في قريتنا استبدل (العيش الشمسي) و(البتاو) بخبز الأفران الجاهزة، واستبدلوا (الجبن القريش) بالأجبان المعلبة، واللبن الطازج بالألبان المحفوظة.
في قريتنا هدمت الأسقف الخشبية العتيقة واستبدلت بأسقف أسمنتية، وبدلا من رسومات الحج والعمرة على حوائط المنازل الخارجية، كتبت بخطوط قبيحة (فيلا فلان).
في قريتنا لا ينام الفلاح الشاب مبكرا كما كان يفعل أباه، بل يسهر حتى الصباح مع وسائل التواصل الاجتماعي.
باختصار اختلت البيئة القروية، وضاع مذاقها الخاص، وتاهت معالمها، وصارت مسخا مشوها من المدينة.
وهو ما جعل الإصلاح الذي يحدث الآن على مستوى البنية التحتية، يحتاج إلى استعادة هوية القرية المصرية.
وكل ما أرجوه أن يتم بناء وحدات الخدمات الحكومية التي يتم إنشاؤها بتصميمات معمارية تستعيد خصائص عمارة القرى وما كان يميزها، وألا تغرينا العمارة المدنية،
فالعمارة هي الحاضنة للأفكار والمشاعر، وهي التي تحرك القلوب والعقول، وهي القادرة على فرض غلاف (نوستالجيا) الأزمنة الجميلة لقرى مصر بطابعها المتميز ذو الخصوصية النادرة.
وقد أثار الكثيرين على سبيل المثال ديكور منازل القرى الذي استفز عين المشاهد في بعض الأعمال الدرامية، مما أخرج المشاهد عن نطاق تصديق الفعل الدرامي، فكيف لأحداث تجري في قرية أن يحيطها تماثيل غريبة، أو أن يتناول البطل طعامه (بالشوكة والسكين). الأمر حلقات في سلسلة واحدة لا بد من الوعي بكل حلقة منها.
منازل القرى البسيطة ليست عارا ليتبرأ منه أهلها، والطوب اللبن ليس عيبا معماريا، والأسقف المرتفعة لم يتم بناؤها عن غير وعي، وأخشاب الأسقف هي جمال متناه وصداقة للبيئة الحارة، والزخارف التي تزين أبواب المنازل هي فنون فطرية لابد من الحفاظ عليها وصونها.
نحن بحاجة إلى أن تعود قرانا كما كانت منتجة وليست مستهلكة، فتربية الماشية بنى شيدت لأجلها (أحواش المنازل) و(العشش) المبنية على الأسطح ( هي خدمات لتربية الطيور) و(الفرن البلدي) هو رمز لفرحة بسيطة ترافق نضج الخبز على نيران الفرن.
قديما كان يوم الخميس هو عيد أهل القرى، حيث يشهد عودة الفلاحين الذين يقيمون في حقولهم طوال الأسبوع إلى القرية، وعودة (المراكب النيلية) من سفرها، وهو أيضا يوم السوق في القرية، كان بإمكانك أن تشتم رائحة الخضروات، التي ينتشر بائعوها على جانبي الطريق، كما يقف (الجزارون) باللحوم الطازجة، والمرأة أمام فرنها البلدي تضع العجين داخله وتضع (طواجن) الطعام أيضا لينضج على هذه النيران الهادئة.
وفي المغرب يجتمع الأهل يأكلون ويتسامرون ويكتمل عيدهم الصغير حتى صباح الجمعة.
أما الآن فلا أعياد صغيرة، ولا أفراح بسيطة.
الأمر ليس مسئولية دولة بقدر ما هو إرادة ووعي وإدراك أفراد، فلنعد كما كنا، لنستعيد البهجة ولنحافظ على تراث متكامل لقرى مصر العريقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة