فقاعة ثلجية ودبوس من نار.. هل العالم مقبل على أزمة اقتصادية؟.. تبعات كورونا تضرب العرض والطلب.. التضخم يأكل الفوائض ويهدد الاستثمار.. الطاقة والإمداد والشحن لا تبشر بتعافٍ سريع.. والمنطقة ليست خارج حزام الموجة

الثلاثاء، 02 نوفمبر 2021 11:51 ص
فقاعة ثلجية ودبوس من نار.. هل العالم مقبل على أزمة اقتصادية؟.. تبعات كورونا تضرب العرض والطلب.. التضخم يأكل الفوائض ويهدد الاستثمار.. الطاقة والإمداد والشحن لا تبشر بتعافٍ سريع.. والمنطقة ليست خارج حزام الموجة أزمة التضخم وارتباك الأسواق العالمية
حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وتيرة التعافى من كورونا فتحت الباب لتعميق اختلال العرض والطلب ودفع التضخم إلى مساره الصاعد

الإجراءات المتخذة عالميا غير كافية لتثبيت المشهد أو تفكيكه وانتقال الآثار بين الأسواق يهدد بدوامة لن تترك أحدا
 

التضخم يأكل الفوائض المالية ويهدد مستويات الاستثمار.. واللعب بورقة الفائدة مخاطرة غير مأمونة قد تدفع للركود

ضبط التضخم والبطالة وترشيد عجز الموازنة وزيادة الاحتياطى النقدى ومخزون السلع تعزز قدرة مصر على عبور الأزمة
 

المشروعات القومية تخلق طلبا ووظائف وتضمن استقرار القطاعات الإنتاجية.. وعلينا الوعى بحجم الأزمة واستيعاب إجراءات تفادى الأضرار

المنطقة العربية فى حزام التأثر السلبى بالأزمة العالمية.. وخيار السلامة الشخصية يبدأ بترشيد الإنفاق وإعادة ترتيب أولويات الاستهلاك
 

قبل ثمانية عقود تقريبا دخل العالم أزمة اقتصادية حادة. بدأت بأسواق المال وانتقلت إلى بقية القطاعات، على خلفية زيادة السيولة وتراجع العرض والتقاعس عن خفض الضرائب بشكل يُعزز مستويات الاستثمار والإنتاج. وبعيدا عن حزمة الأسباب المعقدة والمتضافرة، انفلت حبل التضخم وتعقدت قيود العرض ودخل الجميع كسادًا كبيرا. ثم تكررت الأزمة بوتيرة أقل قبل ثلاث عشرة سنة، بدفع من عمليات توريق منفلتة فى سوق الرهن العقارى، طالت آثارها البورصات والمصارف والقطاعات المرتبطة بأنشطة التشييد والعقارات. والآن يقف العالم على أعتاب أزمة جديدة، لا تبدو حتى الآن بقسوة سابقتيها، لكن لسوء الحظ تتوفر لها أسباب التطور إلى حالة أكثر تعقيدا، ربما ترتقى لمستوى المحنة ما لم تأخذ الحكومات العالمية بزمام المبادرة، لإدارة أكثر حسما وفاعلية.

تقدير الحالة الآن، أننا إزاء فقاعة تضخمية آخذة فى الانتفاخ بوتيرة سريعة، تُغلّفها أجواء من التوجس داخل أسواق المال ومجتمعات الاستثمار، مع عجز أو عدم رغبة من الدول الكبرى فى اتخاذ تدابير فعالة لتجفيف البركة الناشئة قبل اتساعها، أو استعادة التوازن عند أقرب النقاط المحتملة وغير المُهدِّدة بالخطر. وإلى ذلك تتسع رقعة الخوف من انكسار الميزان وابتعاد كفّتيه، والدخول فى حالة ركود، سواء تطورت إلى كساد أو لا، والرعب كله أن يصبح جدار الفقاعة سميكا إلى درجة لا تسمح بنفاذ الإجراءات، فلا زيادة للإنتاج ولا قدرة على ترشيد الإنفاق وامتصاص السيولة. وللأسف ما تزال هناك إشارات كافية لقراءة المشهد على كل الصور، المتفائلة أو بالغة التشاؤم.

مؤخرا، خسرت شركة أبل 6 مليارات دولار من المبيعات خلال الربع الأخير من سنتها المالية، والأمر نفسه مع عشرات الشركات الكبرى، وأكبر من هذا يحيط بالدول والأسواق العالمية، جراء ضغوط اقتصادية قاسية وتضرر ملموس لسلاسل الإمداد والتوريد، بدأته الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قبل نحو ثلاث سنوات، وأكملته وعمّقت آثاره جائحة كورونا، وما رافقها من إغلاق واهتزاز فى أسواق الطاقة وشح فى الإنتاج.

 

إذا أخذنا حالة "أبل" نموذجا لقراءة المشهد، بوصفها واحدة من المعاقل الصناعية المرتبطة بحركة السوق وسلاسل الإمداد، سنجد أن سهمها تراجع بنسبة 1.8% مع إجمالى قيمة سوقية 2.48 تريليون دولار، لتفقد موقعها كأكبر الشركات فى العالم لصالح "مايكروسوفت"، التى ارتفع سهمها 2.2% مؤخرا، و49% منذ بداية العام، لتصل قيمتها السوقية إلى 2.49 تريليون دولار. كانت تلك القفزة بفضل زيادة الطلب على البرمجيات وخدمات الحوسبة السحابية، لكنها تُشير إلى أزمة تعيشها الأسواق فيما يخص الإنتاج، يُعمّقها امتصاص شركات التقنية والخدمات لحصة كبيرة من الإنفاق، بما يؤثر على مؤشرات الاستهلاك وقدرات الأسواق الحقيقية على التعافى واستعادة التوازن.

المغامرة المخيفة والحلول المعطلة
 

تبدو الأزمة الراهنة مُركّبة نوعا ما، إذ تحمل حلولها المحتملة مخاطر بالدخول فى مشكلات أكثر تعقيدا. وخلاصة الأمر أن ضغوط الجائحة خفّضت الطلب على الطاقة، وقلّصت الإنتاج إلى مستويات أثّرت على سلاسل التوريد، وعلى معروض السلع فى الأسواق. فى البداية لم تظهر حدّة الأزمة بسبب تراجع الطلب، وانتهاج الأسواق والمستهلكين مسارا تقشفيا، لكن لاحقا وجد الجميع أنفسهم مضطرين للتعايش بصورة طبيعية؛ جرّاء الكلفة الباهظة لهذا التقييد، هنا تبدّلت الأحوال تماما بين إشكالات عدّة متداخلة: أولها زيادة الطلب على الطاقة وصولا إلى مستويات قياسية فى الأسعار مقارنة بالعام الماضى، بسبب فاتورة النقل وشح المخزون خلال الإغلاق، ثم زيادة الطلب على السلع والخدمات، مع عجز القدرات الإنتاجية المتاحة عن الوفاء بتلك المتطلبات، وفى القلب من كل هذا اتجاه الدول لتعزيز الإنفاق وزيادة حزم التنشيط وإدارة ملف الفائدة بآلية تسمح بتحفيز السوق لاستعادة مسارها الطبيعى، الأمر الذى تسبب فى قفزات شاملة للأسعار، تظل مرشحة لاستكمال مسارها التصاعدى، ومقيدة بمخاطر العودة عن تلك الإجراءات وما قد تتسبب فيه من ركود يُبقى حالة الانكماش التى عاشها العالم خلال العام الماضى أعلى صوتا وأكثر تأثيرا على الأسواق.

أزمة أبل أوضحها رئيسها التنفيذى تيم كوك، قائلا إن الربع الأخير "شهد قيود إمداد أكبر من المتوقع، فضلا عن اضطرابات تصنيع ارتبطت بالوباء جنوب شرقى آسيا"، مُفسّرا الأمر بالعجز عن تدبير مُدخلات الإنتاج الضرورية وعلى رأسها الرقائق الإلكترونية، التى مثّلت واحدة من أبرز تجليات الأزمة لأغلب شركات التقنية حول العالم. الأمر نفسه يُمكن تلمُّس معالمه فى كل القطاعات، فمع طفرات الأسعار فى الطاقة ومُدخلات الإنتاج والتأمين، وقصور أنظمة الشحن واللوجستيات عن الوفاء بالاحتياجات الضرورية فى أفق اقتصادى وزمنى مناسب، لن تصبح السوق قادرة على تلبية الطلب وخلق الوظائف، ما يعنى تقلُّص الإنفاق الاستهلاكى وفرص النمو، مع تباطؤ بعض القطاعات الحيوية باهظة الكُلفة استثماريا واستهلاكيا، وأخطر ما فى الأمر ارتفاع أسعار المنتجات النهائية مع عجز تلك القطاعات عن تمرير الزيادات المتسارعة للمستهلكين المقيدين بالدخل والفائدة. وهنا يُمكن أن تشهد السوق ركودا قاسيا، أو اهتزازات تدفع بشركات ومستثمرين كُثر خارج المنافسة أصلا.

فى هذا المناخ، تصبح عجلة الاستثمار أكثر تحفظا، وتكلفة دورانها باهظة على الدول والمؤسسات، إذ يتطلب التنشيط حزمة مزايا تبدأ من ترشيد الفائدة وتصل إلى الحوافز الضريبية، مع ما يكتنف ذلك من تراجع فى الموارد العامة، وتغذية للقدرات الشرائية إلى درجة يُحتمل معها أن تقفز معدلات التضخم. هنا تقف الحكومات بين أمرين: إما المغامرة بمواجهة التضخم مع احتمالية الدخول فى الركود، أو الهروب من شبح الركود مقابل إشعال محرقة التضخم، والأخطر أن يختل التوازن الدقيق فتدخل السوق فى حالة مترافقة من الأمرين "ركود تضخمى" تشهد ارتفاعا فى الأسعار مع نمو فى العرض وتراجع للطلب.

 

 

إغراءات الطاقة واضطرابات الإنتاج
 

مثلما سبقت أزمة كورونا أفكار أغلب الدول وإجراءاتها، سبق تعافى المستهلكين منها قدرات المنتجين وسلاسل الإمداد. بدأ الأمر مع خطة الهروب من أشباح كورونا، وما شهدته من ضخ البنوك المركزية بالدول الكبرى حزم تنشيط ضخمة لمساندة الأسواق والشركات، بينما كان الإنتاج فى أقل مستوياته والمشكلات فى أوجها، لتزيد الضغوط التضخمية على الأسواق وتُغلَق الدائرة على خيارات تُفضى إلى بعضها، فى مسار يبدو أنه لا وجهة له إلا مزيدا من الضغوط. هكذا ازداد الطلب بسرعة وشراهة، فارتفعت أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، دعمتها أزمة النقل والخدمات اللوجستية، وتبع ذلك ارتفاع عام شمل مدخلات الإنتاج والسلع الاستهلاكية والخدمات وغيرها. وحتى الآن ما يزال الأمر مُرشَّحا للتصاعد فى ظل رغبة الدول فى التعافى الكامل من مرحلة كورونا وتجفيف آثارها، والعودة بالأسواق إلى نشاطها الطبيعى. صحيح أن أسعار الطاقة الحالية تُمثّل فرصة اقتصادية مُغرية للمنتجين بالحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة، ما يزيد المعروض ويُعيد توازن العرض والطلب، إلا أن هذا المسار ربما يستغرق ربعين أو ثلاثة أرباع من العام، وفى غضون تلك الفترة ستتضرّر الأسواق بدرجة كبيرة، على الأقل فيما يخص الادخار والاستثمار والاستهلاك والبطالة ومستويات المعيشة، مع ارتفاع كُلفة مداواة هذه الآثار فى المديين القريب والمتوسط.

سجلت أسعار الغاز الطبيعى ارتفاعا بنحو 500% فى أوروبا، مع مستويات بين 15 و30% فى أسعار بعض السلع الأساسية. وعلى سبيل المثال قالت وزارة التجارة الأمريكية إن مؤشر التضخم السنوى ارتفع بأسرع وتيرة خلال 30 سنة، مسجلا 4.4% خلال سبتمبر على أساس سنوى فيما يخص الغذاء والطاقة، ونحو 3.6% بعيدا عن مؤشرات الاستهلاك الشخصى، رغم انخفاض الدخل 1% متجاوزا ضعف التوقعات السابقة. أما فى أوروبا فقد سجلت فى أكتوبر المنقضى أعلى مستويات تضخم خلال 13 سنة عند 4.1% على أساس سنوى، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأوروبى "يوروستات". وسجلت دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية 3.3% فى أبريل مقابل 2.4% فى الشهر السابق، بما يتجاوز مستويات أزمة الرهن العقارى العالمية بالعام 2008. وتشير التوقعات إلى استمرار التضخم بين 4 و5% فى ألمانيا، وهو أعلى مستوى لها منذ 28 سنة، ويتجاوز الحد الأقصى التنظيمى لمنطقة اليورو عند 3%. وتوقع صندوق النقد الدولى للمنطقة العربية أن تشهد موجة تضخم مرتفعة، تتراوح بين 6 و10% فى بعض الدول المستقرة، وتقفز إلى ما بين 18 و31% فى دول غير مستقرة مثل اليمن وليبيا، وصولا إلى الانفجار بالدول المأزومة مثلما سجلت لبنان وسوريا تضخما بين 50 و100% خلال العام الماضى.

 

 

جدوى التضخم ومخاوف الركود
 

ربما لا يُشكل التضخم فى حد ذاته أزمة مقلقة، إذ إنه حال النجاح فى إبقائه عند مستويات آمنة، وقيد الإدارة المُحكمة، يُمكن أن يُمثّل فرصة إيجابية للسوق، لأنه يعنى مزيدا من المعروض النقدى بما يُوفّره من قدرات أكبر للاستثمار والاستهلاك، لكن الأمر لا يخلو من مُغامرة قد ينفلت فيها الرباط، ليأخذ التضخم مسارا تصاعديا ضاغطا على توازن العرض والطلب، وعلى الادخار حال اختلال مُؤشّر العوائد الحقيقية، وهنا فإذا كان الأمر مُرتبطا بارتفاع أسعار المُدخلات وكُلفة الإنتاج سترتفع تكلفة الاستثمار وتعجز الشركات عن تمرير الزيادة، فتتراجع الأرباح وترتبك سوق المال، وصولا إلى تباطؤ بعض القطاعات أو توقف شركاتها، وفى المقابل قد تضطر الدول والمؤسسات المالية لاتخاذ إجراءات جادة لترشيد التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، لكنها بينما تمتص السيولة الفائضة من السوق؛ تُغامر بإيقاف عجلة الاستثمار وتقليص الإنفاق الاستهلاكى والتضحية بقدر من النمو.

مقابل تلك المخاوف والآفاق المُعتمة، تقف الأدوات المالية المتاحة عاجزة عن التدخل الحاسم. إذ من قبيل المخاطرة غير المأمونة اللجوء إلى مسار التيسير النقدى عبر تقليص الفائدة إلى مستويات أقل كثيرا من معدلات التضخم، ما يعنى تراجع الادخار ونزوح الأموال من المصارف، بما يُشكّل ضغطا على المحافظ المالية وحدود الائتمان، وتعزيزا لتقشُّف المستهلكين مع دفع الطلب على الأصول والمعادن النفسية بالدرجة الكافية لمزيد من نفخ بالونة التضخم وانحسار أمواج الاستثمار، بتأثير من تقلُّص الدخل وعوائد الشركات وأرباحها، واهتزاز أداء الأسهم والسندات، مع ما يحيط بذلك من انخفاض الإنفاق الاستهلاكى وزيادة البطالة وتراجع الإيرادات العامة، وربما يصل الأمر إلى عجز المؤسسات عن إدارة الأزمة، بسبب عدم امتلاكها لتكلفة تلك الإدارة!

 

ضغوط عالمية على المنطقة
 

ظهرت الأزمة بشكل واضح عالميا، وتضررت الدول الكبرى وما تزال قيد احتمالات مقلقة بشأن المخاطر، لكن المنطقة العربية بطبيعة الحال ليست بعيدة عن موجات تلك التأثيرات وأصدائها. يصل متوسط واردات المنطقة لنحو 50% تقريبا من الاستهلاك، ما يضعنا فى قلب المشهد الخارجى بكامل تفاصيله، بآثار سياساته النقدية وتداعيات أزمة التسعير، أضف إلى ذلك فاتورة النقل الباهظة جراء مشكلة اللوجستيات، وحتى الدول النفطية لن تكون بمعزل عن تلك الحالة، إذ ستكون مضطرة لتعزيز الإنفاق الاجتماعى وإدارة الفائدة بمرونة لا تجفف قدرات الشراء، مع تكثيف إنتاجها النفطى بما يحمله من أعباء اقتصادية وبيئية وتأثير على الثروات الطبيعية، والأهم أن عليها مداواة الجراح التى طالت احتياطاتها النقدية ومخزونها الاستراتيجى من السلع، ووسط كل ذلك تظل معرضة لمخاطر تقلص الطلب على الطاقة أو الوصول إلى توازن العرض والطلب واتخاذ الأسعار منحنى هبوطيا. خلاصة الأمر أن كل دول المنطقة ستظل داخل فقاعة التضخم العالمية لفترة، وبدرجات متفاوتة، متكبدة مزيدا من الأعباء فى المدفوعات والميزان التجارى ومخصصات الاستثمارات العامة والرعاية الاجتماعية، مع إمكانات حركة ضئيلة فى مجال محدود لإبقاء السوق مستقرة، بعيدا عن خطر التضخم المنفلت أو الركود القاتل.

الأمر فى مصر لا يبتعد كثيرا عن السياق العربى، إذ لدينا فاتورة واردات باهظة التكلفة، لا تؤثر علينا فيما يخص سلاسل التوريد وأنظمة الشحن وتوازن العرض والطلب فقط، وإنما تضغط ماليا على الموازنة العامة والاستثمار ومؤشرات أسعار المستهلكين. تلك الصورة تعنى أننا مرتبطون بشكل مباشر بما يحدث خارجيا، بالدرجة نفسها التى تربط المواطن فى أوروبا أو الولايات المتحدة والصين وغيرها بالمشهد. وفق هذا التصور قد لا يختلف إيقاع الأزمة بالداخل عما سيصبح عليه الأمر عالميا. التضخم هناك يعنى اختلال العرض والطلب وقلة الإنتاج وتراجع الاستثمار وقصور الشحن واللوجستيات، وانغلاق الأسواق على نفسها مع إعادة ترتيب الأولويات على حساب التجارة الخارجية، والركود هناك مآله تراجع الطلب على الوقود والواردات السلعية، والأمران يضغطان بشكل مباشر على المنطقة والسوق المحلية، إما بتراجع الإمدادات مع ارتفاع كُلفتها، أو بتراجع الإيرادات مع العجز عن تدبير المتطلبات المالية لإبقاء مستويات التوريد ضامنة للسوق ومحفزة للإنتاج المحلى.

خارج تلك الثنائية، لا يمكن التغاضى عن أثر حزمة الإجراءات المتخذة محليا فى تقليص فاتورة عبور المنحنى الصعب. الفترة الماضية شهدت تحسينا للمؤشرات المالية فيما يخص عجز الموازنة والمدفوعات والميزان التجارى، وضبط مستويات البطالة والتضخم دون المستهدف بنسبة جيدة، وتعزيز الاحتياطى النقدى وصادرات الطاقة والصادرات السلعية غير النفطية، فضلا عن رفع المخزون الاستراتيجى من السلع الأساسية إلى ما بين خمسة وستة أشهر، وتثبيت الفائدة منذ أواخر العام الماضى عند مستويات آمنة ومتوازنة فيما يخص وتيرة التضخم ومؤشرات الادخار والاستثمار، إضافة إلى إعادة هيكلة مكونات الدين الخارجى لصالح الالتزامات طويلة الأجل بنحو 80% تقريبا، وكل ذلك مدعوم باستثمارات عامة ضخمة فى قطاعات كثيفة العمالة ومرتبطة بعشرات المجالات الصناعية والاستهلاكية، ومعنى ذلك أن الطلب لن يختل إلى مستويات تنذر بالركود، وأن التضخم قد يرتفع بالفعل لكنه ربما لا يتجاوز المعدلات المستهدفة للعام، وفى الغالب لن تشهد السوق اختناقات مزعجة خلال ذروة الأزمة بالربعين الماليين المقبلين، ولن تُعانى ضغوطا غير مُحتملة على المدفوعات الدولارية؛ لكن يتطلب الأمر وعيا اجتماعيا بأهمية ترتيب الأولويات، وترشيد الإنفاق، وإعادة صياغة قائمة الاستهلاك، والأهم استيعاب حجم الأزمة وإلزامية الإجراءات العاجلة التى قد تتخذها الحكومة.

حتى الآن ما يزال العالم على أول الطريق، بينما تتنوع القراءات الفنية وتتضارب آراء المتخصصين، بين من يرون الأمر اختناقا طارئا سرعان ما سينفك وتعود مستويات التضخم للانضباط، ومن يرونه حفرة سوداء عميقة سينزلق إليها العالم ولن يخرج فى المدى القريب. لا مصادرة على تلك التحليلات لا سيما أن لكل منها وجاهته، المؤكد أن الصورة ليست مُشرقة كما يُبشر المتفائلون، لكن عمليا ربما لا تكون مُعتمة بالقدر الذى يحذر منه المتشائمون، والمهم أننا إزاء أزمة طبيعية وكانت متوقعة، وتمثل حلقة اعتيادية وتصحيحية من حلقات الأسواق كلما انفلت السباق واختلت معادلات توازنه، ومكمن الخطورة الوحيد أن ينجح اليمين المتطرف فى تمرير رؤاه وإحكام الخناق بدرجة أعنف، لكن إن امتلكت المؤسسات الفنية زمام المبادرة فقد تنحل العقدة ونخرج من النفق بحلول منتصف العام المقبل، أو بنهاية الربع الثالث منه، وحتى تلك النقطة وما سنلاقيه من إجراءات فى الطريق إليها، سنظل بين مخاطر الفقاعة الثلجية السميكة، ومخاوف التعجل فى إنهاء الأزمة بدبوس من نار.

ازمه التضخم العالميه
هل العالم مقبل على أزمة اقتصادية؟

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة