حين كنت اتابع فاعليات افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قبل أيام.. تداعت إلى ذاكرتي دورات سابقة حضرت بعضا منها وانصرفت عن بعضها الآخر.. إذ كيف يتحمس شخص متابع للسينما المصرية منذ كان طفلا وحاول كتابة السيناريو السينمائي في صباه لمهرجان يحمل اسم القاهرة ولا يقدم إلا أقل القليل من الأفلام المصرية ولا يفوز بجائزة فيه فيلم مصري إلا فيما ندر؟ بالطبع فإن العيب ليس في المهرجان الذي اعتبره واحدا من أهم فاعليات السينما حول العالم.. لكنني كلما انعقدت دورة من دوراته تذكرت حال السينما المصرية وما فيه من آلام مبرحة.
السؤال التقليدي هنا صحيح.. وهو: أين سينما الستينيات التي اتسمت بغزارة الإنتاج وجودته وتنوع أنماط السيناريو والإخراج وقوة المواهب التمثيلية والقدرة على البقاء في الوجدان مدة طويلة؟
لقد توافرت للسينما إمكانات هائلة في الوقت الراهن إنتاجيا وتمثيليا وبرغم أن السينما واحدة من أهم أدوات الفعل الثقافي نراها في ذيل هذه الأدوات، وأننا إذ نتطلع إلى مشروع ثقافي شامل يليق بالجمهورية الجديدة التي تمثل عنوان عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإننا نرى أن السينما تحتاج إلى (روافع)عدة لكي تستطيع أن تضطلع بدورها المنشود في المشروع الثقافي المنشود.
لابد من قيام مؤسسة سينمائية كبرى متخصصة في الإنتاج السينمائي فقط، تمتلك الاستديوهات التي تضاهي الاستديوهات العالمية ولديها تمويل يليق بالمطلوب منها، وتمتلك أيضا إدارة للتوزيع السينمائي في الداخل والخارج وان تكون لديها شبكة من دور العرض وآلية للعرض الإلكتروني على الإنترنت، مؤسسة بها لجنة من أعاظم السينمائيين في الإخراج والسيناريوهات والتمثيل تنتقي الأعمال المقدمة اليها وتعتمدها للإنتاج، مؤسسة تعمل وفق آليات بالغة الحداثة تخلو تماما من الروتين.. تلتزم بأن تقدم أفلاما تعالج الواقع المصري سواء من حيث الحرب على الإرهاب أو من حيث الواقع الاجتماعي للناس ..وتقدم أيضا الفيلم الكوميدي والموسيقي والاستعراضي.. تقدم الضحكة وتقدم التأمل وتقدم قبلهما واقع الوطن، مؤسسة كهذه لابد وبصراحة أن تمتلكها الدولة، بعد أن جربنا القطاع الخاص ونمط إنتاجه السينمائي لعشرات السنين والنتيجة واضحة.
هناك اقتراح آخر.. لماذا لا تقدم السينما على حوائط وجدران الشوارع مجانا للمارة؟ هناك لوحات وجداريات رسمت في الشوارع، تقنيا يمكن عرض الأفلام في الشوارع للناس تحت التأمين والحراسة اللازمين بالطبع، لنذهب إلى الناس في القرى والنجوع وفي العشوائيات بالأفلام الراقية بدلا من أن يذهب إليهم آخرون ببضاعة التكفير من كتب وأشرطة وخطب تحرض على الإرهاب مجانا! الثقافة السينمائية الراقية تطرد عن العين مشاهد العنف والدم.
هناك بالطبع اقتراح ثالث يتمثل في أن نحسن اكتشاف الوجوه الجديدة في التمثيل والاقلام الجديدة في الكتابة والعيون الجديدة في الإخراج.. عبر لجنة أخرى تتبع المؤسسة التي ذكرناها، تضخ في الشرايين السينمائية دماء جديدة.
لابد للسينما أن تضطلع بدورها في المشروع الثقافي المنتظر لأنها طرف أساسي في المعادلة الثقافية المطلوبة للجمهورية الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة