وكانت آخر جلسة لمجلس الوزراء بكامل تشكيله (باستثناء وزير الخارجية لوجوده آنذاك خارج البلاد) قد عقدت يوم الثلاثاء، الموافق للثاني عشر من شهر أكتوبر الماضي برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وبحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في قصر الرئاسة ببعبدا، وكان من المقرر دراسة عدد من الأمور والموضوعات العاجلة المتعلقة بالإصلاحات التي تعكف عليها الحكومة، إلا أن الخلافات حول مسار التحقيقات في انفجار ميناء بيروت سيطرت على الجلسة التي شهدت مشادات استدعت إنهاء الجلسة وتحديد موعد في اليوم التالي لجلسة مخصصة لاستكمال الحديث حول مسار التحقيقات، وفي اليوم التالي الموافق للثالث عشر من أكتوبر، تم إرجاء الجلسة لأجل غير مسمى حتى اليوم .


وجاءت الجلسة الأخيرة لمجلس النواب بعد ساعات من ثلاثة تطورات مهمة في مسار التحقيقات في انفجار ميناء بيروت، أولهما إصدار قاضي التحقيق طارق البيطار مذكرة ضبط وإحضار غيابية للنائب والوزير السابق علي حسن خليل القيادي بحركة أمل وهو ما أعتبرته حركة أمل ومعها حزب الله تحديا سافرا وتسييس للتحقيقات وانتهاك لمبادئ القانون والدستور الذي ينص على محاكمة الوزراء والرؤساء أمام هيئة قضائية خاصة تعرف باسم "المجلس الأعلى" وتتشكل من نواب وقضاة، وليس أمام القضاء الطبيعي.


وأما التطور الثاني الذي زاد الغضب داخل جلسة مجلس الوزراء، هو أن الجلسة انعقدت بعد دقائق معدودة من اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي اسفر عن رفض طلب قاضي التحقيق طارق البيطار بالحصول على إذن لملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا؛ لاستجوابه بصفة مدعى عليه (متهم) في قضية تفجير الميناء، وهو ما دفع الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله للحديث عن استنسابية وعدم حياد واستهداف للتيار الشيعي عبر رفض ملاحقة صليبا كمدعى عليه والسماح بملاحقة الوزراء بل وإصدار قرار ضبط وإحضار بحقهم بالمخالفة للقانون والدستور.


وجاء التطور الثالث بقرار كف يد القاضي طارق البيطار عن نظر القضية مؤقتا وللمرة الثانية خلال أقل من شهر وذلك بعد طلب رد تقدم بيه اثنين من المدعى عليهم في القضية وهما النائبين والوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر، ومنذ ذلك الحين لم تنعقد جلسات مجلس الوزراء؛ ما أدى إلى تعطيل العديد من القرارات والخطوات المهمة في البلاد، إذ يشترط القانون والدستور أن تصدر قرارات مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين على الأقل من بين أعضاءه البالغ عددهم 24 وزيرا، وفي حال انعقاد المجلس بأقل من ثلثي عدد أعضاءه فيكون غير قادر على اتخاذ القرارات. 


وخلال الشهر الماضي، أثر غياب انعقاد مجلس الوزراء على العديد من الأمور والخطوات الاصلاحية في البلاد، وخصوصا أن خلال هذه الفترة زار المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي الدكتور محمود محيي الدين لبنان بالإضافة إلى عدد من كبار المسئولين بالمنظمات الدولية والجهات المانحة التي تعول عليها الحكومة اللبنانية في المساعدة بانقاذ البلاد من الأزمات المالية والاقتصادية المركبة والمتفاقمة والتي أدت إلى صعوبات بالغة في الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للشعب اللبناني الذي باتت نسبة الفقر فيه 74 %.


وفي غضون ذلك لم تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي فحسب، بل تصاعدت أيضا حدة التوتر في ملف التحقيقات بانفجار ميناء بيروت، حيث وقعت أعمال عنف دامية بالعاصمة بيروت في الرابع عشر من شهر أكتوبر الماضي (عقب يومين من توقف جلسات مجلس الوزراء) وأسفرت عن سقوط 7 قتلى وأكثر من 32 مصابا والتي باتت تعرف بأحداث الطيونة وعين الرمانة، حيث نظم الثنائي الشيعي مسيرة لقصر العدل للمطالبة باستبعاد القاضي البيطار، ونشبت احتكاكات خلال المسيرة وسرعان ما تطورت إلى اشتباكات مسلحة على أساس طائفي، وكادت تهدد السلم الأهلي للبلاد لولا تدخل الجيش اللبناني ودعوات الحكماء بتجنيب البلاد مسار الحرب الأهلية التي دمرت لبنان لعدة سنوات.


كما تقدم عدد من محامي المدعى عليهم بطلبات قضائية متعددة أدت إلى وقف التحقيقات في القضية، فيما تقدم عدد من محامي المدعين بطلبات مضادة للمطالبة بالإبقاء على البيطار، فيما لا تزال الجهات القضائية تنظر هذه الطلبات، وفي محاولة لكسر الجمود السياسي ووقف النزيف الاقتصادي، أطلق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مبادرة لحل الخلافات وعودة انعقاد مجلس الوزراء، حيث أجرى زيارة لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لبحث حل دستوري وقانوني مقنع للأزمة الراهنة في لبنان.


وقال الراعي أنه حمل الحل في زيارته الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي اللذين ابديا موافقتهما عليه، ثم عرضه على رئيس الجمهورية الذي وافق بدوره عليهـ مشددا على ضرورة تنفيذ هذا الحل في اسرع وقت ممكن، وبعدها تعود الحكومة الى الاجتماع، معتبرا أن الأمور لا يجب أن تحل في الشارع.


ورفض الراعي الإفصاح عن الحل، مؤكدا أنه ليس معنيا بالحديث عنه، مكتفيا بالقول أن الحل ينهي الخلاف الذي يعطل انعقاد مجلس الوزراء.
وفي ذات اليوم الذي أطلق فيه الراعي مبادرته، ظهرت أزمة جديدة تمثلت في تصريحات لوزير الإعلام جورج قرادحي أثناء لقاءه ببرنامج يبث على المنصات الإليكترونية والذي تحدث فيه بشكل اعتبرته المملكة العربية السعودية ودول الخليج مسيئا؛ ما أدى إلى توتر العلاقات وصولا إلى قرار السعودية والبحرين والكويت والإمارات بسحب سفرائها من لبن

ان، والطلب من سفراء لبنان مغادرة أراضيها بعد رفض وزير الإعلام للاستقالة ورفض تيارات سياسية لإقالته التي تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلس.
ويترقب اللبنانيون مبادرة حاسمة تعيد مجلس الوزراء للانعقاد مرة أخرى في ظل تصاعد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والتي يمكن تسهيلها بقرارات تتطلب موافقة مجلس الوزراء بكامل أعضاءه.


وكان قاضي قاضي التحقيق في قضية انفجارميناء بيروت القاضي طارق بيطار قد قرر في الثاني من شهر يوليو الماضي توجيه الاتهام في القضية لعدد من كبار المسئولين من بينهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب ووزير المالية الأسبق النائب علي حسن خليل، ووزير الأشغال الأسبق النائب غازي زعيتر ووزير الداخلية الأسبق النائب نهاد المشنوق وعدد من المسئوليين الأمنيين والعسكريين والقضاة.


ويعد بيطار هو ثاتي قاضي تحقيق يتولى القضية ، حيث تولى التحقيقات بعد تغيير قاضي التحقيق السابق فادي صوان في ضوء طلب الرد "التنحية" الذي تقدم به الوزيران علي حسن خليل وغازي زعيتر ضد القاضي فادي صوان، متهمين إياه باتخاذ إجراءات تثير الريبة والشكوك والخشية من عدم تحقيق العدالة المنصفة بحقهما.