محمد عبدالرحمن زغلول

فيلم "لو كان يطيحو لحيوط".. الحياة مستمرة رغم الألم

السبت، 11 ديسمبر 2021 01:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"الحياة فيض من الذكريات تصب فى بحر النسيان"، هكذا وصفها الأديب العالمى نجيب محفوظ، فى كتابه الأدبى الشهير "أصداء السيرة الذاتية"، بينما الفيلسوف الألماني شوبنهاور كان أكثر تشاؤما تجاه الحياة بوصفها "بندولًا يتأرجح بين الألم والملل"، وهنا نتساءل بشأن نظرتنا للموت أو الفقد أو الحرمان، كيف نتعايش مع كل هذه المشاعر؟ هل ننسى كما يرى محفوظ أم نسير فى طريق الألم والملل كما رأى شوبنهاور؟
 
من هذا المنطلق ربما يمكننا التعامل مع الفيلم المغربي (لو كان يطيحو لحيوط) أو "لو انهارت الجدران" للمخرج حكيم بلعباس، الذي سبّر أغوار المشاعر الإنسانية عن فلسفة الفقد والحرمان، وتطرق على نحو عميق لمفهومي الموت والحياة.
 
"لو انهارت الجدران" عرض ضمن مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ويدور حول مجموعة من المشاهد والحكايات المنفصلة، حول العبء والأفراح الصغيرة، يحكى قصص زوجات وأزواج، وأمهات وآباء، بنات وأبناء يمشون على مسارب الحداد بعد أن أخذ الموت أحباءهم، بينما تصر الحياة على الاستمرار.
 
اعتمد سيناريو الفيلم على فكرة متعددة المستويات والأبعاد، تترك مساحة كبيرة للمتلقى للتفاعل معها، عبر سلسلة من المواقف والصراعات حول مفهوم الموت، الخلود، الفقد، الحرمان.
 
يبدأ الفيلم بمشهد سيدة عجوز تدخل إلى قاعة عرض سينمائى خاوية، تجلس فى منتصفها، لتشعر وكأنك سوف تشاهد فيلمًا داخل الفيلم، لكن مع تطور الأحداث وتصاعد الدراما تدرك أنك ترى الحياة وواقعها المأساوي من وجهة نظر امرأة عجوز، عانت ورأت الكثير فى العالم، وربما تتفاعل وتجد نفسك جزءًا من العمل والأحداث.
 
الفيلم منذ البداية جاء متشابكًا فى تناوله، وغير اعتيادي التلقي، فلا يوجد حكاية واحدة، لكنها مجموعة من المواقف الدرامية المتشابكة في أحداثها ومواقفها المتناقضة، لكن فى الوقت نفسه، لم تسبب "عائقا" أمام المشاهدين بسبب تصاعد الأحداث فى خيط درامى واضح الفكرة ملىء بالرموز.
 
تدور الأحداث فى إطار درامي، يمزج بين المعقول واللامعقول، معرجة على فكرتي الفقد والحرمان الإنسانى، سيدة وطفليها يفقدان الزوج لكنه يعيش فى وجدانهم، شبحه يرافقهم فى كل مكان، أب يفقد ابنه ويعيش الأول على ذكرى الأخير، ويتخيله فى كل الأوقات، سيدة محرومة من الإنجاب بسبب مشاكل لدى زوجها ويشعران بالنقص، وابنة تعانى الحرمان والحب، يرحل والدها فجاءة فتعانى الفقد والوحدة، امرأة تفقد رضيعتها الوحيدة، ورجل عاش يبحث عن حبيبة الطفولة دون أمل، وسيدة سُجن ابنها لكنها لم تتخل عن حكاياتها معه رغم غيابه، ورجل عاش منعزلًا ووحيدًا لسنوات، بعد سنوات الحرب، وحين واجه الحياة مات، وأخيرًا سيدة تفقد أمها العجوز فى يوم زفاف ابنتها "العانس" فتقرر ألا تعلن الخبر وتستكمل الفرح.
 
اعتمد المخرج حكيم بلعباس فى تناوله على أفكار ومفاهيم من الموروث الشعبي والديني، كما أبرز المخرج فكرة "الشبحية" فى استدلاله، فنجد الميت حيًا فى وجدان ذويه، يرونه ويسمعونه، وهو أيضًا يشعر بهم، ويطمئن عليهم، وكأنه لم يفارقهم، كدلالة تُكرس لفكرة بأنه الموت بالجسد لكن الروح تظل معلقة بالدنيا، كما هو متوارث فى الوجدان الشعبى.
 
من المميزات داخل العمل هى التشكيل بالصورة، لتظهر في مشاهد عدّة وكأننا أمام لوحة فنية متكاملة الجماليات، وبرغم سيطرة مشاعر الموت والفقد، لكن من ناحية كانت هناك مظاهر أخرى داخل العمل تدب بالحياة، وكأنها رسالة عن المواصلة رغم كل شيء.
 
وفي إطار التشكيل، اعتمد المخرج على الألوان الزاهية فى صورته، فنجد ألوان مثل الأبيض والأخضر واللبنى (السماوي) بكل ما تحمله من رموز اجتماعية ودينية تطغى على الصورة، كشارة لا تخطئها العين على الأمل، فضلًا عن استعمال المؤثرات البصرية مثل شعاع النور الذى يضىء السماء، أو لبن الأم الذى يسيل على قبر الابنة الرضيعة.
 
اللافت الأكبر فى العمل هو انتصاره للمرأة، فالنساء منذ البداية وحتى النهاية هن محرك الأحداث، وهن بطلات أغلب الحكايات، وهن رمز الأمل الذى حاول الفيلم تقديمه، ويبدو ذلك واضحا فى مشهد أثناء طلاء "نقاش" -يعانى من الدمار- جدار حمامات عمومية، فدهن حمامات النساء أولًا، وحين استدار خلفه وجد طفلة تبتسم إليه، وكأن الأمل لهذا البائس تحمله أنثى.
 
ميزة أخرى للعمل هي الجمع بين الروح العصرية للعناصر الفنية من استعراضات ومؤثرات صوتية وبصرية متماشية مع الروح التقليدية للسينما، والاستعانة بتوظيف عدد من الأغانى الكلاسيكية متناغمة مع روح الدراما مثل "الأطلال" لأم كلثوم و"ست الحبايب" لفايزة أحمد.
 
في النهاية قدّم المخرج حكيم بلعباس، طرحا من خلال عمل يبحث عن الحقيقة ويجيب عن تساؤلات أكثر، ورؤى فلسفية عن الموت والحب والحرمان والأمل، بعيدًا عن رؤيتي محفوظ وشوبنهاور اللتين ذكرناهما في بداية المقال، وإن كانت أقرب لرؤية الأخير، وذلك من خلال أدوات عصرية أقرب إلى التجريب السينمائي، ورغم التناول التراجيدي، لكنك – عزيزي المشاهد- تخرج سعيداً بما شاهدته على شاشة السينما من أداء حركى وتوظيف جيد للأدوات الفنية.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة