منذ أصبح الموت الأسود يحاصرنا ويحاصر أحبابنا وأصدقائنا بظهور وباء الكورونا، ونحن نتلقى الصدمات واحدة تلو الأخرى قابضين على جمر الفراق ، محتسبين عند الله كل من تركونا ورحلوا ، ولكن الصدمة التي خلفتها وفاة العالم والفقية القانوني الدكتور شوقي السيد كانت أكبر وأعظم لدى كل من عرف هذا الرجل ، ليس لغزير علمه وعظيم خبرته وشجاعته وثاقب نظرته فحسب ، ولكن لإنسانيته وشهامته التي يعرفها جيدا كل من مر هذا الرجل في حياته .
عرفت الدكتور شوقي السيد منذ عقدين من الزمن ، رأيت فيه وطنية متدفقة ، ورؤوى متفردة لقضايا المجتمع ، ومعلومات واسعة في شتى مناحي الحياة ، وتواضع العلماء ، وقدرة كبيرة على محبة الأصدقاء ، كان إيمانه كبيرا بالعمل العام والمشاركة فيه ، وهذا ما دفعه لتقديم استقالته من مجلس الدولة عام ١٩٧٩ ، ليترشح في دائرة الأزبكية ، وبضغوط كبيرة سحب ترشحه ، حتى عُين عضوا مستقلا في مجلس الشورى عام ١٩٩٥، حتى عام ٢٠١١ ،
لعل الكثيرين يتذكرون مواقفه الوطنية في مجلس الشورى الذي تم إلغاؤه في سنة ٢٠١٤ ، ثم مواقفه في أعقاب ٢٥ يناير ٢٠١١، ووقوفه ضد تحركات جماعة الإخوان الإرهابية ، وهي مواقف موثقة من خلال كتاباته في كثير من الصحف المصرية ، إضافة إلى مداخلاته من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، ولا أتذكر انه بخل على صحفي أو إعلامي برأي أو علم ، وقد جمع مقالاته في كتابه الشهير كلمات لبلادي ، ودراساته المهمة مثل " التعسف في استخد الحق " ، و" مذبحة القبة والطعون الانتخابية " و " دور المحامون في الرقابة على التشريع " و " الحياة الحزبية المصرية في مائة عام " وغيرها من الدراسات التي أضافها للمكتبة العربية والقانونية .
كانت قضية الديمقراطية شاغله الأول ، فكان يرى أن الحرية والديمقراطية هما أهم ركيزة للمجتمع والتنمية والتطور ، وفي هذا لا يتردد في نقد أو توجيه ، ونقده كان يتسم بالموضوعية والشجاعة ، ولعل استعراض بعض من عناوين مقالاته يوضح مدى شجاعته ، مثل : غياب النواب وعدم التفرغ قضية مستمرة ، استقواء الحكومة في ساحة القضاء ، ومحاصرة النواب في مجلس النواب سقطة إعلامية ، و حضرة الحكومة أرجو الانتباه ، وغيرها من المقالات التي لم يكن يملك غيره كثيرين حكمة الرأي وقوة الكلمة مثلما كان يملك .
منذ عام تقريبا أصدر كتابه " مجلس الشيوخ ١٩٢٣-٢٠٢٠ " ، والذي أرخ فيه للحياة السياسية والبرلمانية في مصر منذ صدور دستور ١٩٢٣ ، وكانت تلك قضيته الأخيرة التي ترافع فيها لصالح الحياة السياسية و النيابية في مصر ، مؤكدا على أهمية وجود مجلس الشيوخ ليرسخ للديموقراطية في حياتنا السياسية ، وظل على موقفه حتى بعد عودة مجلس الشيوخ عقب التعديلات الدستورية في ٢٠١٩ ، داعيا أعضاؤه إلى العمل بجد وكفاءة وعلم وإبداع ، وأن تبتعد الأغلبية عن التسلط وتتسم بالموضوعية والانصات وقبول الاختلاف .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة