ ..

وكنت أقولُ لنفسِىَ:

لن أتركَ الفقرَ ينصرُ ضعفى

على قوّتى

فأنا: مُرْتَجى أُسرتى

وأبو إِخوتِى

(وأوَدُّ من الدهرِ ما لا يوَدُّ) ..

وقلتُ لها: أهْونُ الأمرِ قد مرَّ ..

لكنْ سيأتى الأشدُّ ..

كذلكَ هيّأتُها للذى جدَّ من نائباتِ الحياةِ ..

وما يسْتجدُّ ..

وكم كنتُ من محْضِ فيضِ الهوى أستعيرُ!

 ومن فِطرتى:

أسْتمدُّ..

فلم أنخدِعْ فى حياتى سِوى مرتيْنِ:

فتلك الفتاةُ التى (كنتُ كلمتُ عنها المساءَ)

 .. فأنصَتَ

والعادلُ المسْتبِدُّ ..

وآه .. فلو كانَ ما قدْ مضَى يُستعادُ ..

وبعضُ الذى مرَّ من عمرِنا يُستردُّ!

ولكن قضى اللهُ ما قد قضاهُ ..

وكان الذى لم يكنْ منه بُدٌّ ..

ولا حوْلَ لى

كى أوافِقَ .. أو أعترِضْ!

   (5)

تلكَ أيامُ أقلامِ أهل الغرضْ

كنتُ فى مرضِى أتعلَّلُ ..

محتميًا بدواءِ:

عسى .. ولعلَّ .. وقدْ

وأُؤمِّلُ فى: (قَلَّما)

كلما عِيلَ صبرِى

أقولُ: نعمْ

ربما فازَ من كانَ بالمستحيلِ احتمَى!

هكذا كنتُ أبدو لكمْ هادئا هانئا

وأواظبُ ـ كنتُ ـ على خطِّ سيْرِى

أراقبُ سعْىَ الورَى

وأعارضُ ما كان يجرِى

بما قد جرَى:

هل أصابَ القلوبَ العَمى؟

ربما!

وهل اقتلعَ الشَّجرَ الوارفَ الظلِّ فى أرضِنا

بعضُنا؟

ونباتُ المُروءةِ والخيْرِ .. أهلكَهُ مهلِكٌ؟

فليكنْ!

هل تُرى جفَّ نبعُ الأمانةِ؟

هل نضبَ الماءُ فى قعْرِ بئرِ الفضيلةِ؟

فلنفترضْ!

لِتكنْ أنْتَ: أنتَ ..

وقلْ إن تكلَّمْتَ:

لا ما يَشاءُون َ.. بل ما تشاءُ ..

احترسْ يا "رجاءُ" ..

وإن وَلَغُوا فى السَّخائِم ..

أو خاض غيرُكَ فى فاحشٍ

لا تَخُض










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة