د. إبراهيم نجم

الدرس المصرى فى بناء الدول

الثلاثاء، 02 فبراير 2021 09:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليلة الثالث من يوليو عام 2013، لا تزال ذكريات تلك الليلة محفورة فى وجدان شعب، ملأت جموعه ميادين مصر بالملايين، تصدح حناجرهم بهتاف يشق عنان السماء، وتتطاول أعناقهم إلى مُخلِّص من هذا البلاء، بعد أن أرهقهم عام من حكم جماعة الإخوان مرَّ كأنه دهر لا يبدو له انتهاء.
 
وفى أثناء ذلك الترقب وفى تلك اللحظات الفارقة خرج المشير عبدالفتاح السيسى محاطا برموز المجتمع المصرى ليلقى بيانه التاريخى ناطقا عن خواطر الشعب، ومعلنا تحرير مصر وخسارة جماعة الإخوان لمعركة استلاب الهوية الوطنية التى خاضوها بشراسة مدة عملهم السياسى وتقلدهم مواقع الحكم والقيادة.. لقد أعلن الرئيس السيسى فى ذلك البيان خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية التى تنتهى بإجراء انتخابات حرة يقرر من خلالها الشعب المصرى مصيره، وسارت تلك الخارطة فى مسارها الصحيح إلى تلك اللحظة الراهنة.
 
وها نحن هنا بعد أن مرت سبع سنوات كاملة من إجراء الانتخابات الرئاسية بعد الإطاحة بنظام الإخوان، وفى ولاية الرئيس السيسى الثانية، نقيّم ما تم فى الأمس، ونتحسس مواقع أقدامنا اليوم، ونستشرف ما يمكن أن نكون عليه فى الغد.
 
إن السنوات السبع الماضية أكدت على حقيقة تاريخية وحضارية لا يمكن تجاوزها، وهى أن الشعارات وحدها لا تقيم بنيانا، وأن التمادى فى الكذب والإغراق فى الأوهام لا ينطلى على الشعوب، وأن الدول والأمم لا تبنى إلا بالعرق والجهد والإخلاص.
 
إن تقييم حجم العمل، وقياس مدى الإنجاز الذى تم خلال السنوات السبع الماضية، لا يمكن أن يتم بمعزل عن إدراك حجم التحديات والمعوقات التى واجهتنا فى الفترة السابقة، فبضدها تتبين الأشياء، وبنظرة واحدة عابرة إلى ما آل إليه الحال فى النصف الأول من عام 2013 سيظهر لنا بجلاء دولة قد أوشكت على الانهيار، تنتقل من إخفاق إلى إخفاق على كل الأصعدة وفى جميع المستويات، وسنرى حفنة من تجار الدين وأدعياء الإصلاح لا يجيدون سوى صناعة الخوف وترويج الوهم، وجدوا أنفسهم وقد فتحت لهم أبواب حكم مصر العريقة، ففرحوا بما أوتوا، وطاشت عقولهم، وأوغلوا فى الكذب والفساد، حتى أتاهم أمر الله، وعلموا أنه لا يصلح عمل المفسدين.  
 
لقد أطلق الرئيس السيسى فى بداية ولايته مجموعة من الوعود، مصحوبة بإدراك ووعى كامل لطبيعة التركة الثقيلة التى خلفتها عقود من الإهمال والفساد، وعلى ضخامة تلك الوعود وصعوبة تحقيقها فى ظل تلك المعوقات برز حجم التحدى وصعوبة المهمة، ولكن على قدر أهل العزم تأتى العزائم، وكانت المهمة الأولى هى استرجاع الهوية الوطنية المصرية، التى حاولت الجماعة طمسها واستبدالها بهوية مشوهة، لا تعبر عن المجتمع المصرى بتركيبته وتدينه وأخلاقياته، وبالفعل تم إنهاء حالة الاستقطاب الحاد، وجمع الشمل الوطنى تمهيدا لخوض معركة الإصلاح والبناء الكبرى.
 
إن بناء الدول لا سيما بعد فترات التراجع والتقهقر يحتاج إلى رجال قد برى حب الوطن أجسادهم، وعزموا على إفناء ما تبقى منهم فى خدمته والارتقاء بشأنه، يحتاج إلى رجال علموا أنهم مستخلفون برسالة الإصلاح، ومسؤولون عن الأمانة التى حملوها، وعن آمال الشعب التى تعلقت بهم، يحتاج إلى مقاتلين أشداء بواسل، يدركون أنهم سيخوضون معارك متعددة فى آن واحد، وعلى جبهات مختلفة، ويؤمنون أن الله سيرى عملهم ورسوله والمؤمنون، فبمثل هؤلاء فقط تقوم الدول وتنهض من كبواتها، وتمضى قدما نحو التقدم والتنمية.
 
سبع سنوات مرت، ويد تبنى وتعمر وتشيد فى مصر الحديثة، ويد أخرى تحمل السلاح تحمى ترابها وتدفع خطر الإرهاب عن أبنائها، سبع سنوات تؤذن ببناء ثالث لمصر، وتبشر بدولة قوية فتية عصرية قادرة على مواكبة التطور والتغيير، لا صوت فيها يعلو فوق صوت العمل والكد، ولا مجال فيها لقول أجوف أو وعد مزيف.
 
لقد برهنت مصر مؤخرا على أن الإصلاح والتقدم والبناء قرار وإرادة، وأن المستحيل أمر لا يعرفه المقاتلون الصادقون، وإن التاريخ المنصف يجب أن يتوقف كثيرا على حجم تلك الإنجازات والمشاريع العملاقة التى تم تحقيقها فى السنوات الأخيرة، والتى لم تتوقف إلى تلك اللحظة، على الرغم من كم المؤامرات التى تحاك ضد مصر، واشتداد معاول الهدم التى تحاول نقض ما يتم بناؤه، وإيقاف عجلة قطار التنمية والإصلاح.
 
إن الحقيقة المؤكدة من الدرس المصرى فى السنوات الأخيرة أن الرؤية القائمة على أسس صحيحة وإدراك كامل لكل المقومات والتحديات، مع العزيمة والإخلاص والتفانى، هى السبيل الوحيد لبناء الدول، والضامن الحقيقى لاستمرار عجلة التنمية والدفع فى اتجاه التطور والتقدم والارتقاء، وأن كل قول بلا فعل هو عبث لا طائل منه، فالمعول على الأفعال لا الأقوال، والسيف دوما أصدق أنباء من الكتب.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة