"اليوم السابع" تفوز بجائزة الصحافة العربية.. الزميلة هدى زكريا تقتنص الجائزة بموضوع إنسانى عن جحيم الاتجار بالبشر.. التحقيق الاستقصائى كشف أسرارا صادمة عن تهريب نيجيريات لأوروبا والشرق الأوسط

الأحد، 28 نوفمبر 2021 05:06 م
"اليوم السابع" تفوز بجائزة الصحافة العربية.. الزميلة هدى زكريا تقتنص الجائزة بموضوع إنسانى عن جحيم الاتجار بالبشر.. التحقيق الاستقصائى كشف أسرارا صادمة عن تهريب نيجيريات لأوروبا والشرق الأوسط الزميلة هدى زكريا
كتب محمد السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فازت الزميلة هدى زكريا، الصحفية باليوم السابع، بجائزة الصحافة العربية فى دورتها العشرين، فئة الصحافة الإنسانية وذلك عن تحقيق استقصائي بعنوان "جحيم الاتجار بالبشر.. أسرار صادمة عن تهريب نيجيريات لأوروبا والشرق الأوسط.. حكايات بيع ضحايا بوكوحرام على يد سماسرة بأوراق مزورة" . 

وكانت "اليوم السابع" تتبعت فى تحقيق استقصائي خط سير ضحايا الخادمات النيجيريات موثقا بالصوت والصورة، بداية من خروجهن من موطنهن الأصل وصولا لاستحواذ السماسرة عليهن وتوزيعهن على الأسر لخدمتهم، راصدين كل التجاوزات والانتهاكات غير القانونية التى تتعرض لها الفتيات اللائى تحولن لسلع تُباع وتُشترى وتخضع لقوانين السوق من العرض والطلب، وكواليس ما يحدث فى تلك التجارة التى تحتل المركز الثالث على مستوى العالم فى قائمة التجارة غير المشروعة الأكثر ربحا، بعد تجارتى السلاح والمخدرات، وتقدر أرباحها بـ32 مليار دولار وفقا لتقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية، فيما يصل العائد السنوى للعمل بالسخرة وحده باعتباره أحد أشكال الإتجار بالبشر إلى 150 مليار دولار، وفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية عام 2014.

و يعيد " اليوم السابع" نشر التحقيق :

جحيم الاتجار بالبشر.. تحقيق استقصائى يكشف أسرارا صادمة عن تهريب نيجيريات لأوروبا والشرق الأوسط.. حكايات بيع ضحايا بوكوحرام على يد سماسرة بأوراق مزورة.. إتاوات شهرية للعمل بالسخرة والمحصلة 150 مليار دولار

كوب من الشاى تضعه أمامك على الطاولة، فتاة هزيلة سمراء البشرة فى العشرينيات من عمرها، تلحقها نظرات أصحاب البيت لمعرفة ما إذا كانت قد نفذت التعليمات الملقنة إليها على أكمل وجه أم لا، بينما هى تحرص على إظهار الكوب نظيفا، وتقدمه بأفضل طريقة ممكنة. تحتسى الشاى دون أن تسأل نفسك سؤالا واحدا.. ما القصة التى وقفت وراء حاملته؟ 

«عائشة» هذا هو اسمها، فتاه نيجيرية، أنهت للتو تعليمها الثانوى فى مدينة «لاجوس» التى انتقلت إليها برفقة عائلتها فى 2011، بعدما كثفت جماعة «بوكو حرام» هجومها على مدينة «مايدوجورى» شمال شرق نيجيريا- موطنها الأصلى- وجاءت إلى مصر عام 2015 بصحبة صديق والدها، الذى أقنعه بأن ابنته ذات السبعة عشر عاما، ستأتى إلى مصر للعمل فى أحد محلات تصفيف الشعر براتب مجز، وقتها لم يجد الأب سبيلا آخر سوى الموافقة، أمام الوعود التى قطعها صديقه على نفسه بحمايتها ورعايتها. 

كان العرض، وفقا لما تحكيه «عائشة»، يتضمن العمل لمدة عامين لتسديد الأموال التى صُرفت على اصطحابها إلى مصر، وبعدها ستصبح مستقلة وستحتفظ لنفسها بأى أموال تتحصل عليها، وبالفعل بدأ صديق العائلة فى اتخاذ إجراءات السفر، حيث استخرج لها شهادة ميلاد وجواز سفر «مزورين» وتأشيرة سياحية منسوبين لاسمه، وذلك لخداع السلطات بأنه مسافر مع ابنته أيام العطلات

غادرت عائشة موطنها بموافقة والدها الذى كان يعمل تاجر حُلى - يكفيه دخله لقضاء احتياجات أسرته بالكاد- بحثا عن لقمة العيش، بعدما تأزمت الأوضاع فى بلدها، دون أن تعلم المصير المجهول الذى ينتظرها بسبب هذا الرجل، الذى سيجعلها ضحية جديدة لعمليات الاتجار بالبشر التى تحدث ما بين نيجيريا وعدد من الدول مثل ليبيا،  السودان، إيطاليا، عمان، مصر، وعدد من دول الخليج على يد سماسرة ينتمون إلى البلد الأول

تقول «عائشة»، باعتبارها واحدة من الناجين العائدين إلى نيجيريا الذين تم توثيق حالتهم بمساعدة «فيليب أوباجى» مؤسس ومنسق حملة «معا ضد الإتجار بالبشر» فى نيجيريا: عندما جئت إلى هنا كان بصحبتى فتاتان وتم توزيعنا جميعا على أسر مختلفة ولم أراهما بعدها أبدا، أما أنا فذهبت لعائلة ثرية تسكن فى منطقة مدينة نصر، كنت أعمل لمدة 20 ساعة خلال اليوم الواحد، وكان صديق أبى هو من يأخذ راتبى وقدره 5500 جنيه نيابة عنى، كنت أتعرض للتوبيخ إذا قصرت فى عملى أو غفوت أثناء خدمتى أو استيقظت متأخرة، كنت أقوم بالأعمال المنزلية كاملة من غسيل وطبخ وكى الملابس والتنظيف، عشت فى هذه المعاناة لمدة عامين ونصف العام، قبل أن يتم ترحيلى مرة أخرى إلى «لاجوس» فى نيجيريا بدون أموال، بعدما تبين للسلطات أننى أعيش بدون أوراق إقامة

«عائشة» لم تكن الضحية الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، فدفتر الحكايات ممتلئ بقصص فتيات نيجيريات تركن ذويهن رغما عنهن بحثا عن أى فرصة للنجاة والعيش، ولكن الحظ العثر جعلهن فريسة فى أيدى مجموعة من السماسرة النيجيريين- سواء كانوا أفرادا أو مكاتب توظيف عمالة منزلية- استغلوا حالة العوز والضعف لهن وسهلوا عملية خروجهن من موطنهن مستخدمين كل الأساليب غير القانونية فقط من أجل التحصل على الأموال من خلالهن، فيما يُعرف وفقا للمواثيق الدولية باسم الاتجار بالبشر، الذى يعنى تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما، سواء تم ذلك بواسطة التهديد أو استعمال القوة أو العنف أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الإتجار بشخص آخر له سيطرة عليه، وذلك كله إذا كان التعامل بقصد الاستغلال، أيا كانت صوره سواء كان جنسيا أو بغرض السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، وفقا لما نص عليه بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص «باليرمو» عام 2000.

وبذلك يعشن الضحايا داخل دائرة من الاستغلال بسبب هؤلاء السماسرة ولا يستطعن الشكوى، خاصة أن إقامتهن تصبح غير شرعية تستند على تأشيرات مؤقتة «سياحة – علاج»، فلا يصبح أمامهن سبيل آخر سوى العمل تحت ضغط وظروف قاسية

فى هذا التحقيق تتبع «اليوم السابع» خط سير الضحايا موثقا بالصوت والصورة بداية من خروجهن من موطنهن الأصل وصولا لاستحواذ السماسرة عليهن وتوزيعهن على الأسر لخدمتهم، راصدين كل التجاوزات والانتهاكات غير القانونية التى تتعرض لها الفتيات اللائى تحولن لسلع تُباع وتُشترى وتخضع لقوانين السوق من العرض والطلب، وكواليس ما يحدث فى تلك التجارة التى تحتل المركز الثالث على مستوى العالم فى قائمة التجارة غير المشروعة الأكثر ربحا، بعد تجارتى السلاح والمخدرات، وتقدر أرباحها بـ32 مليار دولار وفقا لتقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية، فيما يصل العائد السنوى للعمل بالسخرة وحده باعتباره أحد أشكال الإتجار بالبشر إلى 150 مليار دولار، وفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية عام 2014

لماذا نكتب عن الفتيات النيجيريات؟ 

فى السنوات الأخيرة، اشتدت هجمات جماعة بوكوحرام الإرهابية على الولايات والمدن النيجيرية، وأسفرت عن مقتل آلاف المواطنين، وخلفت دمارا شاملا طال اقتصاد البلاد، فازدادت نسبة الفقر وكثرت الجرائم المرتكبة ضد النساء والأطفال من عمليات أسر واختطاف واغتصاب، فاستغل بعض المخالفين للقانون ذلك وبدأوا فى استقطابهم ودفعهم للخروج من موطنهم بحجة كسب الرزق وهربا من الوضع المتأزم فى بلادهم، ناهيك عن أن نيجيريا هى بلد المُصدر والعبور والمقصد، عندما يتعلق الأمر بالإتجار بالبشر، حيث تحتل مرتبة متقدمة فى قائمة الدول الأفريقية التى لديها أكبر نسبة عبيد، وفقا لأحدث تقرير لمؤشر العبودية العالمية فى 2018 بالإضافة إلى أن تلك التجارة تعد ثالث أكثر الجرائم انتشاراً فى نيجيريا بعد الإتجار بالمخدرات والاحتيال الاقتصادى، وفقا لتقرير منظمة اليونسكو عام 2006

ولكن مع ذلك لا يوجد حصر دقيق للعدد الإجمالى لضحايا الاتجار بالبشر خارج نيجيريا، على الرغم من أن نيجيريا تُدرج بصورة روتينية، كأحد البلدان التى يوجد بها أكبر عدد من ضحايا الاتجار فى الخارج، خاصة أوروبا، حيث تم تحديد ضحايا تلك العمليات فى أكثر من 40 دولة عام 2017 وفقا لأحدث تقارير المنظمة الدولية للهجرة.

هذا كله وغيره من التقارير الراصدة للوضع هناك فى نيجيريا، جعلنا نقصر عملية البحث والتقصى على رحلة عاملات المنازل النيجيريات دون غيرهن من أبناء الجنسيات الأخرى لمعرفة تفاصيلها وطرق استغلالهن على يد هؤلاء السماسرة فى الداخل والخارج.

بداية الرحلة «محطة الخروج»  

«بدأ الإتجار بالبشر فى الانتشار فى شمال شرق نيجيريا، حيث قمت بتوثيق ما يقرب من عشرين حالة من حالات الإتجار فى المخيمات التى تأوى الناجين من تمرد بوكو حرام، لكن الكثير من حالات الإتجار بالبشر تحدث فى الجنوب، حيث يتم تهريب عشرات الآلاف من الفتيات كل عام إلى أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وبلدان أخرى فى أفريقيا».. هكذا كانت البداية مع الباحث «فيليب أوباجى» مؤسس ومنسق حملة معا ضد الإتجار بالبشر، الذى تحدث فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» عن الوضع الذى تعيش فى ظله الفتيات النيجيريات، لتكون نقطة الانطلاق فى توثيق كيفية خروجهن واستغلالهن.

لمصر سجل حافل فى مكافحة عمليات الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وعلى الرغم من عمليات الضبط التى تتم لتنظيمات وأفراد تورطوا فى تلك العمليات غير القانونية، فإن أباطرة هذه التجارة «الحرام» مازالوا يرتكبون أساليب ووسائل أخرى تمكنهم من اختراق حدود بلدان المنطقة، وهذا ما سنعرفه بشىء من التفصيل فى هذا التحقيق

الحى العاشر بمنطقة مدينة نصر، التابع لمحافظة القاهرة، وأحد الأماكن المكتظة بالمهاجرين النيجيريين، الذين فضلوا العيش فى عزلة داخل مجموعات منغلقة على نفسها، لذلك كان هناك صعوبة فى التواصل معهم والتحدث إليهم واختراق خصوصيتهم.

فى تلك المنطقة، كان لقاؤنا مع واحدة من الفتيات النيجيريات العاملات فى المنازل، بعدما نجح فى ترتيب اللقاء أحد الأصدقاء السودانيين، اسمها «أكودا» فى العشرينيات من عمرها، جاءت لمصر من ولاية أويو النيجيرية عام 2016، بعدما ساعدها أحد الأشخاص فى نيجيريا على الخروج من أجل العمل والتربح، فاستخرج لها جواز سفر وتأشيرة دراسة، على الرغم من كونها ليست طالبة علم، وأخذ عليها كل التعهدات والضمانات التى تكفل له استرداد أمواله وقيمتها 7000 دولار بفوائدها مما تتحصل عليه من راتب.

«تكلفت أموالا كثيرة لكى أسافر إلى مصر، وأصبح من الصعب العودة، خاصة أننى لم أدخر جنيها واحدا، ولم أرسل أى أرباح للرجل الذى تكفل بسفرى، فأنا لم أستمر فى عمل واحد أكثر من بضعة أيام وسرعان ما أتركه بسبب ضغط العمل، فقد يصل الأمر للعمل بدوام كامل دون راحة، وكل شىء ملقى على عاتقى من غسيل وكى ملابس ورعاية أطفال نظير 5500 أو 6000 جنيه شهريا، لم أتحصل عليها فى الغالب، فكثيرا ما أترك الخدمة قبل نهاية الشهر

وتختتم قائلة: أسكن برفقة فتاتين أخريين مقابل 500 جنيه شهريا، أعانى كل مرة فى التحصل عليهم، وأتواصل مع أهلى باستمرار وأتمنى العودة إلى بلدى، ولكنى أشعر بالحرج لأننى لم أدخر أى شىء طيلة السنوات الماضية، مما سيشعرهم بخيبة الأمل

تصبح الفتاة النيجيرية أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول إما أن يتم استدراجها من قبل شخص هناك يتكفل بعملية استخراج وثائق السفر بطرق ملتوية مخالفة للقانون، على أمل هجرتها للعمل وإرسال ما تحصلت عليه من نقود لتسديد ما يتكبده من أموال بفوائدها، على اعتباره دينا، مثلما حدث مع «أكودا» الفتاه النيجيرية السابقة وكذلك «عائشة»، أو أن تصبح الفتاه تحت رحمة مكاتب توظيف عاملات المنازل، التى لا تكفل أى حماية أو ضمانة قانونية للفتاة، وتسلك نفس المسار غير القانونى لمساعدة الفتيات على السفر من موطنهن نظير عمولة بمئات الدولارات.

وفى النهاية، تصل الفتاة للبلد المهاجرة إليها وتتعامل على أرض الواقع مع سماسرة نيجيريين فى الداخل يستغلونها أيضا لتحصيل الأموال، وتظل هكذا داخل تلك الدائرة المفرغة، وأمام هذين الخيارين تبقى الحقيقة الأكيدة، وهى مخالفة كل هذا للقانون النيجيرى الذى ينص على تجريم التعامل مع الإنسان كعبد أو استخدامه كضمان أو ضمان للدين، وعقوبة من يخالف ذلك السجن 7 سنوات، وغرامة 2 مليون نيرة نيجيرية.

شركات توظيف عاملات المنازل النيجيرية تتاجر بالفتيات

تفاصيل المخالفات القانونية التى تتم عبر مكاتب توظيف عاملات المنازل فى نيجيريا، استدعت التواصل مع إحداها فى مدينة «أبوجا» العاصمة، وتدعى  شركة «برايت العالمية لخدمات التوظيف» لتوثيق مرحلة خروج الفتيات النيجيريات من موطنهن الأصل.

تقدم الشركة نفسها على اعتبارها مكتب توظيف يساعد المواطنين النيجيريين من الجنسين الهاربين من سوء الأوضاع فى بلدهم للعمل فى أوروبا والشرق الأوسط، قمنا بمراسلة تلك الشركة على اعتبارنا مكتب استقدام عاملات منازل فى مصر ونريد الاتفاق معهم على إحضار ما يقرب من 15 فتاة نيجيرية

وافق القائمون على المكتب واستمر التواصل معنا- عبر مراسلات موثقة- قرابة الأسبوعين، واتضح خلال تلك الفترة الزمنية مجموعة من التفاصيل الآتية، أولا: يستخرج المكتب للفتيات تأشيرات علاج نظرا لسرعتها، فلا تحتاج لاستخراجها أكثر من ثلاثة أسابيع على عكس نظيرتها الخاصة بالسياحة، التى تستغرق شهرين، ثانيا: يتم استخراج الفيزا بناء على أوراق طبية مزورة، يتم تقديمها لسفارة البلد المراد السفرإليها، تفيد بسوء الحالة الصحية لحاملة جواز السفر، مما يستدعى سفرها لتلقى العلاج اللازم، ثالثا: يتحصل المكتب على عمولة من الفتيات لحجز تذاكر الطيران والحصول على الفيزا، ويحصل على عمولة مماثلة من مكتب الاستقدام تصل إلى 400 دولار على الفتاة الواحدة، رابعا: وافق القائمون على شركة التوظيف على إتمام الاتفاق على الرغم من علمهم بأننا شركة وليدة تحت التأسيس ولا نملك أى أوراق رسمية تضمن حقوق هؤلاء الفتيات، أخيرا: أبدى القائمون على المكتب موافقتهم وإمكانية عمل الفتيات حتى وإن عجزنا عن توفير الإقامة لهن- بعد انقضاء مدة التأشيرة المقررة سلفا- مع إمكانية تسليمهن للأسر فور وصولهن المطار

تفاصيل الاتفاق السابق الذى انتهى بإرسال عقد الشراكة إلينا من قبل المكتب، تنم عن عدم اكتراث الطرف الأول، بحقوق الفتيات اللائى سيساعدهن على الخروج من بلادهن ليواجهن مصير غير معروف، وإنما فقط اهتموا بحجم ما سيتم تحصيله من وراء الاتجار بتلك العمالة، وهذا ما تعلق عليه جولى أوكا دونلى، المديرة العامة للوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر فى نيجيريا NAPTIP التى قالت: إن تسهيل السفر الخارجى عبر وكلاء ليس جريمة فى حد ذاته، ولكنه يتحول إلى جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات وغرامة تصل إلى 2 مليون نيرة نيجيرية، إذا كان الوكيل يعلم أن السفر سينتهى بالضحية لشكل من أشكال الاستغلال، على سبيل المثال إذا كانت تعمل فى بيئة غير آدمية بهدف جنى المال من ورائها

تعد الوكالة الوطنية لحظر الإتجار بالبشر فى نيجيريا NAPTIP  الجهة الرسمية المخول لها منع مثل تلك الممارسات غير الشرعية والتصدى لها ومحاكمة مرتكبيها، وإعادة تأهيل ضحاياها فى نيجيريا، ومن هذا الصدد تقول جولى أوكا دونلى، المديرة العامة للوكالة فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»: نحن نخلق الوعى حول مخاطر الهجرة غير الشرعية، والوقوع فريسة لوعود التوظيف خارج البلاد التى غالبا ما تهدد الضحايا وتعرضهن للاستغلال، ولقد تلقينا تقارير عن فتيات نيجيريات محاصرات فى ظروف استغلالية متنوعة فى عدد من دول الشرق الأوسط، ونعمل مع المنظمة الدولية للهجرة، والوزارة الاتحادية للشؤون الخارجية لإعادتهم إلى نيجيريا.

وتضيف: لا يوجد حصر دقيق لأعداد الحالات التى تتعرض للاستغلال خارج البلاد، ولكننا نتلقى كثير من التقارير عن وجود سمسارة وضحايا، وقد نص القانون النيجيرى المعنى بمكافحة الإتجار بالبشر على تجريم أى عمل يتطلب توظيفا، أو نقلا، أو تلقى أو استئجار شخص يستخدم فى العمل القسرى داخل نيجيريا أو خارجها، وأى شخص يجند أو يستورد أو يصدر أو ينقل أو يشترى أو يبيع أو يتصرف بأى شكل من الأشكال فى أى شخص كعبد أو يقبل أو يستقبل أو يعتقل أو يأوى شخصًا كعبد، فإنه يرتكب مخالفة قانونية عقوبتها السجن مدة لا تقل عن 7 سنوات وغرامة تصل إلى 2000000 نيرة نيجيرية.

 واختتمت حديثها قائلة: كل ما نحتاجه هو أن تقوم دول المقصد أيضًا بملاحقة العملاء فى بلدانهم، وكذلك أصحاب العمل الذين يستغلون هؤلاء الضحايا، حيث إن هناك دورا أكبر لدول المقصد، يجب أن تلعبه، خاصة أن الجريمة الأسوأ وهى الاتجار بالبشر واستغلالهم تحدث على أرض تلك الدول، ولا بد من التعاون لترحيل الجناة ومحاكمتهم.

المحطة الثانية «الوصول» 

بعدما تنجح الفتاة فى الخروج من نيجيريا تصبح فى مواجهة ما يوجد على أرض الواقع، تتقرب من الأصدقاء والمعارف من أبناء بلدها وتبدأ الدائرة تتسع تدريجيا لتقع فى يد أحد السماسرة، الذى يعمل إما وكيلا لأحد مكاتب العمالة المصرية أو يتواصل مباشرة مع الأسر، ويقوم بإرسال الفتاة إليهم نظير آلاف الجنيهات، وعادة ما يتخلى هذا السمسار عن حقوق الفتيات فى حالة حدوث أى مشكلة، نظير ما يتلقاه من مال من قبل العميل، وبالتالى تصبح الفتاة وحيدة ليس لديها ما يضمن حقوقها المادية والمعنوية

مثلما تقول «أكودا» ابنة ولاية «أويو» النيجيرية: عملت لدى أسر فى مناطق مثل السادس من أكتوبر والشيخ زايد والقطامية عن طريق بعض الوكلاء النيجيريين الموجودين هنا فى مصر، وللأسف حتى وإن كان لدى أى شكوى، لا يساعدنى الوكيل ولا يهتم بحقوقى، لأنه يتقاضى نظير خدمتى من العميل، وبالتالى لا أستطيع مواجهته، ومؤخرا تركت العمل لدى أسرة بعدما عملت لمدة أربعة أيام فقط وأعطونى عنها 100 جنيه فقط. 

اسمه ينطقه الصغير قبل الكبير فى الحى العاشر بمنطقة مدينة نصر، «د.أ» أحد خريجى جامعة الأزهر الشريف، جاء لمصر منذ ما يزيد عن 19 عاما، أنهى دراسته وتفرغ للعمل فى محل ملابس خاص به قبل أن يستقدم زوجته من نيجيريا للعيش معه هنا وينجبان ثلاثة أطفال، وفى حقيقة الأمر لم يكن تصميم الملابس الأفريقية وبيعها هو شغله الوحيد، فقد اعتاد التواصل مع مكاتب توظيف العمالة والعمل لديها كوسيط للزج بالفتيات النيجيريات للعمل لدى بعض الأسر قبل أن يقرر تركهم والعمل لحسابه الخاص، «فكرت ليه أشتغل مع مكتب وتكون عمولتى قليلة إذا كان من الممكن التواصل مع الأسر مباشرة وإحضار الفتيات وأحصل على أجرى كاملا». 

كان موعدنا فى الحادية عشر صباح يوم الجمعة، حددنا مكان اللقاء فى الدور الأخير بأحد فنادق منطقة «ميدان رمسيس»، جاء فى الوقت المحدد، رجل أسمر اللون، يرتدى زيا يحمل معه ملامح بلده، كان العرض الذى تم تقديمه إلىّ عبر الهاتف هو أننا نرغب فى الاستعانة بخمس خادمات نيجيريات للعمل لدى عائلة أحد رجال الأعمال بفيلته الخاصة فى منطقة الشيخ زايد

فى بداية اللقاء، كان سؤاله لماذا اخترتم النيجيريات تحديدا، فأجبناه: يتحملن العمل الشاق، دقائق قليلة من محاولات إذابة الجليد، حتى أخذ الرجل الثلاثينى يسترسل فى الحديث: لدى فتيات بداية من 26 وحتى 30 عاما، سيتم الاتفاق على نظام العمل، هل سيكون بإقامة دائمة مع العائلة أم سيذهبن ويجيئن عليهم كل أسبوع على سبيل المثال، ولكن بشكل عام سيكون الراتب 400 دولار شهريا للفتاة الواحدة، ولى مثلها، أى أن عمولتى شهرية على الفتاة الواحدة بنسبة 100% وكل 6 أشهر سيتم تجديد التعاقد ورفع نسبة العمولة 10 %. 

وبسؤاله عما إذا حدثت مشكلة والجهة التى يمكن أن تلجأ إليها الفتيات: لا علاقة للسفارة بالأمر، أنا المسؤول إذا حدث أى تجاوز منهن، سيتم محاسبتهن، فلا خوف من ذلك، وبشكل عام أنا أتعامل مع الفتيات الجادات الراغبات فعلا فى العمل وأكل العيش، وأضاف: 90 % من النيجيريات الموجودات فى مصر بدون أوراق إقامة، خاصة أنها لا تُمنح سوى للطلاب الدارسين، ولكن سأتصرف فى الأمر إذا أراد رجل الأعمال أوراقا رسمية للفتيات

وتابع ساردا مزيدا من التفاصيل حول ما يحدث مع هؤلاء الفتيات: هناك بعض الأفراد يستقدمون خادمات من نيجيريا ويقومون بتوزيعهن على الأسر فور وصولهن مطار مصر، ولكن استخراج الفيزا واستكمال الأوراق الخاصة بهن سيأخذ وقتا طويلا فى نيجيريا، لذا أفضل الاستعانة بالفتيات الموجودات بالفعل فى مصر، وغالبيتهن من مدن شمال غرب نيجيريا، قائلا: «ممكن نمشى الدنيا وتيجى بأى فيزا لكن الفكرة كيف سيتم منحها الإقامة هنا، هذا سيحتاج وقتا». 

واستكمل حديثه قائلا: أعمل مع فتيات ثقة وفى حالة وجود أى ملاحظة أو اعتراض عليهن من قبل الأسر، «نمشيهم الموضوع سهل» وطوال الوقت سيكون هناك متابعة من جانبى، سأتصل أسأل عنهن وإن كانت خدمتهن جيدة أم لا وفى كل الأحوال سأجلس معهن فى البداية أعرفهن طبيعة العمل وضرورة الاستعداد له وتحمله، «بقولهم لازم نطول بالنا».

واختتم قائلا: لو جاءت لى فتاة واشتكت من سوء معاملة الأسرة معها سأطلب منها التحمل إذا أرادت الاستمرار، لأن المعروف أن العمل فى البيوت شاق ويستغرق ساعات طويلة يوميا، «لو شدوا شوية معاهم فى الشغل هنقولهم إن ده طبيعى، بيحصل كتير وبنبدلها لو صاحب البيت اشتكى منها، ولو هى اشتكت من صاحبة العمل بنقولها استحملى، أى شغلانة فى الدنيا بيكون فيها شكوى».

الاتفاق السابق والعرض الذى أبداه «د.أ» يطوى فى تفاصيله مخالفة قانونية يعتبرها القانون النيجيرى، المعدل صياغته لعام 2015، جريمة، تجعله مطلوبا من قبل سلطات بلاده وتخضعه للمحاكمة والعقاب، حيث ينص القانون على المعاقبة بالسجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 2 مليون نيرة، أى شخص يشترى أو يبيع أو يستأجر أو يدع أو يحصل بأى شكل آخر على حيازة أو تصرف أى شخص مع العلم أنه من المحتمل أنه سيتعرض للاستغلال بهدف الحصول على أرباح.

قد يسلك السمسار النيجيرى الذى يتاجر بأحلام الفتيات الهاربات من جحيم بلدهن، مسارين لتحقيق أرباح من خلف تجارته تلك، إما التعامل مع الأسر مباشرة أو التواصل مع مكاتب توظيف للخادمات الأجانب هنا، ولمعرفة كيفية ذلك وإن كانت تلك الفتيات يتم حفظ حقوقهن أم لا، تم تحديد عينة مكونة من عشرة مكاتب توظيف للخادمات الأجانب  فى مناطق بالقاهرة والجيزة، والتواصل مع القائمين عليها تليفونيا بحجة البحث عن خادمة نيجيرية للعمل فى إحدى الشقق السكنية بمنطقة الشيخ زايد ووصلت إجابة القائمين على تلك المكاتب بناء على مجموعة معايير، وهى «إن كان المكتب يتعامل مع خادمات نيجيريات من عدمه، الراتب الشهرى، عمولة المكتب، نظام التعاقد، وكيفية الوصول لتلك الفتيات من الأساس».  

ومن خلال المعايير السابقة تبين الآتى: جميع المكاتب- مفردات العينة 10 مكاتب- يتعاملون مع الفتيات عبر وكلاء نيجيريين مقيمين هنا، تتراوح رواتبهن ما بين 5000 وحتى 6000 جنيه، إن كانت مهامهن تشمل الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال معا، يحصل المكتب على عمولة شهر مساو لراتب الفتاة، ويمكن تبديل الفتاة فى حالة وجود شكوى منها خلال 6 أشهر من التعاقد، ونظام الإقامة يكون إما 26 يوما فى الشهر مقابل 4 أيام إجازة أو كل أسبوعين عمل يقابلهما يومين إجازة.

وبالتالى حرص تلك المكاتب على حقوق العميل لم يقابله حرص مواز لحقوق الفتاة النيجيرية، خاصة أنها تعمل بدون أوراق رسمية وتخضع لسيطرة المكتب أو الوكيل الذى أحضرها، وفى نفس الوقت هى لا تضمن حقوقها من المكتب نفسه، خاصة أنه لا يوجد قانون يحمى حقوق عاملات المنازل عامة فى مصر، ولا توجد جهة حكومية تتولى الرقابة على تلك المكاتب، حيث إن قانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003، نص فى المادة الرابعة منه على استبعاد عمال الخدمة المنزلية من مظلة الحماية القانونية، بالإضافة إلى أن وزارة القوى العاملة ليست جهة اختصاص أو مراقبة لمكاتب توظيف العمالة المنزلية

وأمام هذا سعت النائبة «نشوى الديب» عضو لجنة الإعلام والثقافة، إلى تقديم مشروع قانون جديد يضمن الحماية اللازمة لتلك الفئة ويعرفها بحقوقها وواجباتها مع ضرورة العودة للمكاتب التى ترخص العمل، بحيث لا يكون هناك أى تحكم فيهن من قبل مخدوميهم، قائلة: مشروع القانون ينص على حقوق أصحاب البيت وينظم العلاقة بين الطرفين الخادم والمخدوم، وتحركى لإصدار هذا التشريع جاء من باب كثرة حوادث الضرب والتعذيب والتحرش التى يتعرضن لها الخادمات خاصة فى الفترة الأخيرة

وأضافت النائبة، أن مشروع القانون المقدم من جانبها لم يتطرق لملف الخادمات الأجانب قائلة: هذا الملف معقد ويخضع لأكثر من جهة رقابية على رأسها السفارات المعنية بالفتيات، ولكن فى جميع الأحوال القانون المصرى يتعامل بكل حزم وحسم مع هذا الملف لخطورته، خاصة أن هناك الكثير من الجرائم والأفعال المنافية ترتكب تحت مظلته، وهذا ما تسعى الدولة للحد منه طوال الوقت بإلقاء القبض على الشبكات المتورطة فى تلك التجارة غير القانونية

المحطة الأخيرة «مواجهة الواقع» 

بذلت الحكومة المصرية جهودا ملموسة فى مناهضة جريمة الإتجار بالبشر، وذلك من خلال إرساء إطار تشريعى لمكافحة تلك الجرائم حيث تم إصدار القانون رقم 64 لعام 2010 الخاص بمكافحة الإتجار بالبشر، ووضع تعريفا شاملا للجريمة، وحدد عقوبة مرتكبيها بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر.

كما يكفل القانون المصرى تقديم الحماية ومساعدة المجنى عليهم وإعادة تأهيلهم فى المجتمع، وبخلاف هذا وضعت مصر تشريعا آخر رقم 82 لسنة 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ويعود لهذا القانون الفضل فى إنهاء ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حيث لم يتم رصد أى إبحار لمراكب تحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ سبتمبر 2016.

وخلال عام 2019 حققت الحكومة المصرية فى 78 جريمة إتجار بالبشر، أحالت الحكومة 44 حالة للمقاضاة، ووفقا لأحدث تقارير الاتجار بالبشر لعام 2019 والصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الحكومة المصرية أفادت بأنها أصدرت أحكاماً بالإدانة فى 11 قضية اتجار فى عام 2018، مقارنة بإدانة ثلاثة متاجرين فى عام 2017 حكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين أربع وعشر سنوات. وفى مارس 2019، ذكرت وسائل الإعلام أن الحكومة أدانت 40 شخصا فى قضايا إتجار بالبشر، وتلقى هؤلاء الجناة أحكاماً بالسجن لمدة تتراوح بين 3 و16 سنة.

وأشار التقرير أيضا إلى أن مصر تحتل المرتبة الثانية عالميا للعام الثانى على التوالى فى مكافحة الإتجار بالبشر، مما يعكس الجدية التى تتعامل بها مع هذا الملف، وبخلاف كل هذا شمل التقرير نجاح مصر فى الانتهاء من دار الإيواء الخاصة بتأهيل ضحايا الإتجار نفسيا، وتدريب العاملين فيها على مستوى عال من الكفاءة، مما يتناسب مع هذه الفئة التى وقعت فى براثن هذه الجريمة النكراء.

وفى هذا الصدد، يقول اللواء فاروق المقرحى، مساعد وزير الداخلية السابق: إن هذه القضية جريمة بكل المقاييس، وعندما تتمكن أجهزة الأمن من ضبط شبكات الإتجار بالبشر بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، يتم التواصل مع سفارات بلدهن، فيما يتعلق بالضحايا، لبدء إجراءات ترحيلهن خاصة أنهن وجودهن بشكل غير شرعى بإقامات منتهية وأوراق مزورة، ولحين إتمام عملية الترحيل، يتم احتجازهن بشكل آدمى والتعامل معهن بشكل جيد وتقديم كل سبل الدعم والرعاية لهن لحين عودتهن لبلادهن، أما المتهمون فيتم تطبيق قانون الدولة المضيف عليهم وتوقيع العقوبات اللازمة عليهم ثم ترحيلهم

أمام الإجراءات القانونية التى تتخذها مصر لحماية هؤلاء الضحايا قدر الإمكان وإعادتهن لبلادهن لتأهيلهن نفسيا ومعاقبة المتاجرين بهن، لا يبقى أمام الفتيات سوى طريق واحد، عليهن السير فيه لتدبير معيشتهن هنا، وهو القبول بالعمل فى المنازل حتى وإن كان ذلك يتم فى ظروف قاسية، تقول «توسن» ابنة ولاية «لاجوس» ذات الثمانية والعشرين عاما، التى جاءت لمصر منذ 5 أعوام، وتسكن منطقة مدينة نصر نفسها: «عملت لدى أسر بعضها عاملنى بشكل جيد، والبعض الآخر  بشكل سيئ، تعرفت عليهم عن طريق أحد الوكلاء النيجيريين هنا، كنت أعمل لمدة 26 يوما فى الشهر، أتقاضى فى المقابل 4000 جنيه، كنت أعمل بمفردى وملزمة بإتمام الأعمال المنزلية كاملة من تنظيف ورعاية أطفال، ومن أسوأ المواقف التى تعرضت لها هى بعد إنهائى عملى وقبل حصولى على الإجازة، يختلق العميل أى مبرر حتى لا أحصل على راتبى، على سبيل المثال أننى لم أؤدى عملى على أكمل وجه، وحاليا أعمل لدى أسرة تتعامل معى بشكل جيد، وأصبحت متخصصة أكثر فى تنظيف المنزل، وليس رعاية الأطفال، خاصة أننى أجد صعوبة فى التواصل معهم بسبب اختلاف اللغة.

وتضيف: ليس أمامى سبيل آخر سوى العمل، فأنا لدى مسؤوليات عديدة تجاه أسرتى التى تركتها فى نيجيريا، وجئت لكى أعمل من أجلهم، وبشكل عام المضايقات التى نتعرض لها فى كل مكان وفى أى دولة ليس هنا فقط.

حياه «توسن» التى آلت إليها تتشابه كثيرا مع التفاصيل التى ذكرتها «ناديدى» والتى تقول: لدى خبرة كبيرة فى العمل بالمنازل لدى أسر مصرية وغير مصرية، فأنا جئت إلى هنا فى 2014، بعض الأسر ترحب بتعاملنا مع الأطفال والبعض الآخر لا، وبالمثل بعضهم يمنعنا من التواصل مع أسرنا حتى لو عبر الهاتف، والبعض الآخر لا، على الرغم من أننى تركت زوجى وطفلى فى نيجيريا وأعيش هنا بمفردى، هذا بخلاف أن البعض يلقى على عاتقى كثيرا من المهام من رعاية أطفال وتنظيف، وحتى الترفيه عن الحيوانات بمقابل 5000 جنيه فقط قد لا نأخذها فعليا فى نهاية الشهر

 وتضيف «ناديدى» التى توقفت عن الخدمة فى المنازل منذ 2017 واكتفت بالعمل مع أصدقائها النيجيريين فى مجال تسويق الأطعمة والمنتجات النيجيرية: الوكيل النيجيرى يتلقى عنى عمولة نظير عملى لدى الأسرة، ولا يوجد أى ضامن لحمايتى، حتى إذا تعرضت للاستغلال على يديه

وأخيرا، تبقى الحكايات المأساوية التى تروى على لسان الضحايا  شاهدة على الاستغلال الذى يتعرضن له، على يد هؤلاء السماسرة المتاجرين بأحلامهن فى البحث عن لقمة العيش وكسب الرزق فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والإرهاب الذى التهمت نيرانه كل شىء فى موطنهن







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة