شعبان يوسف يكشف كيف استقبل النقاد المصريون مسرحية سارتر "المومس الفاضلة" 1958

الثلاثاء، 16 نوفمبر 2021 04:20 م
شعبان يوسف يكشف كيف استقبل النقاد المصريون مسرحية سارتر "المومس الفاضلة" 1958 الفنانة سميحة أيوب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ننشر مقالة للشاعر والناقد شعبان يوسف تحت عنوان "كيف استقبل النقاد المصريون مسرحية سارتر المومس الفاضلة 1958"، ويرصد فيها كيف تناقش المصريون قديما حول هذه المسحية فى سنة عرضها. 
 
فى نوفمبر 1958 تم عرض مسرحية الكاتب والفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر المسماة بـ "المومس الفاضلة" على خشبة المسرح القومى، وأخرجها الفنان حمدى غيث، وقامت ببطولتها الفنانة الشابة سميحة أيوب، ومعها ممثلون آخرون من فرقة المسرح القومى هم: عمر الحريرى، وحسن البارودى، وتوفيق الدقن، وحسين رياض، وكان قد ترجم المسرحية من قبل الكاتب مازن الحسينى.
 
سميحة أيوب
سميحة أيوب
 
ومما لا شك فيه أن ذلك الوقت كان مفعما بنهضة مسرحية كبيرة، وبدأت علامات ذلك النهوض على أيدى كتّاب متوهجين مثل نعمان عاشور وألفريد فرج على وجه الخصوص، وتبلورت بعض معالم تلك النهضة فى تيار الواقعية الذى حمله مجموعة من الكتاب والمخرجين والفنانين والنقاد، وتم تفعيل ذلك التيار فى مجالات عديدة أدبية وفنية، وكان فى ذلك الوقت وزير الثقافة والإرشاد القومى، هو ثروت عكاشة، ومدير عام الفنون المسرحية والموسيقى الدكتور على الراعى، وكان مدير المسرح القومى السيد أحمد حمروش أحد الضالعين فى العمل الصحفى والثقافى والفنى، وكان أحد قيادات الضباط الأحرار، وهذا يعنى أن الدولة كانت ضالعة بقوة فى قيادة الحياة الثقافية بشكل واضح وصريح، دون أى التباس، وكانت لجنة القراءة التى تجيز النصوص، وتمر من خلالها إلى خشبة المسرح، تضم أسماء لها وزن قوى فى ذلك الوقت، مثل أحمد حمروش، وفتوح نشاطى، والدكتور عبد القادر القط، والدكتور محمد القصاص، والدكتور محمد مندور، والمخرج نبيل الألفى، وكان رئيس اللجنة الدكتور على الراعى، ولذلك لا مجال لأى عشوائية أو تباسط أو مجانية فى اختيار النصوص، فاللجنة الموقرة ينطوى كل عضو فيها على قدر عظيم من الأهمية الفنية أو الثقافية أو الفكرية، ومن هنا جاء اختيار نص "المومس الفاضلة" للكاتب والفيلسوف جان بول سارتر.
 
ولا بد أن نتذكر أن ذلك العام 1958، هو العام الذى شهد مأساة جميلة بوحيرد، وكتب جان بول سارتر داعما لقضية جميلة، وكانت القاهرة كذلك تعتبر قضية الجزائر قضية مصرية عربية مصيرية، ولم يكن موقف سارتر هذا جديدا على العالم، بل كان يناصر قضية الجزائر من قبل، إذ أنه كتب مقالا شديد اللهجة فى منتصف عام 1957 عنوانه "قضية الجزائر..أبدا ..مجندون شهداء"، وأسله لإحدى الصحف اليومية فى فرنسا، ولكن الصحيفة رفضت المقال، فنشره فى مجلته "الأزمنة الحديثة"، وفيه كما ذكرت مجلة الآداب التى ترجمته ونشرته فى أغسطس 1957، عمل سارتر على تحليل وفضح لنفسية الفرنسيين تجاه قضية الجزائر المكافحة، وفضح هذه النفسية الخاضعة لحملة الدعاية والتضليل والتزييف التى تشنها السلطات الفرنسية تجاه الجزائريين منذ وقت طويل.
 
الآداب
 مجلة الآداب
 
ونحن لا نريد رصد مواقف جان بول سارتر المضادة للاستعمار فى كل أنحاء العالم، والداعمة لكافة الشعوب التى كانت تناضل من أجل حرياتها، وكما يعلم المتابعون للثقافة الغربية فى ذلك الوقت، أى عقد الخمسينات، سيلاحظ أنها تركت أثرا عميقا فى المثقفين العرب، وخاصة الفلسفة الوجودية، وكان سارتر أحد زعمائها البارزين فى العالم، وكانت كتاباته تجدد ترجمات لها فى كثير من المجلات ودور النشر العربية، ففى يناير 1957 أعدت سلسلة كتابى ملفا عنه تحت عنوان "زعيم .. من فرنسا: قصة الانحلال والتعفن الخلقى فى المجتمع الفرنسى، لصاحب الفلسفة الوجودية جان بول سارتر"، وكذلك كتب أحد المفكرين المصريين دراسة مهمة تحت عنوان "الوجودية، لماذا"، وفى عام 1956 أعدت مجلة الرسالة الجديدة عددا كاملا عن الوجودية، كما نشر أنيس منصور فى ذلك العام كتابا عنوانه "الوجودية"، وهذه شذرات من سيل جارف غمر المطبوعات العربية والمصرية فى ذلك الوقت.
 
أما مسرحية "المومس العمياء"، فقد ترجمها الكاتب والمترجم سهيل إدريس، الذى كان يتقن الفرنسية، ونشر المسرحية فى مجلته الآداب عدد مايو 1954، وترجم عنوانها بـ "البغى الفاضلة"، وعندما نشرت المسرحية لم تثر أى نوع من التحفظ، حيث كان مؤلفها أحد المفكرين الغربيين الذين يقفون بضراوة ضد الاستعمار بكل توجهاته وفى كل العالم، وبالطبع له تجربة نضال عظيمة فى مواجهة النازيين فى عقد الأربعينات، قبل أن يبرز الاستعمار الأمريكى الذى بدأ يحل رويدا رويدا محل الاستعمار البريطانى، ومن ثم جاءت تلك المسرحية الدالة، والتى اعتبرها الباحثون إحدى الأيقونات فى فضح المستعمر الأمريكى فى أمريكا ذاتها، أى استبداد الرجل الأبيض بالزنوج، واستوحى سارتر مسرحيته من قضية واقعية بشعة تدل على فداحة ذلك الاستبداد، ولم يكن العنوان أكثر بشاعة من الفعل ذاته الذى حدث على الأرض، ودلّ على الغطرسة المفرطة للرجل الأبيض تجاه مواطنه الأسود، وباختصار أراد سارتر فضح ذلك الوضع الذى صدم بعض مدعى الفضيلة الزائفة.
 
توفيق الدقن
توفيق الدقن
 
بداية هناك أخطاء كثيرة رددها فنانون ونقاد وصحفيون، وحاول الفنان محمد صبحى أن يخطئ كثيرا من المتحدثين، ولكنه هو نفسه أخطأ عندما قال بأن المسرحية تم عرضها فى عقد الستينات، ولم يحدد فى أى عام من الستينات، وتحدث فى مداخلته مع الإعلامى خيرى رمضان عن أن المسرحية لم تثر جدلا آنذاك، ولكن المسرحية أثارت جدلا لا يعرف الفنان الكبير عنه أى شىء، والمسرحية لم يعرضها المسرح القومى فى الستينات، بل تم عرضها كما ذكرنا فى البداية فى نوفمبر 1958، والتاريخ هنا عنصر شديد الأهمية، لاختلاف السياسات.
 
تمت ترجمة المسرحية ثلاث مرات، الأولى كما قلنا فى عام 1954 تحت عنوان البغى الفاضلة، وقام بترجمتها سهيل إدريس، والثانية صدرت عام 1957 وترجمها مازن الحسينى، والترجمة الثالثة فى منتصف الستينات للمترجم عبد المنعم حفنى، والنص الذى قامت بعرضه فرقة المسرح القومى، هو أقلهم جودة، حيث أنه نال قدرا وافرا من الملاحظات كما سنذكر لاحقا.
 
المسرحية باختصار تحكى قصة "ليزى"، إحدى بنات الهوى الأمريكيات، وفى المشهد الأول يطالعنا المؤلف بحوار بينها وبين أحد الزنوج المرعوبين المختبئين فى منزلها، الزنجى يستحلف ليزى بأنها لا تعترف عليه، بل يطلب منها أن تقول الحقيقة عندما تستدعيها الشرطة أو القضاء، وهى تحاول أن تستنكر كل ما يقوله الزنجى، غير أنها لن تقول إلا الحقيقة لو استدعتها الشرطة، فهى ليست طرفا فى أى قضية، الزنجى يكاد يبكى أو يصرخ خوفا ورعبا من المصير الذى يعرفه سلفا تجاه المتغطرس والمستبد الأبيض، وهى لا تدرك المدى الذى وصل إليه ذلك الزنجى من الرعب، والذى ترك زوجته وأولاده دون أن يعرفوا عنه أى شئ، وفى تلك الأثناء يطرق الباب، فيختبئ الزنجى فى الحمام، ويدخل شخص اسمه "ألفرد"، ويدور حوار طويل بين ليزى وذلك الشخص، والذى يخبرها بأنها لا بد أن تعترف على أن أحد الزنوج قد هم باغتصابها عندما كانت تركب الحافلة، ولكنه تقول له بأنها لم تتعرض لأى اغتصاب، فيقول لها بأنه يكلفها أن تقول ذلك، وسوف يكافئها على ذلك الأمر، لأن اثنين من الزنوج حاولا أن يفعلا ذلك الفعل، بإحدى قريباته، وعندما شعر بذلك توماس ابن عمه، هم بالتصدى لهما، وقتل أحدها، لكن الآخر هرب، ولا بد من شهادة تحاول إنقاذ توماس من الحبس المحقق، بعد أن قبضت عليه الشرطة، ولكنها أصرّت ألا تقول شهادة زور أمام القاضى، بل إنها لن تذهب لأى قاض، فالشهادة لا بد أن تكون اختيارية، وهى ليست مجبرة، وعندما يقول لها ألفرد بأنها مجرد عاهرة تريد أن تدعى الشرف، فتقول له بأن أمه هى الساقطة، والتى لم تفلح فى تربيته، هنا قال لها بأنها لا تعرف من أى عائلة هو، وعندما سألته، قال لها بأن أحد أبناء كلارك عضو مجلس الشيوخ، ومن الممكن أن يخسفوا بها الأرض، ورغم ذلك لم تنكسر صلابة ليزى أمام تهديد ألفرد، وكانت تتخلل تلك المشاهد بعض المداعبات الجنسية المعتادة بين ليزى وألفرد، وكان مندهشا لها عندما تقول له: "إن ضميرى لا يسمح بأن يدلى بشهادة زور"، ويقول لها منذ متى كان للعاهرات ضمير، فترد عليه الصاع صاعين، وهى تصرّ على عدم الإدلاء بأى شهادة زور، وتظل المباراة بينهما حتى يأتى رجلان، يزعمان أنهما من البوليس، جون وجيمس، ويحاولان ترهيبها وترغيبها، ولكنها أصرّت على عدم الإدلاء بأى شهادة، ولو اضطرت للإدلاء بشهادة، فلن تقول إلا الحقيقة.
 
وعندما تتعقد الأمور، يطرق الباب، ويدخل شيخ أشيب وكبير فى البسن، ويعرّف نفسه بأنه كلارك عضو مجلس الشيوخ الأمريكى، وينهر جون وجيمس وابنه ألفرد، ويقول لهم جميعا بأن ليزى على حق، ويتساءل كيف يحاولون إجبارها على الإدلاء بشهادة زور، إنها تنطوى على ضمير، ويطردهم جميعا خارج المنزل، ومن هنا يكسب كلارك تعاطف ليزى، ويقرر أن يبدأ مناورة للخروج، ولكنها تتشبث به، ويدور حوار ثعبانى وماكر، وينتزع كلارك بدهاء عجوز داهية من ليزى كل ما يريدأن تقوله، ويطلب منها التوقيع على ورقة تقول بهذا الاعتراف، والذى سوف ينقذ ذلك الرجل الأبيض فى مواجهة الأسود المنبوذ، وعندما يرحل كلارك، يظهر الزنجى، وتكتشف أنها وقعت فريسة لخديعة كبرى، فتعطى مسدسها للزنجى لكى يقتل أى أحد يقترب منه، لكنه يقول لها بأنه لا يستطيع، ولا يقدر، ولا يعرف، كيف يفعل ذلك؟
 
البغي الفاضلة
البغي الفاضلة
 
هذه هى العناصر الأساسية للمسرحية، حاولت أن أختصرها بقدر كبير من الخلل، لأن المسرحية تنطوى على كثير من الحوارات التى تستعصى على الاختصار، حيث أن جان بول سارتر لم يكن كاتبا يسير الجملة والمغزى، فكل مسرحياته وكتاباته الأدبية تحتاج إلى تأويلات وتفسيرات عديدة، ولا يصلح تناولها بأى ابتذال كما نلاحظ ذلك فى كثير من الأحيان.
 
رغم أن المسرحية نالت قدرا من تجاوب مرتادى المسرح القومى عندما تم عرضها فى مصر، إلا أن المتابعات الصحفية كانت متنوعة بين السلبى والإيجابى، بينما آثرت مجلة الغد اليسارية التى صدر عددها الفصلى فى ديسمبر 1958 ألا تقترب من الموضوع بأى كلمة، بينما نشرت مجلة روز اليوسف فى 3 نوفمبر مقالا على صفحة كاملة دون توقيع تحت عنوان "انقلاب فى المسرح المصرى"، ذكرت فيه كل مسرحيات الموسم، ما عدا مسرحية سارتر، وفى العدد الذى صدر فى 15 ديسمبر، كتب محمود السعدنى مقالا عن المسرحيات المعروضة، ولكنه لم يأت أيضا على ذكر المسرحية، بينما نشرت المجلة خبرا عن سميحة أيوب يقول: "بعد أن تم طلاق الممثلة سميحة أيوب من زوجها الرسام الإيطالى الأصل، قرر الزوج مغادرة القاهرة إلى الأبد ليعيش فى إيطاليا، فأقامت له سميحة أيوب حفلة وداع، وفى نهاية الحفلة قبّلت سميحة زوجها السابق قبلة الوداع وتمنت له حظا سعيدا".
 
ومن المدهش أن تهتم المجلة بخبر طلاق سميحة أيوب، أكثر من اهتمامها ببطولتها لمسرحية مهمة مثل المومس الفاضلة، وهذا الخبر لم يكن الأول من نوعه عن سميحة أيوب فى روز اليوسف، ولكن المجلة نشرت فى عددها الصادر فى 6 أكتوبر، أى أثناء الإعداد للمسرحية مقالا خبريا طويلا دون توقيع، كان عنوانه "طلاق سمارة من زوجها الإيطالى"، يقول مطلع الخبر: "يتم هذا الأسبوع طلاق الممثلة المسرحية سميحة أيوب، والتى اشتهرت بتمثيلها فى الإذاعة لدور سمارة، من زوجها الإيطالى الرسام مارتشلو، والذى أشهر إسلامه عند زواجه منها، وكان قد تعرف عليها أثناء إعداد لديكورات مسرح الأزبكية، وكما تذكر المجلة "..وظل أكثر من شهرين كاملين يقف كل ليلة بين الكواليس لمشاهدتها وهى تمثل، وأحست به وتفاهما، واتفقا على الزواج"، وبعد استطرادات أخرى انتهت المقالة ب: "وزواج مارتشلو من سميحة أيوب هو زواجها الثانى خلال عامين، أما زواجها الأول فكان من الممثل السينمائى محسن سرحان، ودام ثلاثة أعوام وأنجبت منه ولدا واحدا".
 
هذا ما جاء فى مجلة روز اليوسف الغراء، إذ أنها اهتمت بأخبار سميحة أيوب الشخصية، دون أن تقترب من بطولتها للمسرحية.
 
حسين رياض
حسين رياض
 
وفى جريدة الأخبار كتب الناقد المسرحى عبد الفتاح البارودى مقالا سريعا، ولكنه تناول الأمر بطريقة شكلية، حيث أنه انتقد أن المسرح القومى أراد أن يعرض مسرحيتين فى بروجرام واحد، يقصد المومس الفاضلة، أما المسرحية الأخرى هى "رجل الأقدار" لبرنارد شو.
 
وفى اليوم نفسه 24 نوفمبر كتب الناقد كامل يوسف مقالا فى جريدة المساء، وهنا مقتطفات من المقال: "تتعرض المسرحية لموقف إنسانى يتصل بمشكلة الزنوج... وقد اعتنى المخرج حمدى غيث بالسرد الظاهرى للموضوع، من حيث حرفية البناء واصطدام الشخصيات... وقد أمتعتنا سميحة أيوب بدراسة مستفيضة لمعالم الغانية من حيث اللفظ والحركة، إلا أنها وقفت على حافة الشخصية فأطلتنا على مظهرها وسلوكها دون أن تغوص إلى أعماقها لتلمس منابت حيرتها.. إن أزمة المسرحية تتبلور فى لحظة الانقلاب فى تفكير الغانية على أثر لقائها مع السناتور كلارك "حسين رياض".
 
أما أنيس منصور فكتب فى 25 نوفمبر بجريدة الأخبار مقالا طويلا وتفصيليا ومادحا للمسرحية، وذاكرا أن كلمة مومس لم تعد مزعجة، رغم أن الكلمة كانت من الممكن أن تترجم إلى غانية أو عاهرة أو بغى، ولكنه انتصر لترجمتها إلى مومس، لأن تلك الكلمة تصدم، وتوقف العين وتثير العقل وتستدرج الأقدام إلى المسرح، واستطرد منصور مادحا غالبية عناصر المسرحية الإخراجية والتمثيلية.
 
أما الناقد محمد دوارة، فشن هجوما كاسحا على المسرحية، فى جريدة الشعب، وفى عددها الصادر فى 30 نوفمبر، قائلا : "...أما ومومس سارتر إنسانة تافهة لا تفهم ما حولها ولا تدافع عن قيمة من القيم ولا تتمسك بمثل من المثل، فلماذا حملتنا فرقة المسرح القومى ما حملتنا وهو عسير، إن حوار المسرحية قذر، ولا أجد ما أصفه به أقل من هذه الصفة، وقد صور مؤلفون قبل سارتر شخصية المومس فى رواياتهم ومسرحياتهم، ولكنهم لم يستعملوا ألفاظا كالألفاظ التى استخدمها والتى لا أستطيع تكرارها"!
 
وجدير بالذكر أن المسرحية جذبت أنظار كثيرا من قادة الرأى العام، وأعنى هنا خالد محيى الدين عضو مجلس قيادة الثورة، ورئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة المساء، فكتب فى الجريدة بتاريخ 7 ديسمبر مقالا بعد أن شاهدها، وجاء فى مقاله "..ولا شك أن هناك جهدا ضخما بذل فى الإخراج والتمثيل، وخاصة سميحة أيوب التى مثلت دور المومس، وأنا لا أوافق بتاتا على الآراء التى قالت إن ألفاظ المسرحية كانت ألفاظا عادية بالنسبة لنوع المسرحية، ولا خوف منها على صغار البنات، فإن الألفاظ تجعل الشخص يشمئز من وظيفة المومس، إنما الخطر من تلك القصص والمسرحيات التى توضح للبنات كيف يستطعن أن يتغلبن على رقابة الآباء على رقابة الآباء ويخفين حبهن وغرامهن.."!
 
وجاء مقال الدكتور محمد مندور تحليليا وتفصيليا ووافيا فى مجلة البوليس 7 ديسمبر 1958، استهله قائلا: "لقد كان تمثيل فرقتنا القومية لمسرحية المومس الفاضلة للكاتب الفرنسى جان بول سارتر امتحانا عسيرا للمستوى الثقافى السائد فى وسطنا المسرحى، وذلك لأن هذه المسرحية لا يمكن أن يتضح هدفها إلا لمن درس فلسفة مؤلفها وهى الفلسفة الوجودية التى ما فتئ سارتر يعرفها ويؤيد مبادئها فى صور الأدب المختلفة من القصة إلى المسرحية إلى المقال الثقافى إلى سيناريو السينما، بل ويعرض فى مؤلفاته الأدبية المتتابعة تطور مفاهيم تلك الفلسفة فى نفسه".
 
واختصر الدكتور  مندور المسرحية فى أنها تقوم على ثلاثة مبادئ، أولها البغاء، وثانيها اتجاه فكرى وسلوكى معين فى المومس، وثالثها تمييز عنصرى آثم ومنتشر عند الجنس الأبيض فى أمريكا، وأبدى مندور أن القارئ من الممكن ألا يستطيع إدراك هدف المؤلف لتشابك تلك العناصر أو كما أسماها مندور المبادئ، وأبدى مندور رأيه بأن المخرج لم يستطع أن يوضح الأمر جيدا، ولذا أخفق فى تبيين ذلك الهدف، فجاءت المسرحية مهتزة ضائعة الهدف، وفى الوقت نفسه انتقد د مندور اختيار المترجم لمفردة المومس، بينما كان يرى أن البغى هى المفردة الأقرب للشخصية المسرحية.
 
ويستطرد الدكتور مندور فيعرض ويحلل مستفيضا فى عرض وجهة النظر التى أرادها المؤلف، وابتعادها أو اقترابها من العرض الذى جاء فى المسرح القومى، ومما سبق نستطيع أن نقول إن الجدل الذى دار منذ أكثر من ستين عاما، من الطبيعى أن يتجدد الآن مرة أخرى، بعيدا عن أشكال الطرح السوقية، والتى لا تدرك الدوافع الأساسية للمسرحية، مع الأخذ فى الاعتبار اختلاف الثقافات والقناعات التى تفصل بين الزمنين، أكثر من ستين عاما.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة