لازالت ردود الأفعال تتوالى حول الحكم بعدم دستورية قرار محافظ الجيزة بشأن حظر تحويل الوحدات السكنية إلى غرض آخر، وذلك بعد أن اشترطت المحكمة الدستورية نشر القوانين والقرارات فى الجريدة الرسمية أو ملحقها الوقائع المصرية لضمان علانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، حيث تلقى هذه المبادئ ظلالا كثيفة من الغموض على القرارات التي تصدر من مستويات مختلفة من قيادات السلطة التنفيذية دون أن تنشر في - الوقائع المصرية - وكذلك على بعض القوانين التى لم تنشر حتى الآن رغم صدورها في أوقات سابقة.
وينص الدستور الحالي فى مادته 225 على أن: "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال 15 يوما من تاريخ إصدارها، ويعمل بها بعد 30 يوما من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعادا آخر، ولا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها.."وهو ما يتفق في إلزامية النشر مع المادة 188 من دستور 1971 التي كانت تنص على أن: "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها..".
لماذا البطلان يهدد عدد من القوانين والقرارات الإدارية؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية انعدام القرارات الإدارية إذا لم تنشر بالجريدة الرسمية متى كانت متعلقة بقواعد عامة مجردة، مثلما حدث بعد الحكم بعدم دستورية قرار محافظ الجيزة بشأن حظر تحويل الوحدات السكنية إلى غرض آخر، حيث لا يحتج بهذه القرارات على الأفراد ولا ينتج أثرها في حقهم إلا من تاريخ نشرها في الوقائع المصرية أو الجريدة الرسمية، وذلك حتى لا يلزموا بأمور لم يكن لهم سبيل إلى العلم بها ويمتنع سريان القرار على المخاطبين بأحكامه باعتبارهم أغيارا بالنسبة إليه، وذلك في ضوء أحكام المحكمة الدستورية وأحكام محكمة النقض.
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانونى والمحامى بالنقض يحيى جاد الرب - أن عدم نشر القرارات ذات الصفة التشريعية أو الإدارية أيا كان مصدرها فى الجريدة الرسمية أو ملحقها هو سبب رئيسى للطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا، والمحكمة تملك ــ وفقا لمبادئها السابقة ــ تقدير مدى تحقق اتصال هذه القرارات غير المنشورة بالمخاطبين بها، كما أن قاعدة ضرورة النشر تنطبق على جميع القوانين والقرارات التى تخاطب عامة المواطنين، وكذلك القرارات التى تخاطب نخبة منهم بشرط أن يكون النشر هو الوسيلة الوحيدة لإعلانها للمعنيين بها.
المشرع اشترط النشر في الجريدة الرسمية وإلا لحقها البطلان
ووفقا لـ"جاد الرب" فى تصريح لـ"اليوم السابع" - قاعدة ضرورة النشر لا تنطبق على القرارات الداخلية التى تبلغ للموظفين بوسائل أخرى غير النشر، كالتعليمات والكتب الدورية والتعميمات والتوجيهات، كما أنه يجب نشر جميع القرارات التى يكون نشرها هو الوسيلة الوحيدة لإعلام المواطنين بها ومن ثم إتاحة الفرصة أمامهم للطعن عليها أو التظلم منها، مطالباَ بضرورة مساءلة الموظفين الحكوميين، أو الجهات المسئولة عن تأخر نشر قانون لأسابيع وشهور، لدرجة قد تربك المواطنين أو تعيق نفاذ أحكامه حيث يعتبر هذا التأخر بمثابة تقاعس غير مسبب أو مبرر والمخالفة الواضحة لأحكام الدستور، التى لم تميز بين القوانين التى تخاطب العامة أو القوانين الصادرة باعتماد اتفاقيات دولية أو اتفاقيات بترول أو عقود تختص الحكومة بتنفيذها.
رأى المحكمة الدستورية العليا فى الأزمة
هذا وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا وأن أصدرت عدة أحكام أخرها الحكم الصادر بجلسة 9 أبريل 2020 والتي انتهت فيها إلى إن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية، يعتبر شرطًا لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها، تبعًا لذلك، يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، وكان ذلك مؤداه أن دخول هذه القاعدة مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان، هما نشرها وانقضاء المدة التي حددها المشرع لبدء العمل بها، وتعين القول بأن القاعدة القانونية التي لا تنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها .
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن القـــرار المطعون فيه لم ينشر في الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية"، وذلك بالمخالفة للنصوص المتقدمة ونص المادة (188) من دستور سنة 1971، ومن ثم فإن تطبيقه على المدعى قبل نشره، يزيل عن القواعد التى تضمنها صفتها الإلزامية، فـــلا يكون لها – قانونًا - من وجود، وقضت المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 158 لسنة 34 ق "دستورية" جلسة 9 أبريل 2020 بعدم دستورية قرار محافظ الجيزة رقم 6299 لسنة 1999 بشأن حظر تحويل الوحدات السكنية إلى غرض آخر في نطاق مدينة الجيزة والأحياء التابعة لها.
حكم أخر للمحكمة الدستورية العليا
كما سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستورية قرار أصدره رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية عام 2009 وتم تعديله عام 2012 لعدم نشره بالجريدة الرسمية، مؤكدا مبادئ سابقة للمحكمة فى هذا السياق، اشترطت نشر القوانين والقرارات فى الجريدة الرسمية أو ملحقها الوقائع المصرية لضمان علانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها.
النشر ليس للقوانين فقط:
ذلك أن الأحكام السابقة للمحكمة الدستورية ــ لم تقصر ضرورة النشر فى الجريدة الرسمية أو الوقائع المصرية على القوانين؛ بل اتفق أغلبها على ضرورة نشر جميع القرارات التى تمثل قواعد قانونية جديدة حتى يمتنع القول بالجهل بها، ولكفالة وقوف المخاطبين بها على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، واتفقت جميع الأحكام على أن:
"نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وكان هذا النشر يعتبر كافلا وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلا دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيا، وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار فى مجال تطبيقها، متضمنا إخلالا بحرياتهم أو بالحقوق التى كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التى حدد تخومها وفصل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التى لا تنشر، لا تتضمن إخطارا كافيا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التى اعتبر الدستور تحققها شرطا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها".
رأى محكمة النقض فى الأزمة
أما محكمة النقض فقد قضت بان القرار الإداري لا ينتج أثره في حق الإفراد إلا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أو بعد إعلانهم به أو علمهم بمضمونه علماً يقينياً، وذلك حتى لا يلزموا بأمور لم يكن لهم سبيل إلى العلم بها حتى لا يطبق القرار بأثر رجعي على الماضي وهو ما يتنافى مع مبادئ العدالة والمشروعية ووجوب حماية الحقوق المكتسبة وما يقتضيه الصالح العام من استقرار معاملات الأفراد والمحافظة على عوامل الثقة والاطمئنان، وذلك طبقا للطعن رقم 1542 لسنة 60 قضائية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة